صارت "التريفيا" مجالا يتخصص فيه الناس في الغرب ويكسبون به الملايين في المسابقات التلفزيونية، والتريفيا هي المعلومات التي لا تقدم ولا تؤخر من حيث الحصيلة المعرفية، فمثلا لا يخصني ولا يخصك (كعوام) في قليل أو كثير أن طول لسان الزرافة يبلغ 45 سنتيميترا، ولكن تكمن قيمة التريفيا في أنها تلفت انتباهك إلى حقائق قد تحملك على التفكير أو إعادة النظر في بعض شؤون الحياة، فعلى سبيل المثال فان لقاء سعدون بحمدون بعد غيبة طويلة وقيامهما بتبادل البوسات لدقيقة واحدة يجعل كلا منهما يفقد 26 سعرة حرارية، وربما يفسر هذا لماذا يحرص شبابنا على التسكع في الأسواق،.. إنه بغرض الرياضة. ففوق أنهم يفقدون سعرات حرارية وهم يوزعون أرقام هواتفهم يمنة ويسرة على كل عباءة سوداء تمر بقربهم، فإنهم يلتقون بالربع.. ولو التقى كل شاب صايع بعشرة من أصدقائه في السوق وبادلهم التحية بالبوس فإنه سيفقد 260 سعرة حرارية، ويكون بذلك كمن مشى بضعة كيلومترات!! وقد قرأت مؤخرا عرضا لكتاب يحمل اسم "نَمْبَرْز" أي "أعداد" من تأليف ديفيد بويل وأنيتا روديك، البريطانيين ووجدته حافلا بالتريفيا المسلية: 27% من البريطانيين لا يغسلون أيديهم بعد الخروج من دورات المياه.. لا نستطيع أن نقول معليش لأنهم لا يستخدمون أيديهم عند الأكل، ويأكل كل واحد منهم من طبق خاص به،.. فهم يصافحون الآخرين بأيديهم ويتناولون بها الأشياء في المكاتب والبيوت، وبالمناسبة فقد اكتشفت خلال الفترات التي زرت فيها البلدان الأوروبية أنهم لا يغسلون أيديهم بعد الأكل... وهم يعتبروننا متخلفين لأننا نأكل مستخدمين أيدينا.. صحيح أن استخدام الأيدي في بعض الأكلات يجافي قواعد الصحة العامة لأن الأصابع الملوثة بالباكتيريا والجراثيم تلامس الأكل "المشترك" وتنتقل من شخص إلى آخر.. ولكن ميزة استخدام الأيدي في الطعام ليس فقط أنها ترغمك على غسل يديك قبل وبعد الأكل، ولكن أنها تعلمك المضمضة.. ورغم حبي لفطيرة السبانخ إلا أنني لا أتناولها ما لم أضمن وجود حوض غسيل به مياه كافية لغسل فمي عشر مرات لأن السبانخ يجعل شكل الفم أقرب إلى صينية استخدمت لفرم الملوخية، وما لم تغسلها لعشر دقائق تظل أشياء سوداء ملتصقة بأنحاء مختلفة منها.. والخواجات لا يتمضمضون رغم أنهم يكثرون من أكل الأعلاف (الخضراوات).. ومن الأرقام الطريفة أن المرأة (في المتوسط) تنفق نحو 40 دقيقة يوميا في التسوق (مقابل 26 دقيقة للرجل.. مما يعني واحدا من أمرين: أن تبذير المرأة ضعف تبذير الرجل أو أن الرجل يلقي بمسؤولية التسوق على المرأة ثم يلومها على التبذير).. ويقول كتاب نمبرز إن الطفل في سن الرابعة يطرح نحو 43 سؤالا في اليوم على أهله (طبعا هناك بيوت يحرم الآباء - أكرر الآباء وليس الأمهات - عيالهم من حرية التعبير ويعتبرون كثرة الأسئلة من صغارهم ثرثرة وليس حب استطلاع).. وفي عالم اليوم توجد 6 آلاف لغة معظمها غير مكتوب، ومن ثم معرض للفناء، ورغم أن لغتنا العربية حية وحيوية إلا أنها تتحول يوما بعد آخر إلى لغة هجين بعد أن صار بعض أبنائها "يستعرون" منها لاعتقادهم أن "الحضارة" هي تطعيم الكلام بمفردات إنجليزية وفرنسية وإسبانية.