هو أبو سليمان وقيل أبو الوليد خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقَظة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، القرشي المخزومي.
وأمه هي عصماء بنت الحارث ، وسماها آخرون لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن الهلالية، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب، فهو ابن خالة أولاد العباس الذين من لبابة الكبرى.
مكانة قبيلة مخزوم:
وكان لبني مخزوم مكانة كبيرة في المجتمع المكي قبل الإسلام، وكانت لها قيادة جيش قريش وبها سميت إحدى أبواب المسجد الحرام، فعن عطاء قال: " يدخل المحْرمُ من حيث شاء، قال: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة وخرج من باب بني مخزوم إلى الصفا" .
وظهر من أبناء هذه القبيلة كثيرون ممن خلدتهم كتب التاريخ سواء بوصفهم مناصرين ومؤيدين للدين الاسلامي كأبي سلمة وأم سلمة والأرقم بن أبي الأرقم وخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم أم ممن ناصبوا الدعوة الاسلامية العداء إلى آخر يوم من حياتهم كأبي جهل والوليد بن المغيرة وغيرهما.
مولده ومكانته:
في هذه القبيلة ولد خالد بن الوليد ونشأ، وربما كانت ولادته سنة تسع وثلاثين قبل الهجرة. وكان لمكان أسرته من جهة ولقدراته العسكرية الخاصة دور كبير في أن يصير أحد أشراف قريش، وأن توكل به شؤون عسكرية مهمة كالقبة، وهي ما كانت تجهيزات الجيش تُجمع فيه ، وأعنة الخيل وهي قيادة خيول قريش في حروبها .
وليس بين ايدينا أخبار وافية عن حياة خالد قبل الاسلام، والأخبار المتعلقة بمشاركاته ضد المسلمين في جاهليته قليلة. فلم يكن مذكوراً من المشاركين في معركة بدر، وكان على رأس الفرسان في معركة أحد وأفاد من ترك الرماة المسلمين مواقعهم على الجبل فقام بحركة التفاف قلبت ميزان المعركة من نصر ظاهر للمسلمين إلى انكسار. كما أنه كان على خيل المشركين يوم الحديبية.
إسلامه:
وردت روايات مختلفة بشأن اسلامه، من ذلك أن أخاه الوليد بن الوليد الذي سبقه إلى الاسلام والذي شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء سمع النبي عليه الصلاة والسلام يسأل عن خالد ويقول: لو أتانا لأكرمناه ومثله سقط عليه الاسلام في عقله. وكان خالد قد خرج قبل ذلك من مكة كراهة أن يرى المسلمين فيها، ولكن أخاه الوليد كتب إليه بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فكان له الأثر الحسن إذ أوقع الاسلام في قلبه وأغراه بالهجرة إلى المدينة .
واختُلف في تاريخ هجرته، فقيل سنة ست وقيل سنة سبع والصحيح أنها كانت في أول يوم من صفر سنة ثمان للهجرة . وروى الهيثمي عن عمرو بن العاص أن إسلامه وإسلام خالد كان قبيل فتح مكة . وكان معهما عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري، وحينما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلين عليه قال لأصحابه: رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها .
وسلم خالد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة وأسلم وطلب منه أن يستغفر له ما كان منه قبل الإسلام، ومع أنه عليه الصلاة والسلام أنبأه بأن الإسلام يجبّ ما قبله إلا أن خالداً رغب في استغفاره له فقال عليه الصلاة والسلام: "اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك" . وأقطعه موضع داره بعد قدومه عليه في المنّاء التي كانت دوراً لحارثة بن النعمان ورثها من آبائه فوهبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أقطع منها كلاً من خالد بن الوليد وعمار بن ياسر.
مكانته في الاسلام:
قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد قدراته العسكرية الفائقة، وكثيراً ما أولاه أعنة الخيل منذ ان أسلم في محاربة مشركي العرب . فقد بعثه إلى بني جذيمة من بني عامر بن لؤي، وكان على مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في بني سليم، وجُرح فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفث في جرحه فبرأ. وأرسله في سنة تسعٍ إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل فأسره وأحضره إلى النبي عليه الصلاة والسلام فصالحه على الجزية ورده إلى بلده. وأرسله في سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بن مذحج فقدم معه منهم رجال فأسلموا ورجعوا إلى قومهم بنجران. وشهد فتح مكة فأبلى فيها، وبعثه النبي عليه الصلاة والسلام إلى العزّى وكان بيتاً عظيماً لقريش وكنانة ومضر تبجله فهدمها . وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فلما حلق النبي عليه الصلاة والسلام رأسه أعطى خالداً ناصيته فجعلها في مقدمة قلنسوته فكان لا يلقى عدواً إلا هزمه.
وكان رضي الله عنه قبل هذه الحوادث كلها جندياً في جيش مؤتة. فبعد استشهاد الأمراء الثلاثة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، بقي الجيش بلا أمير فأخذ ثابت بن أقرم الراية وسلمها لخالد برضى الجند المقاتلين فتأمّر عليهم وحمل على العدو ودارت معركة ضارية ثم أنزل الله تعالى نصر المسلمين على يديه . وصوّر خالد تلك الضراوة بانقطاع تسعة أسياف في يده وعدم ثبات غير صفيحة يمانية معه في أثنائها .
وبينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف لأصحابه في المدينة ما كان يجري في مؤتة ويخبرهم باستشهاد الأمراء قال: "ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه" فسمي خالد منذ ذلك الحين سيف الله.
وقد تكرر وصف النبي عليه الصلاة والسلام لخالد بأنه سيف من سيوف الله في مناسبات أخرى، من ذلك مثلاً ما رواه الهيثمي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد عقد لخالد على قتال أهل الردة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نِعْمَ عبدُ الله وأخو العشيرة خالدُ بن الوليد سيفٌ من سيوف الله سلّه الله على المشركين والمنافقين" ، وكقوله عليه الصلاة والسلام بعد ملاحاةٍ كانت بين خالد وبعض الصحابة: " لا تسبّوا خالداً فإنه من سيوف الله عز وجل سلّه الله تعالى على الكفار" . ومن هنا أضيفت كلمة المسلول إلى لقبه فصار يُعرف بـ: سيف الله المسلول.
دوره في زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
رأينا آنفاً ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه أمّر خالداً على جيوش وجهها إلى قتال المرتدين الذين قُتل الكثير منهم على يديه. فسار إلى مالك بن نويرة في بني يربوع من تميم وجرى معه ما أثار إشكالاً لدى بعض الصحابة ومنهم عمر . واتجه إلى مسيلمة الكذاب في اليمامة فقضى على حركته التي كانت واحدة من أشد حركات الردة قوة وخطراً.
وبعد انحسار مدّ الردة وانتهائها أمّر أبو بكر الصديق خالداً على الجيوش التي وجهها إلى العراق فحقق في معاركه هناك انتصارات باهرة، ثم أوعز إليه أن يلحق بجيش الشام الذي كان بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ليكون مدداً له وقائداً للجيش، فقطع المفازة بعسكره من حدّ العراق إلى أول الشام في خمس ليالٍ مما عُدّ انجازاً مميزاً في الامداد والتعزيز العسكريين في ذلك الحين. وتولى قيادة الجيوش الاسلامية في الشام وحقق النصر في معركة اليرموك وفتح دمشق .
وفي أثناء حصار دمشق تولى عمر بن الخطاب الخلافة فعزل خالداً وولى أبا عبيدة مكانه في قيادة جيوش المسلمين في الشام، ولكن خالداً كتم الأمر لكيلا يقع الوهن في صفوف المسلمين وعندما استكمل الفتح أطْلعَ المسلمين على قرار الخليفة وسلّم الراية لأبي عبيدة ، وذكر الذهبي أن أبا عبيدة هو الذي أخفى الخبر إلى أن علمه خالد من الغير . ثم إن أبا عبيدة استعمل خالداً على دمشق ، واستعمله عياض بن غنم بعد وفاة أبي عبيدة، وبعد وفاة عياض انعزل خالد إلى حمص وبقي فيها مرابطاً إلى وفاته.
عبقريته العسكرية:
لا شك أن لكل معركة ظروفها الخاصة التي تستلزم خطة عسكرية تناسبها وليس من الضرورة أن تكون تكراراً لخطة معركة أخرى. ولكن الاستراتيجية التي كان خالد بن الوليد يتبعها في معاركه والتي ضمنت له النصر في القتال وزرعت الرعب في نفوس أعدائه تتمثل بالاستغلال الأمثل للطبيعة الجغرافية والبشرية من أجل النصر في الميدان، ولهذا فإنه كان حريصاً على:
- الالتزام الكامل بهدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه في عدم قتل المرأة والشيخ الكبير والطفل الصغير. والانطلاق من أن هداية الناس إلى الإسلام- أو إزاحة القوى التي تمنعه من أداء الرسالة بحريةٍ - هي الهدف المنشود وأن القتال هو الخيار الأخير الذي لا يكون عنه بديل أمام الجند.
- إتخاذ الطرق الخالية من العناصر المساندة للعدو في التنقل حتى وإن أدى ذلك إلى سلوك طرق وعرة.
- التحرك ليلاً للإفادة من اعتدال الطقس في تقليل الإجهاد الذي يمكن أن يلحق الجيش المتحرك وفي حاجته إلى المؤن كالماء مثلاً. كما أنه كان يفيد من ظلام الليل في تغيير مواقع جنده أو تحريكهم ليفاجئ العدو بمناوراته أو يفشل خطط العدو.
- حماية ظهره لكيلا يأتيه العدو منه ولتأمين طرق إمداده إذا احتاج إليها.
- تقسيم الجند على كتائب وتكليف قائد محنك بقيادة كل كتيبة وتوزيعهم على أجنحة الجيش المختلفة في الميمنة والميسرة والقلب، وعدم الزجّ بكل قواته في المعركة بل الاحتفاظ بقسم خاص منها ليكون قوة احتياط تتدخل عند الحاجة، ويكون الاحتفاظ بها عاملاً يساعد على انتشار القوات الأخرى في ساحة القتال بما يوحي بكثرة عددها من جهة ويحقق لها الحركة والمناورة بما يتلاءم مع سير المعركة من جهة أخرى. ويدلل هذا الإجراء الذي كان يتخذه على قدرته التنظيمية لقطعات جيشه.
- الاحتفاظ بقوة من الفرسان في الخلف لحماية ظهره ولإيهام العدو بوصول المدد إليه وتقوية عزائم المنسحبين من جيشه للعودة إلى القتال.
- ضرب جيش العدو في معنوياته القتالية وإرباك خططه وصفوفه، وكان يركز في هذا الشأن على الهجوم العنيف على القائد الميداني أو القائد العام وقتله، لما لذلك من تأثير كبير في رفع معنويات جنده هو وفي كسر الروح القتالية للخصم.
- مشاغلة العدو بقطعات من جنده في جبهة ما في ساحة القتال ومباغتته بمناورات بارعة في جهة أخرى أكثر اهمية أو أوقَعُ في تحقيق النصر.
- استدراج العدو إلى كمائن ينصبها لهم وإن كان ذلك من خلال الايحاء بالانسحاب من أمام العدو أو الانكشاف أمامه من الجانبين، حتى إذا ما توغل العدو في صفوف المسلمين أطبق عليه من الجوانب.
- العمل على عزل فرسان العدو عن المشاة لحرمان المشاة من حماية الفرسان لهم من الهجمات الجانبية والخلفية.
- قطع طرق انسحاب العدو لإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بهم لمنعهم من القدرة على إعادة ترتيب صفوفهم واستجماع قواتهم لمهاجمة المسلمين .
وفاته:
وكانت وفاته رضي الله عنه في حمص وضريحه فيها ، أو على بعد ميلٍ أو ميلين منها ، وروي عن بعضهم أن وفاته كانت في المدينة وله من العمر ستون عاماً. وأوصى بحبس فرسه وسلاحه في سبيل الله وجعل وصيته إلى عمر رضي الله عنه، وكانت الوفاة سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين للهجرة.