تعتبر هجرة العرب والمسلمين إلى دول شمال أوروبا السويد والنرويج وفنلندا وإيسلندا حديثة العهد إذا ما قورنت بهجرة العرب والمسلمين إلى فرنسا أو القارة الأمريكية , وعلى رغم ذلك فإنّهم تحولّوا إلى رقم حقيقي في المعادلة السكانية و الإجتماعية , حيث يبلغ عدد العرب والمسلمين في السويد مثلا أزيد من نصف مليون نسمة يملك معظمهم الجنسية السويدية ويتمتّعون بنفس الحقوق التي يتمتّع بها المواطنون الأصليون , وفي كتابه المهّم الذي حمل عنوان : السويد والإسلام , قال الكاتب السويدي الذي أسلم يان سامويلسون أنّ العرب والمسلمين سيصبحون رقما صعبا في المعادلة السويدية سياسيا وسكانيّا بحلول سنة 2020 وهم قادرون على فعل الكثير إذا تركوا البطالة والمخدرات . ويحق للسويدي من أصل عربي أو مسلم أن ينخرط في أي حزب سياسي سويدي أو يؤسسّ حزبا سياسيا إذا أراد ذلك وله أن يؤسس جريدة أو مجلة إذا أراد ذلك , فالقانون السويدي يوفّر له كل الضمانات لتحقيق ذلك .
وعلى رغم هذه الضمانات فإنّ العرب لم يفكروا في تأسيس حزب سياسي بل إكتفى بعضهم بالإنخراط في الأحزاب السويدية المركزية الممثلّة في البرلمان السويدي وهي سبع أحزاب : الحزب الديموقراطي الإجتماعي – حزب الأغلبية في السويد و حزب المحافظين وحزب اليسار وحزب البيئة وحزب الوسط أو المركزي وحزب الشعب والحزب الديموقراطي المسيحي , و يتوزع العرب على هذه الأحزاب ووصل بعضهم إلى البرلمان السويدي مثل إيفون رويدا من أصل فلسطيني وماجدة أيوب من أصل مصري .
و على الرغم من أنّ السويد لا تضع عراقيل البتة في وجه الطامحين السياسيين من الأجانب المقيمين في السويد إلاّ أنّ نسبة الأجانب الموجودين داخل دوائر القرار السويدي والمؤسسات الحاكمة والمهندسة للقرار قليلة للغاية , ويرجع بعض الباحثين السويديين الأمر إلى عدم إكتراث الأجانب وتحديدا العرب والمسلمين بالهمّ السياسي وعدم مشاركتهم الفعّالة في المعادلة السياسية السويدية .
كما أنّ الأحزاب السويدية تشهد إقبالا متواضعا من قبل الأجانب العرب وغيرهم في الإنضمام إليها , وبعض من أبناء الجالية العربية إختاروا الإنتماء إلى الحزب الديموقراطي الإجتماعي صاحب الأغلبية في البرلمان وحزب اليسار الذي إنضمّ اليه بعض اليساريين العرب . كما أنّ حزب المحافظين المعارض يضم بين صفوفه بعض العرب الذين يؤمنون بالليبيرالية .
كما أنّ البرلمان السويدي وهو هيئة تشريعية قوية جدا – النظام السياسي في السويد برلماني – يضم العديد من الأجانب العرب والإيرانيين ومن أوروبا الشرقية وفنلندا .
و من الأعضاء في البرلمان السويدي النائبة المصرية ماجدة أيّوب التي ولدت في القاهرة وترعرعت فيها ووصلت إلى السويد سنة 1970 وبعد ثلاثين سنة من العيش في السويد أصبحت ماجدة أيوب عضوة في البرلمان السويدي , وتنتمي ماجدة أيوب إلى الحزب الديموقراطي المسيحي وهو من الأحزاب المهمة في السويد ويأتي هذا الحزب في المرتبة الرابعة تقريبا .
وكانت ماجدة أيوب تنشط سياسيا من خلال حزبها في منطقة فيسبي السويدية , وتعتقد ماجدة أيوب أنّ العمل في البرلمان السويدي مفيد وممتع لكنّه يتطلب قراءة كثيرة في مجمل الملفات . وتعتقد ماجدة أيوب أنّ كونها مسيحية سهلّ كثيرا في عملية إندماجها في المجتمع السويدي , علما أنّ العديد من المسلمين أندمجوا في المجتمع السويدي وربما أصبحوا سويديين أكثر من السويديين أنفسهم . وتقول ماجدة أيوب أنها أقامت علاقات مع الكنائس في السويد وأنّ خلفيتها المسيحية هي التي أدّت بها إلى الانضمام إلى الحزب المسيحي الديموقراطي .
و إذا كان العرب قد تقاعسوا في موضوع الإنضمام إلى الأحزاب السويدية بقوة أو تأسيس حزب خاص بهم إلاّ أنّهم نشطوا في مجال تأسيس الجمعيات الثقافية والإجتماعية والتي أقامت علاقات وطيدة بالجمعيات السويدية , ومن أنشط هذه الجمعيات الجمعيات الفلسطينية التي كانت تعمل مع نظيراتها العربية على تحريك التظاهرات في الشوارع السويدية ضدّ السياسة الإسرائيلية والسيّاسة الأمريكية , كما تمكنت هذه الجمعيات من نقل القضايا العربية إلى المنظمات السويدية من قبيل منظمة شبيبة الحزب الديموقراطي الإجتماعي الحاكم التي رفعت دعوى قضائية على رئيس الحكومة العبرية آرييل شارون و نسجت هذه الجمعيات علاقات مع العديد من السياسيين والمثقفين وقد وقعّ 73 أكاديميا سويديّا وشخصيات سويدية بارزة بين علميّة وديبلوماسية وكنسية على بيان طالبوا فيه المجتمع الدولي بضرورة الضغط على الكيّان الصهيوني لوقف تجاوزاته الخطيرة ضد الشعب الفلسطيني , وأعتبر هؤلاء الأكاديميون أنّ إستمرار الإحتلال الصهيوني هو الذي ولدّ العنف في الأرض المحتلّة , وطالب البيان بإخلاء المستوطنات الإسرائيليّة وإقامة دولة فلسطينية في الحدود المعترف بها دوليّا .
ولتحقيق هذه المطالب طالب الأكاديميون السويديون بمقاطعة البضائع الإسرائيلية وعدم بيع الدولة العبريّة أي بضائع بما في ذلك الأسلحة . ولأول مرة يوقع هذا الكم الهائل من شخصيات المجتمع المدني على مثل هذا البيان في السويد ومنهم الكاتب أندش إهمارك وزعيمة حزب اليسار غودرون شيمان ورولف ألسينغ رئيس تحرير جريدة أفتون بلادت الذائعة الصيت في السويد و وإيلفا جونسون وزيرة سابقة , و إيفون هيردمان أستاذ تاريخ في الجامعة , وكارل تام سفير السويد في العاصمة الألمانية برلين وشخصيات عديدة من الوزن الثقيل في المجتمع السويدي .
وقد كان البيان الذي وزعّه هؤلاء الأكاديميون ونشرته جريدة أخبار اليوم الصحيفة الأولى في السويد صريحا وفي غاية الوضوح حيث حملّ الموقعون الدولة العبرية مسؤوليّة المجازر في الأراضي الفلسطينية المحتلة ونددوا بإسرائيل التي لا تحترم الحياة والتي تعرّض يوميا مدنيين فلسطينيين للخطر .
وعدم إقبال العرب على الهمّ السياسي الداخلي جعلهم يضيعون فرصة كبيرة في لعب أدوار كبيرة في السياسة السويدية وهنا يشار إلى أنّ الجالية العربية في السويد قوامها نسبة ضئيلة من المثقفين وحملة الشهادات العليا و نسبة كبيرة في حدود 90 بالمائة قوامها لاجئون ومهاجرون هاجروا إلى السويد من أجل لقمة العيش والإستفادة من قوانين الرفاهية الموجودة في السويد من قبيل المساعدة الإجتماعية التي تعطى للبطال أو صاحب العائلة , ولعلّ هذا ما جعل الحركية السياسية العربية في السويد ودول شمال العالم بطيئة للغاية , كما أنّ إنتشار البطالة بين العرب والمسلمين أثرّ سلبا عليهم لجهة عدم إندماجهم في المجتمع الجديد وقد وجد عشرات الآلاف من العرب والمسلمين في السويد أنفسهم في قوافل البطّالين و الذين تبددّت أحلامهم التي كانت تدور في مخيّلتهم قبل الهجرة إلى السويد , ولم تتمكّن أسواق العمل في السويد من إستيعاب هذا الكمّ الهائل من البطالين الوافدين من العالم العربي والإسلامي . وقد تشارك في هذه النكبة المتعلمون حملة الشهادات العليّا مع غيرهم من الذين لم تطأ أقدامهم مدرسة إبتدائيّة في بلادهم . ولعلّ محنة حملة الشهادات العليا من العرب والمسلمين أشدّ من محنة غير المتعلمّين باعتبار أنّ الفئة الثانيّة تقبل أيّ عمل يعرض عليها من قبيل التنظيفات وغسل الأواني و غير ذلك من الأعمال التي قد لا ينسجم معها حملة الشهادات العليّا الذين أضطّروا الى تغيير إختصاصاتهم فأصبح الطبيب بائع ثيّاب و المهندس سائق حافلة و الباحث الاجتماعي منظفّا في المحلاّت الكبرى . ومن المهن التي برع فيها العرب والمسلمون مهنة بائع متجوّل وبشكل كبير وملفت للنظر , إلى درجة أنّ العديد من الباعة المتجولّين من العرب والمسلمين أصبحوا علامات مميزّة في الساحات العموميّة السويديّة وقد تخصصّ هؤلاء الذين منهم المتعلم والأميّ في بيع الزهور والورود , وبيع الخضروات والفواكه تحت خيّام تشبه إلى حدّ كبير خيّام الأسواق الشعبيّة في العالم العربي والإسلامي , وبيع الثيّاب المستوردة من العالم العربي والإسلامي حيث يتنقّل الرجال أو النساء في المناطق التي تقطن بها أغلبيّة عربيّة و إسلاميّة لبيع بضائعهم وبعض العرب والمسلمين يبيعون شطائر المقانق – المعروف في السويد بالكورف – للمارة والمشاة وهؤلاء يملكون عربة صغيرة يتوفّر فيها طبّاخ صغير جدّا وعدّة بسيطة للعمل , والبعض يبيع محفظات النقود المستوردة من سوريا ولبنان وتركيّا والظاهرة الملفتة للنظر هي ازدهار مطاعم الفلافل الصغيرة حيث بات الإنسان السويدي يعرف بإتقان ما معنى الفلافل والحمّص إلى درجة أنّ أحدهم قال إنّ محلات الفلافل العربيّة ستكتسح محلات الماكدونالدز الأمريكيّة .
و من الإشكاليّات الكبيرة التي تعترض حياة العرب المسلمين في الغرب هو إندماجهم أو عدم إندماجهم في الواقع الجغرافي الجديد الذي هاجروا إليه . ويفضي الإندماج إلى ضرورة ترك العرب المسلمين لمفردات شخصيتهم والتي قوامها المسلكيّة الحياتيّة التي رسم أبعادها الثقافة العربية والإسلاميّة , فيما تفضي الإستقلاليّة إلى عزل العرب و المسلمين عن الواقع الجديد الذي يعيشون فيه وعندها قد يصونون شخصيتهم لكن ذلك يجعلهم يراوحون مكانهم في السلم الإجتماعي والثقافي وحتى السياسي في الواقع الغربي .
وإشكاليّة الإندماج أو الإستقلاليّة لم تصبّح همّا خاصّا بالعرب للمسلمين , بل أصبحت همّا سياسيّا يؤرّق كافة الحكومات الغربيّة التي يتواجد على أراضيها عشرات الآلاف من المسلمين , إلى درجة أنّ العديد من الساسة الغريين الأعضاء في الأحزاب الحاكمة في الغرب يرفضون تولّي وزارة الهجرة والإندماج لعقدة الملفات المطروحة في أجندة هذه الوزارة , وللإخفاقات الكثيرة التي منيّت بها سياسات الهجرة والإندماج في الغرب . وقد صرحّت وزيرة الإندماج السويدية السيدة منى سالين قائلة : لقد صرفنا ملايير الكرونات – كل دولار يساوي ثمانيّ كرونات سويدية – على إقناع المهاجرين بضرورة الإندماج في المجتمع السويدي وكان يجب أن نصرف هذه المبالغ على إقناع السويديين بضرورة قبول الآخر - و للعلم فإنّ وزارات الهجرة والإندماج في الغرب تحظى بميزانيّات كبيرة جدا تفوق ميزانيّات الوزارات الأخرى .
ومردّ إهتمام الدوائر الغربيّة بسياسة الإندماج يعود إلى أنّ السبب الذي جعل الحكومات الغربيّة تستورد بشرا من القارات الخمس ومن العالم الثالث على وجه التحديد هو الحفاظ على التوازن السكّاني و بعث الحيويّة والروح في الواقع الإجتماعي و الإقتصادي الغربي خصوصا في ظل التضاؤل الرهيب للنسمة الغربيّة .
وإذا كانت العواصم الغربيّة قد أوجدت نوعا من التوازن السكانّي وأستطاعت أن تعبئّ المناطق الفارغة فيها بالقادمين من العالم العربي والإسلامي والثالث , فإنّ دوائر القرار في الغرب تولي أهميّة قصوى لأمنها المستقبلي وذلك يقتضي قطع اللحمة بين الجيل المسلم الذي ولد معظمه في الغرب وإنتمائه الحضاري حتى لا يكون الواقع الغربي واقعا إثنيّا متعددّا من الناحيّة الدينية , ويرى إستراتيجيو الإندماج أنّه إذا لا يوجد أمل في تغيير ذهنيّات وشخصيات الآباء بما ينسجم مع مفردات الحياة الغربيّة , فيجب أن تخصصّ جهود جبّارة لتغريب الأبناء الذين فقد 95 بالمائة منهم اللغة الأمّ , والذين هم أكثر من آبائهم إندماجا بالحياة الغربيّة من خلال المدرسة والمنتديات الرياضيّة وغيرها . ويعترف هؤلاء الإستراتيجيون أنّ رهانهم الأساس هو على الأبناء دون الآباء , لأنّ الطفل العرب والمسلم ومنذ ولادته يخضع في الغرب للقواعد الغربيّة التي صيغت لتنظيم حياة الفرد من المهد وإلى اللحد , وهو الأمر الذي يجعل أطفال العرب و المسلمين أقرب إلى المعادلة الغربيّة في الحياة من الآباء الذين يعيش أكثر من 70 بالمائة منهم في بطالة كاملة ويتقاضون مساعدات من المؤسسّات الإجتماعيّة .
ومع تزايد جرائم الشرف في الغرب ولجوء مسلمين إلى قتل بناتهم بسبب السلوك الغربي لبناتهم إرتفعت الأصوات الغربيّة بضرورة إيجاد سياسة إندماجيّة ناجحة تجعل القادمين من الشرق جزءا لا يتجزّأ من الواقع الغربي .
فقد إستيقظت السويد على جريمة فظيعة يوم 22-01-2002 حركّت الرأي العام السويدي ومازالت تثير جدلا سياسيا وإعلاميّا بشكل لم يسبق له مثيل , وتتمثّل هذه الجريمة في إقدام أحد الآباء من أكراد تركيّا على قتل إبنته فاطمة التي تبلغ من العمر 26 سنة , وذلك بسبب سلوكها المشابه لسلوك السويديات المتحررات من القيود الأسريّة بشكل مطلق . والمجني عليها فاطمة كانت تعيش في كنف أسرتها قبل أن تتعرّف على شاب سويدي سنة 1998 وتقررّ أن تعيش معه عن طريق المعاشرة بدون زواج كما يحدث مع معظم السويديّات , ونظرا لسلوكها هذا فقد ظلّ أبوها يحاسبها على تصرفهّا هذا , فيما قررّت هي أن تقود حركة دعوة الشابات المسلمات إلى الثورة على التقاليد والعادات والمبادئ التي مازالت تتحكم في مسلكيّات كل الأسر القادمة من العالم الإسلامي إلى السويد , ونظرا لدعوتها هذه فقد أحتضنت سياسيّا وكانت دعوتها محلّ ترحيب وزيرة الاندماج السويديّة منى سالين المتهمة من قبل الصحف السويدية بعدم تسديد ضرائبها لمصلحة الضرائب . ورغم تحذير الأب والأقرباء لها فقد استمرّت تدعو المرأة الأجنبية إلى التحرر المطلق , ورغم وفاة عشيقها في حادث سيارة إلاّ أنّها إستمرّت في نفس النهج , وعندما كانت فاطمة تزور أختها الصغرى في بيتها في منطقة أوبسالا القديمة في مدينة أوبسالا الجامعيّة – تبعد مدينة أوبسالا عن العاصمة السويدية ستوكهولم بحدود 70 كيلومتر - تسللّ أبوها إلى بيت أختها وأطلق عليها النار مهشمّا رأسها ومن تمّ سلمّ نفسه للشرطة , وكانت فاطمة تنوي التوجّه إلى كينيا لإنجاز بحث ميداني له علاقة بإختصاصها في العلوم الانسانيّة .
وبسبب الإرباكات التي يعيشها المسلمون في السويد بسب تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر – أيلول وبسبب الإحتقان الغربي ضدّ المسلمين فقد تحولّت قضيّة فاطمة إلى موضوع للرأي العام وباتت الصحافة السويدية والإعلام المرئي والمسموع يهتم بهذه القضيّة وإخفاق موضوع الاندماج في السويد , وكلما تحين ذكرى مقتل فاطمة الكرديّة تنطلق تظاهرة كبيرة في مدينة أوبسالا – مكان الحادث - تنديدا بجرائم الشرف وقد و تشارك فيها أحيانا وزيرة الاندماج منى سالين .
وتجدر الإشارة إلى أنّ جرائم من هذا القبيل قد إنتشرت في السويد بشكل كبير ففي سنة 1994 قتل فلسطيني مسيحي إبنته التي تبلغ من العمر 18 سنة بعد أن قررّت أن تعيش مع شاب سويدي دون إذن أبيها . وفي سنة 1996 قتلت فتاة عربية تدعى ليلى وعمرها 15 سنة من قبل أخيها لأنّها قررت أن تعيش كالسويديّات .
وفي سنة 1997 قتلت فتاة مسلمة عمرها 22 سنة عندما كانت تغادر مرقصا , وقام أخوها الذي يبلغ من العمر 20 سنة بقتلها في الشارع . وفي نفس السنة أيضا 1997 قتلت فتاة كرديّة عمرها 17 سنة من قبل أخيها البالغ من العمر 16 سنة .
وفي سنة 1999 قتلت فتاة كرديّة لدى زيارة كردستان في العراق من قبل أعمامها الذين اكتشفوا سلوكها السويدي , وجرى إبلاغ السلطات السويدية من قبل بعض ذويها .
وفي سنة 2001 قتلت فتاة مسلمة من قبل أخيها .
هذا بالإضافة إلى مئات قضايا الإعتداء والضرب ومحاولة القتل المعروضة أمام المحاكم و عشرات الجرائم الأخرى في مختلف المحافظات السويدية .
وسعت بعض الجهات السياسية والإجتماعية في السويد إلى تسييس قضيّة فاطمة وغيرها وإتهّام العرب والمسلمين بأنّهم غير قابلين للإندماج في المجتمع السويدي . وغير مؤهليّن ليصبحوا جزءا من المجتمع السويدي علما أن بعض التيارات السيّاسية تعتبر أنّ الاندماج لا يعني التخلي عن الدين والثقافة والخلفية الفكريّة للمهاجر العربي والمسلم , ومع ذلك يبدو أنّ أصحاب هذا الطرح تضاءل حجمهم وخصوصا بعد الحادي عشر من أيلول الأسود في سنة 2001 في الولايات المتحدة الأمريكيّة .
ومهما كانت الأهداف الإستراتيجيّة لسياسة الإندماج في الغرب , فإنّ العرب و المسلمين إنقسموا تجاه هذه السياسة إلى ثلاث فئات , الفئة الأولى وهي التي ذابت بشكل كامل في المجتمع الغربي وباتت تزايد على الغربيين نسيانهم المطلق للقيّم والمبادئ والمفاهيم الروحيّة , وأصبح هؤلاء لا يعترفون بالإسلام كشريعة متكاملة ولا باللغة العربية كلغة حضارة, بل راحوا يذمّون كل ما يمت إلى الثقافة العربية و الإسلام بصلة من خلال تصرفاتهم وتصريحاتهم , وأصبح لحم الخنزير في عرفهم الجديد لحما لذيذا , والأفلام الإباحيّة جزءا لا يتجزّء من التمتّع بالحياة والكيان الصهيوني صديقا و الفلسطيني الإستشهادي إرهابيا , والعديد من المحلات التي فتحها المنتمون إلى هذه الفئة أصبحت وكرا لكل أنواع الفساد , والكثير من المنتمين إلى هذه الشريحة إمّا لم يكن لديهم إلتزام بالإسلام في بلادهم , أو أصبحت لديهم ردّة فعل كبيرة تجاه بعض الممارسات الإسلامية في بلادهم وأخصّ بالذكر هنا الإيرانيين والأتراك والأكراد .
والفئة الثانيّة هي تلك الفئة الشديدة الإلتزام وتعتبر وجودها في الغرب إضطراريّا لأسباب سيّاسية أو إقتصاديّة وبمجرّد زوال مسببات الإقامة في الغرب سيعودون إلى ديّار الإسلام أو إلأى البلاد العربية حيث بقاء القيّم والعلاقات اللإجتماعية الحميميّة . وتعيش هذه الفئة خارج المعادلة الإجتماعيّة والسياسيّة في الغرب , لكنّها في المقابل حافظت على إلتزامها وتدينّها وعقيدتها ولغتها . ولا شكّ أنّ هذه الفئة تجابه صعوبات متعددّة في دنيّا الإغتراب وتحتسب ذلك عند الله .
والفئة الثالثة هي الفئة المتمسكة بدينها ولغتها وثقافتها العربية والإسلامية والمنفتحة على محاسن الحضارة الغربيّة , من قيبل النظام والإنضباط والحثّ على طلب العلم وتقديس قيمة العمل و العمل الدؤوب , وتعتبر هذه الفئة إنفتاحها على محاسن الحضارة الغربية وإقامة جسور تواصل مع الغربين مدخلا ضروريّا للتعريف بالحضارة العربيّة والإسلاميّة , وبدون ذلك سيبقى الغربيون جاهلين بمقاصد الشريعة الإسلاميّة خصوصا وأنّهم يستقون معلوماتهم عن الإسلام إمّا من المستشرقين الغربيين الذين درسوا الحضارة العربيّة والإسلاميّة أو من المستغربين العرب الذين كتبوا عن الإسلام بما يرضي العقل الغربي طمعا في الجوائز والمخصصّات الماليّة التي تخصصّ لهذا الغرض وهي تقدّر بملايين الدولارات . وإلى هذه الفئة ينتمي المثقفون وحملة الشهادات العليا من المسلمين . والذين بدأوا يلعبون أدوارا مهمّة في الواقع الغربي .
و الواقع الذي تؤكّده مشاهداتي الحيّة و خبراتي الطويلة في العديد من العواصم الغربية أنّ هناك أكثر من جدار برلين بين المسلمين والمجتمع الأوروبي الذي يعيشون فيه , وهذه الإشكالية الكبيرة والمعقدة لم يبصرها المهتّم بالشأن الإسلامي في الغرب فقط بل أصبحت محل تتبّع وبحث العديد من الباحثين الذين كتبوا في هذا المجال , فالمسلم يعيش بجسده فقط بين الغربيين والأوربيين ولكن أحاسيسه وعواطفه و مشربه الفكري ما زال في العالم العربي والإسلامي , ففي السويد مثلا حيث أعيش هناك آلاف العوائل العربية والمسلمة لا تشاهد على الإطلاق نشرات الأخبار السويدية ولا تتابع مطلقا البرامج السياسية والثقافية التي تبثها القنوات السويدية والتي الكثير منها على علاقة بواقع المهاجرين المسلمين في السويد , وكثيرا ما كنت أسأل بعض المسلمين هل شاهدتم حصّة القناة الأولى السويدية البارحة عن الحجاب والختان , أو عن المجتمعات الإسلامية في القناة الرابعة فيقولون لي لا والله لقد سهرنا مع فيلم لعادل إمام بثته هذه الفضائية , أو سهرنا مع هذه المسرحية أو تلك لهذه الفضائية العربية , وهذه المعضلة جعلت آلاف المسلمين يتأخرون في تعلم اللغة السويدية التي هي المفتاح الأساس إلى المجتمع الذي يعيشون فيه , و بات لديهم فقر معلوماتي عن المجتمع الذي يعيشون فيه .
هذا ناهيك عن الصراعات المذهبية والفكرية وحتى الجهوية التي نشاهدها في واقعنا العربي فقد جرى إستيراد نفس المعضلات , وهو الأمر الذي جعلني أقول في محاضرة لي ألقيتها في السويد عن العقل العربي و أمام جمع كبير من أبناء جلدتي :
أنّ الحضارة الغربية جاءتنا إلى عقر دارنا فما أستفدنا منها و جئناها إلى عقر دارها وما زلنا نراوح مكاننا والعجيب أنّنا أخذنا مساوئ الحضارة الغربية دون محاسنها وصدرنّا لهم مساوئنا دون محاسن حضارتنا فتراكمت المساوئ لدينا وكل ذلك بأيدينا .
وعندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر – أيلول السنة قبل سنتين في الولايات المتحدة الأمريكية أصيب المسلمون في السويد بإرتباك شديد خوفا على مستقبلهم وعلى وجودهم بشكل عام في السويد , وكان هذا الخوف مشروعا خصوصا في ظلّ التداعيّات التي أعقبت تلك الأحداث وخصوصا في المنظومة الغربيّة . وقد سارع المسؤولون السويديون في بعث العديد من الرسائل السياسيّة إلى المسلمين عبر وسائل الإعلام السويدية المرئيّة و السمعية والمكتوبة , كما أنّ وزيرة الإندماج السيدة منى سالين قامت بزيارة إلى مسجد ستوكهولم المركزي وإلتقت بالمشرفين على المسجد , وطالبت في كلمة لها المسلمين السويديين بأداء شعائرهم وممارسة واجباتهم الدينية دون خوف أو رعب من أحد لأنّ القوانين السويدية المركزيّة تولي الحريات الدينيّة أهمية كبيرة وخاصة , كما أنّ الملك السويد كارل غوستاف السادس عشر قام بزيارة إلى مسجد ستوكهولم في هذه السنة – 2004 - وأثنى على الأدوار التي يضطلع بها العرب والمسلمون في السويد وللإشارة فإنّ وزيرة الخارجيّة السويديّة السيدة آنا ليند الراحلة قررت قبل وفاتها أن تطبع وزراة الخارجيّة كتابا للتعريف بالإسلام يتمّ توزيعه على الطلاّب السويديين الذين يجب أن يعرفوا أنّ نصف زملائهم من المسلمين ويجب أن يعرفوا أنّ دينهم الإسلامي متسامح وحضاري كما ورد في الكتاب الذي طبع منه 300,000 نسخة . كما أنّ السلطات السويديّة لم تقطع مساعداتها الماديّة عن المدارس العربية والإسلامية والمساجد المنتشرة في كل المحافظات السويديّة . بل حتى أتباع تنظيم القاعدة في السويد والذين أحصت المخابرات السويدية عددهم بخمس عشر شخصا ( 15 ) لم يجر إعتقالهم رغم أنهم تدربوا في أفغانستان , وقد نقلت صحيفة إكسبرس نقلا عن باتريك جوتون المسؤول في المخابرات السويدية أنّ المنتمين إلى القاعدة لن يجري إعتقالهم لأنّهم لم يخرقوا القوانين السويدية . وقد طالبت بعض الأحزاب السويدية بسحب السفير السويدي في واشنطن بسبب السويدي المعتقل في غوانتانمو – الذي أطلق سراحه في 07 تمّوز – يوليو 2004 بعد ضغط سيساي من قبل الأحزاب السويدية و الإعلام السويدي - وهو من أصول جزائريّة والذي كانت ترفض واشنطن إطلاق سراحه رغم الطلب السويدي الرسمي بضرورة تحريره. هذا على الصعيد الرسمي السويدي , أمّا على الصعيد الشعبي فقد أقبل آلاف السويديين على دراسة الإسلام وحتى الثقافة العربية إلى درجة أنّ معاهد الدراسات الشرقيّة والإسلامية باتت مكتظة – تضمّ كل الجامعات السويدية الكبرى في كل المحافظات السويدية معهدا لدراسة اللغة العربية و الثقافة العربية - , ويجب على أي طالب حجز مقعد قبل سنة من بداية العام الدراسي ليحظى بدراسة الإستشراق , وقد أسلم مئات السويديين في خضمّ هذه السنة , وأزدادوا إقبالا على دراسة الإسلام , وخصوصا بعد أن أصبح الإسلام والمسلمين مادة إعلامية يدعى لمناقشتها في وسائل الإعلام الرسميّة أكفأ المتخصصين من السويديين والعرب .
وعلى صعيد الجاليّة العربية والإسلامية فقد نضج وعي إسلامي جديد وسط هذه الجاليّة , وبدأ يترسخّ مبدأ الإنتماء الحضاري للإسلام , وقد تمثل ذلك في الإهتمام المتزايد بأخبار العالم العربي والإسلامي و حسن المتابعة لتطورات الأحداث في البلاد العربية والإسلامية , وتمثل ذلك في الإقبال المتزايد على المساجد والمدارس العربية والإسلامية , والمشاركة الفعاّلة في التظاهرات المناصرة للقضية الفلسطينية والتي بات يشارك فيها آلاف السويديين.
وقد أدىّ شعور مسلمي السويد بأهميّة دورهم إلى مشاركتهم المكثفة في ترشيح أنفسهم للإنتخابات التشريعية السويدية التي جرت في 15 سبتمبر- أيلول الماضي 2003 , وهي مشاركة لم يسبق لها مثيل في تاريخ السويد , ولسان حال كل المرشحين العرب والمسلمين هو الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية تحت قبة البرلمان السويدي – النظام السياسي في السويد برلماني - , كما أنّ علاقة المسلمين بوسائل الإعلام تضاعفت الأمر الذي أدّى إلى تخصيص كبريات الصحف السويدية صفحات عن الإسلام والمسلمين ويوجد إلحاح من قبل النخب السياسية الحاكمة والمثقفة في السويد على ضرورة أن يسود مبدأ حوار الحضارات وتحديدا بين الإسلام والغرب ومعروف أنّ السويد إستضافت مؤتمرا بهذا العنوان سنة 1994 .
ويبقى القول أنّ الجاليات العربية والإسلامية لو رسمت إستراتيجية موحدة لأمكنها أن تكسب المعركة الإعلامية والثقافية و السياسية في السويد , والإشكال هو أنّ الجمعيات الإسلامية تخاطب الغرب بألسنة متفرقة , وتوحيد الخطاب والمنهج كفيل بإحداث تعييرات قد تجعل واشنطن تفقد أهم أصدقائها في أوروبا .
وإذا كان العرب قد قصروا في مسألة تأسيس أحزاب سياسية أو الإنخراط بقوة في الأحزاب السياسية السويدية أو تأسيس وسائل إعلامية مكتوبة ومرئية ومسموعة فإنّهم نجحوا في تأسيس مدارس عربية وإسلامية والمنتشرة في كل المحافظات السويدية و تضطلع بأداء عملها بكل حريّة وبدون تدخّل من السلطات السويدية وتجدر الإشارة إلى أنّ المدارس العربيّة والإسلاميّة منتشرة في كبريات المدن السويدية الكبيرة كستوكهولم و مالمو و أوبسالا وغوتنبورغ وغيرها من المحافظات وفي أحيان كثيرة يصادف المرء أكثر من مدرسة عربية وإسلاميّة في المنطقة الواحدة , فالعاصمة السويدية ستوكهولم يوجد فيها مدرستان إسلاميتان إحداهما سنيّة والثانيّة شيعيّة , وفي مدينة أوبسالا يوجد مدرستان إسلاميتان تحمل الأولى إسم مدرسة الإيمان والثانيّة مدرسة منار الهدى وهي تابعة لجمعية المشاريع الخيرية اللبنانيّة , وفي مدينة مالمو ثاني مدينة بعد ستوكهولم يوجد أزيد من أربع مدارس عربية وإسلاميّة , ويتولى التدريس في هذه المدارس الإسلاميّة والعربية عشرات المدرسين العرب من مختلف الجنسيات العربية وتعتبر مادة القرآن الكريم والتاريخ الإسلامي واللغة العربيّة والأحكام الفقهية من المواد الضروريّة في مناهج هذه المدارس بالإضافة إلى المنهج السويدي من قبيل اللغة السويدية والرياضيات وغيرها من المواد باعتبارها ضروريّة للطالب العربي والمسلم على اعتبار أنّ المدارس العربية والإسلاميّة تضطلّع بتدريس المرحلة الابتدائية والمتوسطة ولم تتأسسّ لحدّ الآن ثانوية عربية وإسلامية ويضطّر الطالب العربي والمسلم أن ينتقل تلقائيّا إلى الثانوية السويدية بعد إتمام دراسته في المدارس العربية والإسلامية , وبعض المدارس العربية والإسلامية تفتقد إلى المرحلة المتوسطة فيضطّر الطالب أن يغادرها إلى مدرسة سويدية فيها صفوف متوسطة . وهناك مساعي في هذا الصدد كما هناك مساعي لفتح كلية للدراسات الإسلاميّة .
وكل هذه المدارس العربيّة والإسلاميّة تتلقى دعما ماليّا كبيرا من الحكومة السويدية ويصل هذا الدعم إلى ملايين الكرونات السويدية – ملايين الدولارات – تصرف على رواتب العاملين في هذه المدارس ويدفع منها إيجار المدارس وغير ذلك من المصاريف . وحسب معلومات أكيدة فانّ هذه المساعدات لم تنقطع البتة بل قدمت المساعدات لهذه المدارس العربية والإسلاميّة في وقتها ودون تأخير , ورغم انتشار هذه المدارس فقد وافقت بلدية مالمو في جنوبي السويد على فتح مدرسة عربية أخرى لاستيعاب العدد الهائل من أبناء الجاليّة العربيّة . وقد صرحّ بعض مسؤولي هذه المدارس العربية والإسلاميّة أنّه لم يسجّل أي تدخّل من قبل الجهات المعنيّة بضرورة تغيير المنهج أو إلغاء الحجاب الذي تلتزم به أغلب التلميذات , وتجدر الإشارة إلى أنّ تلاميذ من مختلف الجنسيات العربية والإسلامية يزاولون دراستهم في هذه المدارس – لبنان , فلسطين , العراق , تونس , الجزائر , إيران , كوسوفا , البوسنة ....... وما إلى ذلك - .
ويرى القيمّون على هذه المدارس أنّه من المستبعد أن يتمّ التنديد بهذه المدارس خصوصا وأنّ الطبقة السياسية السويديّة وفي فترات الإنتخابات تخطب ودّ الصوت العربي والإسلامي حتى أولئك الذين لديهم موقف واضح من المهاجرين العرب والمسلمين يكون تعاملهم مختلفا في فترات الإستحقاقات الإنتخابيّة ..
و اللوبي الصهيوني الذي يعمل بصمت وفعالية شديدة في السويد يراقب عن كثب الظاهرة العربية والإسلامية وهو بين الحين والآخر يدقّ نواقيس الخطر من خلال إمتداداته الإعلامية والسياسية , وأحيانا يخرج من دائرة الصمت إلى دائرة الفعل كما فعل مع السويدي المغربي أحمد رامي الذي كشف بالأدلة أنّ الهولكوست اليهودي مجرد وهم وأسسّ إذاعة في السويد حملت إسم راديو الإسلام خطها الإعلامي يقوم على فضح الصهيونية في الغرب وبعشرين لغة غربية منها السويدية والدانماركية والنرويجية وغيرها وقد لاحقه هذا اللوبي الصهيوني بسبب نشاطه المتواصل في فضح الحركة الصهيونية في الغرب وبلسان غربي مبين.
ويؤكّد الإستراتيجيون السويديون أنّ العرب إذا وحدوا رؤيتهم ونشاطهم السياسي وخلقوا إطارا خاصا بهم وتخلوا عن خلافاتهم الإيديولوجية التي جاؤوا معها إلى السويد فسوف يتحولون إلى قوة حقيقية سياسيّا وإقتصاديّا في السويد خصوصا في ظلّ تزايد عددهم و سيطرة أولادهم على معظم أسواق العمل عندما يتقاعد أربعون بالمائة من السويديين في العشريّة المقبلة !!