ليس أمامنا إذن سوى أن نرمى بالحلم المرتكز على المعطيات العلمية ..ثم نعدو خلفه حتى نلحق بما فاتنا ونصنع مستقبلنا ولو من خلال خطوات قصيرة ولكنها ثابتة ومتتالية..ولتكن هذه المرة من خلال "كتاب الطفل ".
رؤية نقدية للواقع
إذا كان الطفل الصغير من الأهمية بحيث يجب أن نعتبره مؤسسة كبيرة, فإننا في الحقيقة نحتاج إلى رؤية موضوعية على حال مكتسبات الطفل حاليا في الوطن العربي , خصوصا في جانب "كتاب الطفل"..ويعانى الكتاب الموجه إلى الطفل العربي من عدة محاور, وهى: - عدم الالتزام الدقيق بخصائص المرحلة العمرية للطفل, وحتى الآن لا يوجد على الكتب ما يشير إلى المرحلة العمرية الذي يخاطبها..وكأن الكتاب وضع كل الأطفال في سلة واحدة.
- مخاطبة الطفل الأنثى والذكر على قدر واحد من التناول ..سواء في الموضوع أو المعالجة. على الرغم من أهمية التمييز بين الجنسين خصوصا بعد الثانية عشرة.
- تقديم الكتاب الغربي المترجم بشخصياته, ومفاهيمه وكأنه الكتاب النموذجي الذي يجب على الطفل اقتنائه..فشاعت شخصيات "السوبر مان", "الرجل الأخضر"..وغيرهما بكل ما تحمله من مفاهيم أقل ما يقال فيها أنها في حاجة تدجين ومواءمة.
- دور النشر المختلفة تسعى (الآن) إلى إنتاج كم أكبر من كتاب الطفل, نظرا للدعوات التنويرية الصادقة التي تتردد بين جنبات الوطن العربي, وأن الطفل هو مدخلتا كأمة إلى القرن الجديد. وقد تلاحظ أن تم ذلك مع عدم اهتمام أغلب دور النشر على توفير أفضل الخامات , والارتفاع بالمستوى ألفني الآئق لكتاب الطفل.
- أما عن مضامين الموضوعات التي تقدم للطفل, فهي على شقين إما البعد عن روح الطفل في التناول مع تقديم المعلومة قبل التناول ألفني..أو الاهتمام بالمعلومة البعيدة دون القريبة, وربما أنسب مثال على ذلك, تناول وتقديم الشرائع الإسلامية قبل الاهتمام بالسلوك الإسلامي والدلالة القيمية وهى التي يحتاجها الطفل أكثر.

كتاب الطفل الجديد في عصر المعلومات..(الكتاب الجديد)
ما يجرى من حولنا.. الحديث عن التكنولوجيا و الثقافة تداخل حتى يبدو وأن الجميع على قناعة بأن صناعة الثقافة أهم صناعات العصر الجديد. فكرة "الإنترنت" (وهو صورة الكتاب الجديد )أو المعلومات فائقة السرعة وقد أصبحت ضمن البرامج السياسة للحكومات و الأحزاب في أغلب دول العالم . كما أصبحت "التربية" مفهوما في مقابل التنمية وهو ما عبر عنه قلق رجال التربية .
وعلاقة المبدع العربي و عصر المعلومات الجديد هامة , هناك عدة نقاط جديرة بالتوقف والتأمل.
يتسم العمل الإبداعي لفنون عصر المعلومات بسمات أساسية عدة, يمكن تلخيصها في عدد من العناصر, وهو ما يجب مراعاته في كتاب الطفل عموما(سواء كتاب ورقى أو أقراص).
الطابع الذهني, (الذي يكشف لنا عن إمكانية إعمال الذهن , فقد انتهى عصر المتلقي السلبي.)
الطابع التفاعلي الدينامى, (وهو الذي يعطى للمتلقي فرصة التحكم في العمل الإبداعي, كأن يغير في الإيقاع الموسيقى, أو من باليتة الألوان المستخدمة في العمل التشكيلي..لم يعد هدف العمل الفنى التأويل أو إثارة المشاعر أو التذوق فقط..بل الهدف حاليا هو المشاركة بين المتلقي و العمل الفنى.)
الطابع المزجى, (الذي يمزج بين أنساق الفنون المختلفة , وكذلك بين التراث الفنى عبر الثقافات و الحضارات.)
وسقوط الحواجز بين أجناس الفنون, مثلا يقترب الرسم ذي الثلاثة أبعاد مع النحت, وفى الأداء المسرحي يقترب من فن الرقص.. وغير ذلك.
الطابع غير الخطى, وهو ما يتضح أكثر في فنون السرد من قصة ورواية ..حيث يختفي السرد الخطى المتتابع و الشكل الارسطى , إلى شظايا وحوارات وجوانب يمكن للقارئ إعادة تشكيلها.
ربما تصبح القضية الآن..أن الفن الجديد في حاجة إلى متلقي جديد, مثله مثل المبدع في حاجة إلى دعم من تكنولوجيا المعلومات. وأن تنمية الذائقة من الأمور الهامة, مع ممارسة التذوق ومعايشة العمل الفنى من أى جنس بالحاح و تكرار.



والسؤال هو: من أين نبدأ؟

أن البداية في التربية ..والمدخل إليها هو اللغة , وركيزة كلتيهما هي ثقافة تكامل المعرفة وصدق الإيمان.و"الكتاب" هو القلب من تلك الثقافة مع توافر الآتي:" أن يوفر للطفل المعلومة..السلوك القويم..التاريخ..الفن..الأدب, كل ذلك في إطار جذاب وشيق , معتمدا على مراعاة المرحلة العمرية للطفل"
:استخدام الخامات المناسبة والتى تنتج منتجا متماسكا يتحمل عبث (لعب) الطفل, وقد تم إنتاج بعض الكتب غير الورقية (من الشكولاته للطفل تحت ثلاث سنوات, ثم من القماش أو رقائق البلاستيك لمرحلة حتى السادسة!)
كما ان توفير الاسطوانات أو الأقراص الإلكترونية (الديسكات) بات شائعا ولا يجب إغفال أهميته كخامة وكوسيلة قادرة على احتواء كم هائل من المعرفة.
:أن يضم الكتاب على التتابع والتوازى ..المادة اللغوية والمادة الفنية أو الرسومات المكملة التوضيحية. وقد وجد المختصون أن الألوان "الأصفر-الأحمر-الأزرق" هي أهم الألوان للطفل حتى سن التاسعة.
وكما يجب أن يكون الخط واضحا وكبيرا, يجب أن تكون الرسوم مكملة للمعنى, بل ويمكن الاستغناء عن المفردات الكثيرة مقابل التوضيح بالرسم مع الجمل القصيرة..هذا بالإضافة إلى إبراز الصورة المقربة وإهمال الخلفية في الرسوم التوضيحية..مع استخدام التقنيات الحديثة في النشر وطباعة الصور وخلافه.
:البعد عن النصح والإرشاد وبالعموم عن المباشرة وإصدار الأوامر للطفل, حتى يعتاد الطفل على استنتاج الحقائق .
:أن تغلب روح الطفولة على المادة المنشورة.
: أن يصبح الكتاب (في النهاية) لعبة بين يدي الطفل..جميلة ومفيدة

أخيرا ..لم يفقد الكتاب التقليدي مكانته (ولن!!), أما القضية فهي ضرورة الاستفادة من المنحازات التقنية الحديثة, فالإرادة البشرية وحدها هي القادرة على توجيه أى أنواع تكنولوجية تستجد في ساحة المعرفة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية