L’onomastiqueهي دراسة الاسم العلم وتتفرع الى فرعين l’anthroponymie وهي دراسة أسماء البشر و La toponymie و هي دراسة أسماء الامكنة .

الأنثرويونيميا فرع معرفي يهتم بدراسة أسماء الاشخاص من زوايا نظر تختلف حسب مرجعيات الباحث ومشاربه : فالباحث الفلكي سيتناول دارسة الإسمية من منظور Numérologique ، ورجل القانون من منظور حقوقي أو قانوني ، و الباحث في علم النفس من منظور نفسي ، والباحث في الديموغرافيا من منظور إحصائي ،والباحث في السوسيواوجيا من منظور سوسيولوجي.

ولعل أكثر البحوث الأنثروبونيمية حضورا على رفوف المكتبات العربية عموما و المغربية خصوصا هي تلك تتوخى المقاربتين القانونية والمعجمية L’approche juridique et L’approche étymologiqque مع غياب واضح لباقي المقاربات بما فيها المقاربات السميائية والاحصائية ....


في الحاجة الى دراسات إسمية :



الحاجة الى دراسات أنثروبونيمية هي ضرورة ملحة .نحن نتحدث عن الموضوعية ، عن الشفافية ، عن تسمية الأشياء بمسمياتها ومع ذلك ليست لدينا دراسات حول هذه المسميات وبالتالي ليس لدينا وعي بأهمية الاسم في حياتنا اليومية والمهنية والثقافية فنحن نستهلك الأسماء كما نستهلك ونتداول ما حوالينا من خطابات ومنتوجات وسلع وأموال ....ونحن في حاجة لدراسات جادة تسائل التفاصيل الصغيرة التي كبرنا داخلها لنعبر من خلالها عن القضايا الكبرى . نحن في أمس الحاجة الى دراسات ترسخ تقاليد معرفية ديموقراطية جديدة منهجها السؤال والتحليل وموضوعها يمتد من اليومي المألوف وينتهي بالطابو والممنوع ... لذلك فالدراسات الاسمية قد تشكل خطوة في هذا الاتجاه: اتجاه إعادة قراءة الموروث الثقافي المغربي .


الاشكالية المركزية التي يتمحور حولها الكتاب :



" الإسم المغربي وإرادة التفرد " كتاب يحاول مقاربة الذات المغربية في علاقتها بذاتها ، من خلال الإسم الفردي ، وفي علاقتها بالآخر، من خلال تشريح خلفيات اللقب ، ليخلص الى أن اللقب يستمد وجوده من الخوف من الآخر المختلف بينما يستمد الاسم الفردي مبرر وجوده من حب الذات وحب الحياة . ولذلك فالاسم الفردي دائما متفائل ويتطور ويتغير.... وهو في كل ذلك يعكس إرادة مضمرة لدى الآباء : إرادة التحرر من التصنيف الثقافي والجغرافي والاجتماعي داخل الإسم ، الى آفاق أكثر رحابة ،آفاق الاختلاف والتفرد . باختصار ، الكتاب يتعرص لمحاولة الاسم المغربي الانتقال من مرحلة يغلب عليها الضبط والتصنيف الى مرحلة أكثر تحررا، أكثر تعددية وأكثر انفلاتا من التصنيف ... الكتاب يتعرص بالدرس لهوية مغربية في طور التحول…

ثمة سؤال وجودي يطرحه الكتاب :" من نحن؟ وماذا نريد ؟" هذا السؤال حول الهوية يشغل الفكر والثقافة المغربيتين ….فالهوية في الفكر المحافظ كيان قبلي سابق للوجود الانساني ، يحدد له حياته ويستدرجه للتطابق والتوحد معها بواسطة الثقافة والتربية …أما في الفكر التحديثي فالهوية ليست سعيا للانسجام مع معطيات سابقة للوجود ، بل هي ما نصنعه من انفسنا ولذلك يمكننا خلق هويات متعددة لذواتنا . أما نحن ، فقد كانت نيتنا هي دراسة الهوية المغربية عبر دراسة الاسم الفردي المغربي : مكوناته : وظائفه : طرق اشتغاله ، علاقته بالآخر.. ولقد انطلقنا من التسليم بوجود هوية مغربية لنثبت بأنها هوية تتحول...


البحث عن الاسم الفردي دون الاسم العائلي:



يتكون الاسم المدني من شقين : الاسم الفرديle prénom) ( وهو الجانب المتحول والمتغير من الإسم الكامل ثم الاسم العائلي(le nom) ، وهو الجانب الثابت ذو هاجس ضبط الانتماء الثقافي والجغرافي وغيره .الجانب الثاني من الإسم المدني ( أي الاسم العائلي ) هو جانب إداري بامتياز مادام يهتم أكثر بمسألة الضبط والتصنيف . فهو يخضع لتأطير ومراقبة لجان مكلفة بدراسة الأسماء العائلية محليا ومركزيا تحث اشراف وزارة الداخلية التى تصدر الدوريات والمناشر بشأن التحري في كتابة الأسماء العائلية ، إعداد مساطير لاختيار أو استبدال أسماء عائلية ، ونشر لوائح الاسماء العائلية في الجريدة الرسمية .لكن هاجس الضبط هذا ، في الحقيقة، لم يشمل فقط الاسم العائلي بل امتد ايضا ليشمل الاسم الفردي من خلال تحديد لائحة للأسماء المسموح بها ...

دراستنا للإسم الفردي المغربي نابعة من إيماننا بقدسية المفرد ونبش في طاقته الخلاقة وكشف عن موقفه من المجتمع والوجود .


الاسم وعاء لحمولة دلالية مكثفة:



يخضع الاسم الفردي لسبع مكونات أساسية : المكون الديني والقطري والجهوي واللغوي والمجالي والطبقي الجنسي ... لكن التواصل اليومي يعيد النقش على حمولات الاسم الدلالية وفقا للعلاقة الحميمية أو العدائية أو الرسمية الواضحة : سيدي الحاج مولاي الشريف ،السيد الرئيس ....

إلى الرسمية الدنيا : السي محمد الغرباوي

إلى صيغة الزمالة : السي محمد/ السي الغرباوي

إلى الصيغة الشخصية : محمد .

إلى الصيغة الحميمية التدللية :سيمو .

إلى الصيغة القدحية: امحيميدة .

إلى اللقب لإبعاده

هكذا، فالعلاقات الإدارية تنهل معجمها من أعلى سلم التنادي ، بينما يستقي المهمشون اجتماعيا معجمهم من أسفل سلم التنادي (ألقاب وأقداح )...


حركية الأسماء بالمغرب ومنطق "لدوائر المتسعة":



يشتغل الاسم الفردي المغربي وفقا لمنطق "الدوائر المتسعة" على الطريقة التي يرسم بها سقوط الحصى على الماء دوائر تتسع حتى تتلاشى . ومنطق " الدوائر المتسعة" هذا يشتغل على ثلات مستويات : مستوى طبقي ، مستوى مجالي ومستوى حضاري .

فعلى المستوى الطبقي ، الطبقة السائدة هي مركز الدوائر فهي التي تنتج الجديد من الأسماء أو تمحي البائد منها لتميز ذاتها عن باقي الطبقات وعن الشائع من الأسماء ، ثم تتسع الدوائر نحو الطبقات الدنيا مبتعدة عن المركز، مركز الدوائر...

أما على المستوى المجالي ، فتبقى المدينة هي مركز الدوائر المتسعة : تنتج الأسماء وتدفعها إل دائرة القرية ثم إلى دائرة الأرياف حيت تتلاشى الأسماء في الهامش مع الدوائر المتسعة.

أما علىالمستوى الثالث، المستوى الحضاري، فالحضارة الفاتحة invading civilisation ) ( تبقى هي مركز الدوائر تنتج الثقافات والأسماء وتصدرها إلى الهامش: كما فعلت الحضارة اليونانية والرومانية والعربية والعثمانية ، والامريكية الآن. فمن الأسماء العربية التي توجد في بلدان إسلامية ، كأفغانستان ، "بسم الله" وهو اسم ذكر لكنه لم يعد له وجود في المركز العربي ، نفس الشيء بالنسبة لـ"زبيدة " وهو اسم عربي مشرقي وأشهر من حمل هذه التسمية هي زوجة هارون الرشيد الخليفة العباسي لكنها اندثرت من المعجم المشرقي وأضحت تشكل خصوصية اسمية مغربية ونفس الشيء بالنسبة ل" البتول" و"الجيلالي" وغيرهم من الأسماء المحلية المغربية والتي كانت في زمن ما في مركز الدوائر بالمشرق العربي…


رصد الوعي الثقافي وغيره لمجموعة لغوية من خلال أسمائها:



أعتقد أن الدراسات الأنثروبونيمية تتقصد رصد تطور الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي لمجموعة لغوية معينة من خلال دراسة الإسم . كما تسمح بتتبع طموح هذه المجموعة اللغوية خلال مرحلة أو مراحل محددة من حياتها .

الإسم الفردي المغربي هو جزء من الثقافة المغربية ، يتأثر بها ويؤثر فيها وهولذلك يتفاعل مع التحولات العامة للمجتمع المغربي ويسجل مواقف فردية اتجاهها في البداية قبل أن تنتشر الموجة فيصبح الموقف الفردي موقفا جماعيا بفعل شيوع نموذج موحد من الاسماء : فمثلا ، الاسم الفردي المغربي إبان الاستعمار كان محليا مائة في المائة إلى أن صاحب الاستقلال السياسي للمغرب انفتاح على الذات بعدما كان هذا الانفتاح مؤجلا نظرا بوجود خطر خارجي يستأثر بكل الاهتمام ويتمثل في وجود الاستعمار . هذا الانفتاح على الذات فسح المجال للتعددية السياسية واختلاف المرجعيات الثقافية ....وقد عكس الإسم الفردي هذا التحول بانفتاحه على معاجم اسمية مشرقية خاصة بعد سفريات الطلبة إلى الجامعات المشرقية وتدفق السياح و الافلام العربية على المغرب .

وفي السبعينات، تلاحظ غيثة خياط في كتابها /le livre des prénoms du monde Arabe” قاموس الأسماء العربية“ أن اليهود المغاربة كانوا يتسمون بأسماء مغربية من قبيل : ميمون ، أفريحة ، سعدة ،يمنا لكنهم بعد حرب الأيام الست وحرب أكتوبر 1973 أصبحت أسماؤهم أكثر أجنبية تميزا عن باقي المغاربة : جوناثان ،جوانا ، مايكل ...

أما ابتداءا من أواخر الثمانينيات ، ومع موضة الأفلام المكسيكية بدأ الغزو الغربي للمعجم الإسمي المغربي تحديدا على مستوى الإناث . وهكذا دخلت مكاتب الحالة المدنية المغربية أسماء مثل :كاميليا ، صوفيا ، ماريا ، ليندا ، نادين ،ديانا ،صونيا ......وهي الأسماء التي سحبت مؤخرا . أما ابتدءامن أواخر التسعينيات ،في بلاد المهجر خصوصا، فقد التحق المغاربة الذكور بالموجة لحمل أسماء غربية . فقد قرأت على صحفات جريدة العلم (11 غشت 2001 ) مقالا يقول فيه كاتبه أن المغاربة في أرض المهجر يتعرضون للمضايقات والتهميش و الإقصاء بل حتى الإعتداء لمجرد كونهم يحملون أسماء مغربية ، وأن هناك موجة لتغيير المغربة لأسمائهم عند مصالح القنصليات المغربية بالخارج بناء على التشابه بين الإسم المغربي المحمول والاسم الغربي المطلوب : مثل مصطفى « Estéphane »فريد « Alfred » .....رغبة في الإندماج الاجتماعي تماما كما فعل الأفرو - أمريكان في الولايات المتحدة واليهود إبان العهد النازي ......


”الاسم المغربي“ والخصوصية



إن البحث في الثقافة العربية هو عموما بحث فقط في "المشترك " بين الثقافات العربية .وهذا البحث في المشترك الثقافي العربي ، هو في الآن ذاته تهميش للمختلف فيه بين الثقافات العربية : أي تهميش للخصوصية ، والمحلية ، والتنوع …هذا من جهة . ومن جهة أخرى ، هناك مركزية المشرق العربي وثقافته كمصدر للحقيقة بالنسبة لباقي الثقافات العربية الأخرى ، خاصة المغاربية . وهذه الهيمنة هي التي أدت بالمفكرين والمثقفين المغاربةلاحقا إلى تبني إديولوجية ثقافية مغربية ترفض ذيلية الحضور الثقافي المغربي وهاميشيته وتناضل من أجل فرض الثقافة المغربية كمكون أساسي ومختلف في نفس الوقت للثقافة العربية. وقد أطر هذه الأديولوجيا فكريا الدكتور محمد عابد الجابري خلال فترة السبعينيات مؤسسا طرحه على التمايز التاريخي بين المدرسة الفكرية المشرقية والمدرسة الفكرية المغربية وأن هذا التمايز بين المدرستين وصل حد القطيعة الإبستيمولوجية . ولقد شهد قراء مجلة اليوم السابع أواخر الثمانينيات حوارا عاصفا ، على حلقات ، بين المفكر المغربي الجابري والمفكر المصري حسن حنفي ، ممثلي المشرق الروحاني والمغرب العقلاني ...إن الاهتمام بالثقافة المغربية ليس من باب التفوق على نظيرتها المشرقية لكن من باب عدم التواطؤ لكبت الخصوصية و المحلية والاختلاف الثقافي . وأنا شخصيا لما أنصت لبرنامج إداعي مغربي أو أقرأ مقالة مغربية حول الأسماء لا أسمع ولا أقرأ الواقع المغربي بل متخيل المتحدثين : فالضيف الإذاعي أو الكاتب ، رغم مغربيته فهو حين يتحدث عن الإسم المغربي فهو يضعه في كفة واحدة مع الإسم العماني والإسم الصومالي بحجة أن الإسم المغربي هو اسم عربي قبل كل شيء . ومن هنا جاءت فكرة الكتاب : البحث عن الخصوصية في الاسم المغربي .


تركيب:



التفرد كمرادف للتحرر هو قانون عام ، قانون الحياة . ففي الفزياء ، نظرية الانفجار الأعظم بينت كيف انفجرت الذرة الواحدة إلى أجزاء لازالت بدورها تنفجر وتبتعد في الكون ..... والتطوريون في البيولوجيا بينوا كيف أبدعت الخلية الأولى على الأرض كل هذا التعدد والاختلاف حوالينا .... والفلاسفة النجريبيون الأوائل آمنوا بأن الانسان يولد صفحة بيضاء ثم تأتي لاحقا التجربة لتنقش عليها الاختلاف وتكسبها خصوصيتها وتفردها .

أعتقد أن الإسم المغربي يخضع لنفس القانون : قانون التفرد والسعي الأبدي للتحرر .وبذلك يكون التفرد علامة احتجاج ضد أشكال تصنيفية بدأت تدخل حكم التقادم .


الهوامش:



1.”البحث عن الخصوصية في الاسم المغربي’’، حوار أجراه معنا د.عبد الرؤوف الزكري ، منشور بجريدة الشمال عدد 30 أكتوبر/ 5 نوفمبر 2001، ص 19

2. ”حوار مع محمد سعيد الريحاني’’ ، أنجزه د. عبد الرفيع اليزيدي ، منشور بجريدة الجهات المغربية ، عدد 16/31 دجنبر 2001، ص4

3. ” رأي مهاجر في قضية الاسماء المعتمدة ’’بقلم مصطفى معذور ، منشور بجريدة العلم ، عدد 11 غشت 2001

4. محمد سعيد الريحاني ، الإسم المغربي وإرادة التفرد ، طنجة :مطبعة سليكي إخوان، الطبعة الأولى ، 2001

5- Khayat ,Ghita. le livre des prénomes du monde arabes , Casablanca : eddif 3 ° édition ,1999


ملاحظة:



يتوفر كتاب " الاسم المغربي و إرادة التفرد" كاملا في قسم الكتب الإلكترونية في موقع ناشري و تحديدا عبر هذة الوصلة:
http://www.nashiri.net/ebooks/alism_almaghribi.pdf

كاتب مغربي
محمد سعيد الريحاني كاتب مغربي، عضو اتحاد كتاب المغرب، وعضو هيئة تحرير «مجلة كتابات إفريقية» الأنغلوفونية. حاصل على شهادة الدكتوراه في الترجمة من مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة/المغرب، 2021. وحاصل على شهادة الماجستير في الكتابة الإبداعية من كلية الفنون الجميلة بجامعة لانكستر بإنجلترا، 2017.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية