اللغة تعني تلك المجموعة من الكلمات والألفاظ ، التي يتكلم بها الإنسان ، وينطقها ويتفاهم بها بنو البشر . واللغة هي الأداة التي يُعَبّر بها الإنسان عمّا يدور في نفسه ، ويُصَوّر بها ما يعتمل في أعماقه من أفكارٍ وأحاسيس ، وبواسطتها يستطيع الإنسان أن يتحدّث ويتفاهم مع الآخرين من بني جنسه. وهي تتكوّن عادة من نبرات صوتية مختلفة التردّد، تنخفض حيناً ، وترتفع حيناً آخر ، ومن ذلك تنشأ مجموعة أصواتٍ وألفاظ مختلفة ، أو ما نسميه بالكلام .

والإنسان عاجزٌ بطبيعته عن التفاهم والتخاطب مع المخلوقات والكائنات الأخرى ، لأنه لا يفهم لغاتها ، ولا يفقه منطقها وأصواتها .

فهو لا يفهم ما تقوله عصافيرُ الدوري وهي تمرحُ مسقسقةً على الأغصان .

وهو لا يفقه ما يقوله ذَكَرُ الحمام وهو يهدل ويغازل أنثاه .

وهو لا يدرك ما تقوله القطط وهي تموء في شهر شباط بأصوات خاصة لتتزاوج وتحافظ على سرّ بقائها .

وهو لا يَعْقِل ما يقوله الديكُ وهو يصيح في منتصف الليل وكأنه ينادي للصلاة ، فتجيبه بمثل صياحه جميع الديوك القريبة من المكان .

وهو لا يفهم ما تقوله الشاة وهي تثغو وتنادي وليدها ليأتي ويرضع ما تجمّع في ضَرْعِها من حليب .

وهو لا يفهم ما تقوله الكلاب وهي تعوي وتجوح في ظلمات الليالي ، وكأنها تبكي وتستغفر عمّا فعلت من ذنوب .

وعلينا أن نعلم أنّ لجميع هذه الكائنات لغات خاصة بها ، كل جنس منها له لغته الخاصة التي ينطقها ويتخاطب بها مع أبناء جنسه حسب المقاييس والمواصفات التي وضعها الخالق جَلَّ وعلا ، حيث تقول الآية الكريمة :

{ وورث سليمانُ داودَ وقال يا أيها الناس عُلِّمنا مَنْطِقَ الطير } .( آية 16، النمل ) أي إنه عُلِّمَ لغةُ الطير وطريقة نطقها .

وفي آية أخرى :{ ألم ترى أن الله يسبح له مَنْ في السمواتِ والأرضِ والطيرُ صافَّاتٍ كُلٌّ قد عَلِمَ صلاتَهُ وتسبيحَه } ( آية 41 ، النور )، ولا تكون صلاة وتسبيح بدون لغة .

وكذلك قصة الهدهد الذي أتى سليمان بخبر بلقيس (سورة النمل ) ولا يمكن للهدهد أن يخبر سليمان دون أن تكون له لغة .

وكذلك النملة التي حذّرت قومها حيث سمعها سليمان وهي تقول كما يذكر القرآن الكريم :" حتى إذا أَتَوا على وادِ النملِ قالتْ نملةٌ يا أيّها النملُ ادخلوا مساكِنَكُم لا يُحَطِّمَنَّكم سليمانُ وجنودُه وهم لا يشعرون ". (آية 18 – النمل ) .

وتؤكد آية أخرى أن هذه المخلوقات ما هي إلا أمم أمثالنا ، حيث تقول الآية : " وما من دابةٍ في الأرضِ ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم " .( آية 38 ، الأنعام ).

إذن ، فإنّ لهذه الكائنات لغة خاصة بها ، تتناسب مع أشكالها وأنواعها ، كل نوعٍ يلفظ لغته بصوته الخاص ، ويعبّر بالطريقة التي وُضِعت له ، كما شاء لها الخالق جلّت قدرته ، دون أن يكون لأحدها القدرة على تغيير هذه المواصفات وتلك المعايير والصفات .

فالجرو الصغير عند ولادته لا يسقسق بل ينبح لأنه لا يجد صوتاً غير النباح وكذلك الحال لدى سائر الكائنات

الحية الأخرى .

واللغة لدى الإنسان هي طريقة التعبير التي يلفظها ويتفاهم بها مع أبناء جنسه من البشر تماماً كما تفعل

الكائنات الأخرى على وجه هذه الأرض .

فالطفل الصغير عند بداية نطقه لا يجد غير اللغة التي يتكلم بها أهله فيلفظها بالفطرة دون أي عناء .

وإنما جاءت لغة الإنسان مميزة خاصة ، لأنه مخلوق كريم أراد له الخالق جلّ وعلا أن يكون مخلوقاً سامياً

ذكياً وعاقلاً ولغته تتفق مع مواصفات صوته ، ومع نوع نبراته ، وتتلاءم مع الذبذبات الخاصة التي تحدثها

أوتاره الصوتية وتخرجها على شكل كلام .

وقد ورث الإنسان لغته عن أبيه الأول آدم عليه السلام الذي علمه الله سبحانه وتعالى أسماء الأشياء جميعاً وأمَرَهُ أن يخبر الملائكة بأسماء هذه الأشياء ، فأخبرهم بها ، تقول الآية الكريمة :( قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيبَ السموات والأرض وأعلم ما تُبدون وما كنتم تكتمون ) . ( آية 33 ، البقرة ) .

إذن ، فآدم أبو البشرية كان يتكلّم منذ أن خُلِق ، وأن الله سبحانه خلق له لغةً وعلّمه إياها ، ووضع له أسماء

الأشياء جميعاً وعلّمه إياها أيضاً ، ومن الطبيعي إنه كان يتكلم مع زوجته حواء وإلا كيف أغوته لكي يأكل

من الشجرة المحرمة ، أليس عن طريق الإقناع بالكلام عن محاسن هذه الشجرة ، وعن طيب ثمرها ولذته ،

وهل يكون إغواء بدون كلام ؟ .

فاللغة إذن ، خُلقت للإنسان ليتكلم بها ، ولا شأن له في كيفية خَلقها ، أو في سُنَّة وجودها ، فهي ليست من صنعه ، وليست وليدة اختراعه .

أما زعم البعض بأن اللغة العربية تنسب إلى يعرب بن قحطان فهو أمر مشكوك فيه ، وليس هناك دليل على

تصديقه ، وقد يكون الرجل أثّر بشكل أو بآخر على اللغة العربية ، ولكن لا فضل له في استنباطها أو اختراعها ، فهي موجودة قبله ، ولا يمكن له أن يولد من أبوين لا لغة لهما .

ولم نشهد في جميع العصور أن أحداً من البشر قام باختراع أو استنباط لغة ، فإذا كان يعرب هذا قد استنبط

اللغة العربية ، فلماذا لم يظهر بعده يعرب آخر يغير أو يبدل في ألفاظها وكلماتها ، أو في قواعدها وأحكامها ،

بالرغم من مرور آلاف السنين وهي على حالها لم يغيرها الزمان .

وقد ذكر صاحب العقد الفريد نسب يعرب بن قحطان فقال :"هو يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن

أرفخشذ .. إلى آخر السلسلة التي تصله بآدم ، وقد جاء هذا النسب ضعيفاً لبُعد الفترة الزمنية بينه وبين

النسّابين ، والتي تصل إلى آلاف السنين ،حيت يتعذر والحالة هذه ، حفظ أسماء وأنساب خلال هذه العصور

الطويلة . مع شكوك أخرى كثيرة تحوم حول صحة هذه الأنساب ذلك أن النسابين العرب حاولوا إيصال

نسبهم بآدم بكل الوسائل للمفاخرة والمباهاة ، وعندما لم تسعفهم الذاكرة الضعيفة بذلك لجأوا إلى التوراة

وأخذوا منها بعض الأسماء التي تربط وتصل نسبهم بنوح عليه السلام ، وبآدم أبو البشرية ( راجع تسلسل

الأنساب القديمة في العقد الفريد ، وسيرة ابن هشام وغيرها من الكتب القديمة ، وقارنها مع تسلسل الأنساب

في سِفر أخبار الأيام الأول ، من التوراة ) .

وقد تحفّظ الرسول صلى الله عليه وسلم من صحة هذه الأنساب الطويلة ، فقال القتبي :"وما ذُكِرَ بعد عدنان من الأسماء مضطرب فيه فالذي صَحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه إنتسبَ إلى عدنان لم يتجاوزه " .

وإنما جاء حديثنا ليبين لك - عزيزي القاريء - أن اللغة أزلية ، خلقت مع المخلوق نفسه ، وتلاءمت مع شكله

وتكوينه ، وهي ليست من صنع يعرب بن قحطان ، وليست من صنع البشر أصلاً ، وأنّ لكل مخلوق لغته التي

وضعها له الخالق جَلَّ وعلا ، ولا شأن لأحد في كيفية خلقها أو في سُنّة إنشائها وتكوينها .

ونسأل الله الهداية والحكمة وسداد الرأي ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية