لا شكّ أنّ السويد تعتبر من أكثر الدول التي قدمت خدمات جليلة للاجئين الذين وفدوا الى السويد بسبب أوضاعهم السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية أو الانسانية , وما فتئت الدوائر السويدية المعنية تضع الخطط تلو الخطط لاستيعاب هؤلاء اللاجئين واعادة دمجهم في المجتمع السويدي . وعندما يتمعن الباحث في شؤون هؤلاء اللاجئين أو المهاجرين كما يحلو لكثيرين تسميتهم يجد أنّ هناك خللا كبيرا في استيراتيجية اعادة دمج هؤلاء المهاجرين في الواقع السويدي في مختلف المجالات . وابقاء الوضع على ماهو عليه دون اعادة النظر في هذه الاستراتيجية جعل الكثير من المهاجرين يعتقدون أنّ السلطات السويدية لا تفكر مطلقا في طبقة المهاجرين بقدر ما تفكر في ذريتهم التي يعوّل عليها أن تكون سويدية ثقافة ولغة ومسلكية , وبالتالي يضمن الاستراتيجيون في السويد القضاء على الخلل السكاني بعناصر مستوردة لكن سويدية الهوى والهوية . وهذا الاعتقاد الذي بدأ يتبلور لدى العديد من المهاجرين والمهاجرات مرده الى ارتفاع نسبة البطالة بين المهاجرين رجالا ونساءا , وعيش الألاف منهم على المساعدات الاجتماعية التي لها تبعات خطيرة , خصوصا بالنسبة لعوائل كان فيها الأب يسعى وراء قوت يومه من الفجر الى الغروب قبل استقراره في السويد .
واذا قمنا بدراسة موضوعية وتشريحية حول المهاجرين في السويد , فيمكن القول أن هؤلاء ينقسمون الى شريحتين – نحن هنا لا نتحدث عن أطفال المهاجرين الذين يدرسون في المدارس السويدية فذلك موضوع أخر بل نتحدث عن البالغين نساءا ورجالا – شريحة مثقفة ومتعلمة , وأخرى أمية أو فلنقل انّ حظها من التعليم كان قليلا .
وفي المدارس السويدية عندما يشرع الجميع بتعلم اللغة السويدية يلتقي الجميع صاحب الدكتوراه وكاتب الطروحات مع الذي لم يعرف معنى معهد تعليمي في بلده .
ويضطر المهاجر المثقف والمهاجرة المثقفة أن يضيّع من خمس الى سبع سنوات في تعلّم اللغة السويدية واعادة تأهيل نفسه كما يريد السويديون الذين أبتلوا بالشهادات المزورّة أيضا , وبعدها تبدأ الحرب من أجل الحصول على عمل وقد يكون العمل الذي ينتظر هذا الباحث لا ينسجم مع اختصاصه على الاطلاق , فربّ طبيبة مهاجرة أوطبيب مهاجر صارا ممرضين , وربّ مهندسة أو مهندس صارا سائقي سيارة , وربّ باحثة أو باحث صارا كنّاسين , وهذا لا يعني بتاتا أن العمل عيب , بل انّ العمل في كل الفلسفات البشرية مقدّس , لكنّ هذا المهاجر المثقف نظرا لغياب استراتيجية تأهيله سويديا فقد الكثير من طاقته وبدل أن يتقدم عموديا يزداد انبطاحا , وحتى بعد نضاله المرير مع اللغة السويدية وسعيه للحصول على شهادة سويدية فانّ الأمل ضعيف في أن يجد عملا مناسبا واذا كان محظوظا فانّه يظل يتنقل من عمل الى عمل بشكل مؤقت دائما , وبهذا الشكل يصاب هذا المهاجر امّا باحباط نفسي ينقله لأولاده الذين سيتذكرون دوما أنّ السويد أعطت أباهم الأمن السياسي والاقتصادي لكن لم تعطه الأمن المستقبلي ولم تعطه دوره المطلوب وبسبب مكوثه في البيت كثيرا بسبب البطالة فانّ هذا يعني اندلاع مشاكل أسرية , وتكفي اطلالة واحدة على احصاءات الطلاق بين المهاجرين لنعرف خطورة الموقف.
وكان يفترض بالدوائر التي تخطط للمهاجرين أن تكون أوعى بكثير , لأن الأخطاء الراهنة ستجر الى أخطاء مستقبلية , وخصوصا على المدى المتوسط والبعيد .
أمّا فيما يخص الطبقة المهاجرة الأمية فهذه تحتاج الى استراتيجية أخرى أقلا لجعلها في اتجاه واحد مع الايقاع الحضاري في السويد, لأنّ الكم الهائل والخاطئ من الأفكار والكلمات التي تصدر منهم تجاه السويد يحتاج الى اعادة التقويم خصوصا وأن هذه الأقوال تنتقل تلقائيا الى أولادهم الذين يفترض أن يكونوا سويديين على المدى القريب .
صحيح أنّه لا يمكن قولبة سوق العمل في السويد على مقاس المهاجرين عالمهم وجاهلهم , لكن يمكننا أن نحد من الضياع الذي يعانيه أغلب المهاجرين الذين أستاؤا من عبارات من قبيل أنّ المهاجر يعيش بفضل الضريبة التي يدفعها السويديون العاملون والتجار للسلطات الضريبية .
انّ في المهاجرين كفاءات و مثقفين كانوا يعتبرون الزبدة والصفوة في بلادهم , ويفترض أن يواصلوا في السويد وظائفهم الحضارية في خدمة السويد , ويفترض بالسويد أن تفتح أذرعها لهذه الكفاءات الجاهزة , ولا تعاملهم بنظرة عليّة , أنّ نهضة قوية في أي أمة تحتاج الى كل الأفكار والابداعات والخبرات , وشعار سويد متعددة الثقافات والحضارات لا ينبغي أن يكون مجرّد حلم , بل يجب أن يتحوّل الى واقع , ونحن نقّر أنّ في السويد من الذكاء ما يكفي لتحويل الحلم الى حقيقة ….