حتى تعرف أن العرب وقفوا عند الصفر الذي اخترعوه قبل مئات السنين، سأعيد اليوم نشر مقال كتبته في أوائل عام 2000م، لتعرف أن أحوالنا راكدة، وأن رقبة الجمل ستظل عوجاء حتى لو لجأ إلى نفس طبيب التجميل الذي جعل نانسي عجرم على ما هي عليه اليوم من فتنة وغنج (رأيت صورا لها قبل أن تجري 14 جراحة تجميل، وكانت في وسامة وملاحة جعفر عباس وهو ينهض من فراشه بعد نومة طويلة).. تقرأ المقال الذي كتبته في عصر ما قبل قريع ودحلان والرجوب أبطال حقبة كلام الليل يمحوه النهار: هادي استقالتي وما بدي سلطة ولا بلطة!! ودي تيجي يا حبيبي، ده انت ماما وانت بابا وانت كل حاجة في حياة السلطة!! بس لو ما كنتش تحلف.. خلاص يا سيدي سحبت الاستقالة وهات رأسك أبوسها!! فيصيح الآخر: بدي إصلاح ومش عايز فساد وإلا حأقلبها ضلمة!! بس يا حبيبي بكرة نعمل إصلاح وزاري ونديك وزارة عليها القيمة!! خلاص يا سيدي.. بلاش محاربة الفساد وأنا من إيدك دي لإيدك دي!! قلت في تلك الزاوية إنه لو كان الأستاذ عباس محمود العقاد حيا لأصدر كتابا بعنوان "عبقرية جعفر"، فأنا وبكل فخر من اكتشف النظرية الاشتمالية التي تعمل بهديها الأنظمة العربية، وهي عبارة عن اشتراكية تجعل الحكومة تشاركك حتى في قوت عيالك، مصحوبة بجرعة قوية من الرأسمالية تجعل البطانة الحاكمة وأذيالها أصحاب رؤوس أموال و"رؤوس القوم".. ومن ثم قال حكيم مصري: اللي ما كان له قرش بقى له كرش.. وخلطة الاشتراكية العربية والرأسمالية هذه تطبق في إطار نظام شمولي "يشمل" المواطن بالرعاية الكاملة ويراقب حتى أحلامه لرصد الكوابيس والهلاويس.
وكنت وبكل فخر أول من انتبه إلى أن السلطة الفلسطينية تستحق الثناء وليس الذم لأنها أنشأت ثلاثة عشر جهازا للأمن، من بينها الجهاز المسمى بالبوساد حتى يعرف الإسرائيليون أن الموساد "تبعهم" ولا شيء.. وأثبتت مجريات الأمور فعالية البوساد، فقد صار المناضلون ينصبون الكمائن لزعماء إسرائيل فإذا قابلوا أحدهم في أوروبا، فيا ويله، لأنهم ينهالون على وجهه بالبوسات سريعة الطلقات حتى يصيح: خلاص خلاص، حنتفاوض بس بلاش بوس .. كما أنني صاحب المقولة الشهيرة: أعدوا لهم البوسات والحمام وأغصان الزيتون حتى لو دمروا نابلس وبيت حانون! ويكفيني فخرا أن شعري صار على كل لسان:
البوس أصدق أنباء من السيف
في الخد أو في النعل .. على كيفي
كما أنني القائل:
وللحرية الحمراء خدٌّ
بكل فمٍ مبرطمة يُباس
وصرت أنام ملء جفوني بينما الناس يختصمون حول شعري:
إذا الشعب كان قليل الحياء
فلابد أن يبوس الحذاء
ومن منكم لا يحفظ لي قولي:
وللأعداء في فم كل حر / مغازلة وبوس مستحق
ولكن أعداء الإبداع قالوا: إذا كان شوقي أمير الشعراء فإن جعفر "حمير الشعراء"!