مقدمة:
من المشكلات التي تواجهها اليوم العلوم الإسلامية تدخل غير المتخصصين في مجال التعليم الديني والعمل الدعوي.. فترى من ليس له شهادة تخصصية في العلوم الدنيوية يقوم بالإفتاء، وبالتدريس وتقديم المشورة لعامة الناس وهو غير مؤهل لذلك، ولم يتلق تعليما إسلاميا نظاميا في الجامعات والمعاهد الإسلامية وقبل ذلك لم يكن له حظ في دراسته وتلقيه العلم على المشايخ والعلماء المشهود لهم بالعلم والورع والتقوى ومخافة الله سبحانه وتعالى.. إن تدخل غير المتخصصين في العلوم الإسلامية في مجال العلم الإسلامي والعمل الدعوي من الممكن أن يؤدي إلى كوارث لا يحمد عقباها سواء في مجال التفكير الديني والعمل الإسلامي على حد سواء..
ففي الطب الطبيب وحده له الحق بتحديد العلاج، وفي الهندسة المهندس وحده له الحق بتنفيذ التصاميم الهندسية. وفي الفيزياء الفيزيائي وحده له الحق في تحديد القوانين الفيزيائية. وفي الكيمياء الكيميائي وحده له الحق في كتابة المعادلات الكيميائية.
في حين أصبحنا نرى اليوم في مجال العلوم الإسلامية والمسائل الشرعية أن كل من هب ودب يصدر الأحكام الشرعية ويناقش في التفسير والحديث وكأنه لا يوجد تخصص اسمه العلوم الإسلامية ولا علماء ربانيون من الله عليهم بميراث محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانه من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
خطورة الفتوى بدون علم:
أين هؤلاء الذين يفتون ويتدخلون في العلوم الدينية والعمل الديني وهم غير مؤهلين لذلك مما ورد في الدين من خطورة الافتاء بدون علم ومعرفة في الدين.
يبين الشيخ ابن باز رحمه الله خطورة الفتوى بدون علم، فيقول: " الفتوى بغير علم منكر عظيم، وهو مما حرمه الله على عباده، وجعل مرتبته فوق الشرك، قال سبحانه في سورة الأعراف: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] فالواجب على طالب العلم أن يتقي الله، وأن يحذر القول على الله بغير علم، وإذا كان هذا في حق طالب العلم فكيف بغيره، لا يجوز لأحد أن يفتي بغير علم، لا رجل، ولا امرأة، ولا طالب علم، ولا غيره، يجب على المؤمن أن يتقي الله، وأن يخاف الله سبحانه، وألا يتكلم في الحلال والحرام إلا بعلم، قال الله سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] يعني: على علم." [1]
ويضيف الشيخ ابن باز: " وأخبر سبحانه في سورة البقرة أن الفتوى بغير علم مما يأمر به الشيطان، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169] هذا من أمر الشيطان، يأمر الناس أن يقولوا على الله ما لا يعلمون. فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة الحذر من طاعة الشيطان في القول على الله بغير علم، والفتوى بغير علم، لا في العبادات، ولا في غيرها، يقول الله سبحانه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] فالفتوى تكون من أهل الذكر، يعني: من أهل العلم بالقرآن العظيم، والسنة المطهرة، العلماء بكتاب الله، وسنة رسوله ﷺ وهم الذين يفتون الناس، وهم الذين يسألون، نسأل الله للجميع الهداية، نسأل الله لنا ولإخواننا جميعًا الهداية. نعم." [2]
ويبين الشيخ الشعراوي رحمه الله خطورة الإفتاء في الدين بغير علم، فأشار أن من يساهم بإضلال غيره بفتوى غير صحيحة يحل له بها ما حرم الله. . فإنه يحمل معاصيه ومعاصي من أضل. . فيكون له وزر لأنه ضل، ووزر لأنه أضل غيره. . بل وأكثر من ذلك. . فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً". ولابد أن نتنبه إلى خطورة الفتوى في الدين بغير علم. . الفتوى في الدنيا أقصى ما يمكن أن تؤدي إليه هو أن تجعلك تخسر صفقة. . لكن الفتوى في الدين ستدوم زمناً طويلاً..[3]
الشيخ عطية صقر وأهمية التخصص الديني:
ونجد الشيخ المفتي عطية صقر رحمه الله يشدد على ضرورة التخصص في العلوم الدينية لمن يريد أن يتصدى للإفتاء والتدريس والعمل الدعوي، فيقول حول (أهمية التخصص): "لو أنصف شبابنا الداعون بحماس إلى العودة إلى الدين ولهم تخصصات علمية - كالطب والهندسة والزراعة مثلا - لتركوا میدان التعليم الديني والتوجيه الدقيق لمن يحسنه من المتخصصين فيه، وتفرغوا هم لإتقان تخصصاتهم وإفادة المجتمعات منها، فهي في أهميتها لا تقل عن التخصص الديني، ولنتذكر جميعا قول النبي ﷺ: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قيل: وكيف إضاعتها؟ قال: «إذا» وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة. من الغريب أن المتخصصين في فرع علمي لا يقبلون مزاحمة غيرهم لهم فيه لا في الممارسة ولا مجرد اللقب، فكيف پستسيغون مزاحمتهم للمتخصصين في المعرفة الدينية؟ هل العلم الديني بهذا الهوان الذي يسومه كل مفلس ؟ لست بهذا داعيا إلى ما يسمى باحتكار الدين، أو إلى خلق كهنوت خاص، له الأمر والنهي والتحكم في مصائر الناس..." [4]
ويقول الشيخ عطية صقر رحمه الله: "ولكن أدعو إلى العلم الصحيح، وبعد إتقانه والاطمئنان إلى كفاءة المتعلم، يكون له الحق كل الحق في تعليم غيره، وتولي قيادة التوجيه، شأن أي تخصص آخر، هو حق لكل راغب فيه، بعد التعلم والاستعداد له بالأساليب التي اتفق عليها القائمون على مناهج التعليم. وبهذا يظهر خطأ من يرددون هذه العبارة: «الدين للجميع ولا يحددون المعنى المراد منها، فإذا كان المراد بلفظ الدين هو التدين، أو تطبيق تعاليم الدين، والتعبد لله به، فالجميع مكلف بذلك، وليس هذا حقًا بل هو واجب فالدين جاء هداية لجميع الناس لا لقوم مخصوصين، أما إذا كان المراد بهذه العبارة وهي : الدين للجميع هو علم الدین فعلم الدين يحتمل وجهين الوجه الأول هو تعلم الدين وذلك حق للجميع، بل هو واجب وجوبًا عينيا، أو كفائيًا على الوجه الذي وضحه العلماء، ويمكن الرجوع إليه في كتاب العلم في : إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي، حيث ذكر أن كل مكلف عليه أن يعرف من دينه المبادئ الأولى، التي يصحح بها عقيدته، ويعرف واجبه نحو ربه ومجتمعه، والوجه الثاني هو تعليم الدين، وذلك على إطلاقه ليس للجميع بل هو خاص بمن تعلموه وفهموه جيدا، فإن لهم أن يعلموا غيرهم القدر الذي علموه بل يجب
عليهم ذلك في بعض الأحوال، وجوبًا عينيا، أو كفائيًا، قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَنَفَقَهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ (التوبة: ١٢٢)".[5]
الهوامش:
[1] ابن باز: " خطر الفتوى بغير علم"، ينظر الموقع الرسمي لسماحة الشيخ ابن باز، على الرابط الاتي.
[2] نفسه.
[3] محمد متولي الشعراوي (ت ١٤١٨هـ): "تفسير الشعراوي – الخواطر، الناشر: مطابع أخبار اليوم، 1/ 417.
[4] الشيخ عطية صقر: “المنهج السليم إلى طريق الله المستقيم: رؤية موضوعية لإرادة التغيير”، الطبعة الثالثة، مكتبة السنة، القاهرة، ١٤٢٢ه- ٢٠٠١م، ص٨٥.
[5] الشيخ عطية صقر: “المنهج السليم إلى طريق الله المستقيم: رؤية موضوعية لإرادة التغيير”، ص 86.