تعترف القوانين السويدية بالاسلام والمسلمين وتمنح الحرية المطلقة للمسلمين في أداء مناسكهم واقامة شعائرهم وبناء مساجدهم , ولا تخلو محافظة سويدية من مسجد أو مدرسة اسلامية , كما أنّ اتحاد مسلمي السويد وهو مؤسسة اسلامية كبيرة تتخذ من العاصمة السويدية ستوكهولم مقرا لها يتلقى مساعدات هائلة من الجهات السويدية الرسمية,و ينتمي الى هذا الاتحاد مختلف الجمعيات الاسلامية الموجودة في السويد وهي تفوق العشرة جمعيات. ويتلقى الاتحاد المذكور مساعدة بملايين الكرونات – مئات ألاف الدولارات - ويقوم هذا الاتحاد بتوزيع المخصصات على بقية الجمعيات , والجهات السويدية عندما تقوم بتوزيع هذه المبالغ الطائلة على هذه الجمعيات الاسلامية انمّا تفعل ذلك من أجل أن يضطلعّ المسلمون بتسيير مساجدهم ومدارسهم , وهي تتعامل مع القيمين على العمل الاسلامي بدافع الثقة ولا تدقق اطلاقا في المسائل الحسابية , بل توكل كل ذلك الى القيمّين على شؤون المسلمين أنفسهم .

ولأن الأمر كذلك فقد حولّ كثير من القادمين من العالم العربي والاسلامي الاسلام الى دكان يرتزقون منه , وقد عمدوا الى سلسلة كبيرة من الادعاءات للحصول على هذه المساعدات التي وللأسف الشديد لم تذهب الى تسيير شؤون المسلمين بل ذهبت الى الحسابات الشخصية حتى بتنا نسمع في السويد أنّ هذا الامام أكمل بناء عمارته في الأردن أو مصر أو الجزائر أو فلسطين حسب جنسية الذي قدم نفسه قيّما على شؤون المسلمين أمام الجهات الرسمية في السويد . وكثيرا ما تحولّت المساجد الى بؤر فتنة وخلافات حول القضايا المالية والقضايا الفكرية والاجتهادية أيضا , فالمسلمون في السويد والكثير منهم مازال يعيش بعقلية مصر أو بنغلاديش أو باكستان أولبنان أو فلسطين أو الأردن وقد نقلت كافة الخلافات السائدة في العالم العربي و الاسلامي الى السويد أول عاصمة رفاه وحرية في العالم , فالسلفي يحاول فرض سلفيته على المسجد في هذه المحافظة أو تلك من محافظات السويد , والاخواني يحاول فرض اخوانيته , و الجهادي يحاول فرض نظرته في تغيير الأمور , والمنتمي الى جماعة الدعوة و التبليغ يريد فرض منطقه على الناس ويحوّل المساجد في السويد الى أماكن للطبخ والنوم , و قد أصبحت المساجد بؤرة للخلاف وفي بعض الأحيان تدخلّت الشرطة السويدية لفك الخصام بين أبناء الدين الواحد وفي المسجد.

وليس هذا فحسب بل أصبح لكل طائفة اسلامية مسجدها وخطابها ففي العاصمة السويدية ستوكهولم هناك مسجد للشيعة , وأخر للسنة ويكاد يصبح الأمر سنّة متبعة في كل المحافظات السويدية , وقد انعكس هذا الأمر سلبا على الجالية المسلمة في السويد خصوصا بعد أن أصبحت هذه الخلافات في متناول الصحافة السويدية والقضاء السويدي أيضا , والعجيب أنّه في محكمة سويدية وعندما جمع القاضي السويدي بين طرفين مسلمين مختلفين حول مسجد من المساجد , قال هذا القاضي السويدي للمسلمين المتنازعين : شئتم أم لم تشاءوا فانّ المسجد هو بيتكم الذي تعودون اليه جميعا !

و الاشكال الكبير أنّ بعض المؤسسات الاسلامية كبر رصيدها المالى كما ممتلكاتها و كثرت مصادر تمويلها من الجهات الرسمية في السويد وغير السويد الأمر الذي أوجد قلقا في نفوس بعض المسلمين حول اختلاسات بالجملة , في ظل غياب تقديم كشوفات عن كيفية صرف المبالغ المالية . وهذه المسائل وغيرها أثرّت أكبر التأثير على صورة الاسلام في السويد وباتت الجالية العربية والاسلامية مستهجنة خصوصا وأنّ كثيرا من المسلمين للأسف الشديد يلجأون الى السرقة رغم أن السلطات السويدية تصرف على الجميع ولا تترك أيّ عائلة مسلمة أو فرد مسلم يحتاج الى المال , فهي توفر المسكن والراتب الشهري والمدرسة والطبابة وكل الحاجيات للمسلمين , ويلجأ بعض المسلمين الى الاتجار بالمخدرات والتزوير والتهريب وغيرها من الأعمال الشائنة ومع كل ذلك فانّ السلطات السويدية لم تحمّل الاسلام الذنب أو المسؤولية , ولم نسمع تصريحا واحدا لأي مسؤول سويدي في الحكم أو المعارضة مضاد للاسلام بل مضاد للمسلمين , والسلطات السويدية تفرّق بين التصرفات الشخصية و الاسلام كبعد حضاري , ومعروف أنّ السويد تعتبر الاسلام الدين الرسمي الثاني بعد المسيحية .

والاشكال الكبير أنّ خلافات المسلمين فيما بينهم جعلتهم يبذلون كل جهودهم في رفع سقف هذا الطرف أو ذاك , أو الانتصار لهذه الفئة أو تلك , وكل ذلك تمّ على حساب الحفاظ على أولادهم الذين ضاع الكثير منهم في زحمة مباهج الحضارة الغربية الخاليّة من القيّم الروحية ومن الالتزامات الدينية والانسانية . ولا يستبعد أنّه اذا تفاقمت الخلافات أن ينسحب كل ذلك على الاسلام الحضاري الذي أساء اليه بنوه أكبر اساءة , وبدل أن يقدم المسلمون للغربيين الذين أستضافوهم ومنحوهم ما يمنحونه لأبنائهم و أكثر النموذج والقدوة الحسنة فقد قدموا لهم أسوأ المسلكيات التي تحسب بالمحصلة على الاسلام الذي يتفرجّ على بنيه وهم ينحرونه في مواقع جغرافية هو في أمسّ الحاجة الى رفع شأنه فيها !

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية