مرت الذكرى الأولى لوفاة أب الحركة الإسلامية في الجزائر، الشيخ أحمد سحنون مرور الكرام ،لم يلتفت إليها أحد.على رغم علو كعب الشيخ رضي الله عنه،وتفانيه في خدمة الإسلام والمسلمين والجزائر.فلا أحد ذكره،ولو لماما.وقد كنا ننتظر من التلفزيون الرسمي،أن يبادر إلى إحياء ذكرى وفاته الأولى كمجاهد من المجاهدين الأفذاذ الذين قدموا مهجهم،قربانا من أجل أن تعرف الجزائر نور الحرية،كما كنا نتمنى من الجهات الرسمية كوزارة الشؤون الدينية التي كان إطارا فيها،وخطيبا في مساجدها، أن تقوم على تعريف الناس
[IMG]http://nashiri.net/aimages/ahmed_sahnoun.jpg[/IMG]
الكاتب عبد الباقي صلاي والشيخ أحمد سحنون شهور قليلة قبل وفاته
بهذا الشيخ الذي توفي وهو غريب في بيته،غريب بين أهله.لكن لم يحصل من كل هذا شيء على الرغم من أن المغنيين الذين يموتون وهم سكارى،يفرد لهم التلفزيون المبجل الحصص تلو الحصص للتعريف بعفنهم وبسقطم.ولا تمر ذكرى وفاتهم حتى تقام لهم التأبينات، وتكثر عليم التحليلات،ككبار المنظرين للحضارة والتقدم.يعد الشيخ أحمد سحنون ركنا ركينا من أركان الدعوة والإصلاح في الجزائر ،ورمزا من رموز الدعوة إلى الله.فهو شاعر تتدفق الكلمات من فمه،تدفق الماء الطهور،مفلق،متحكم ،وبإتقان في ناصية الكلمة،مستنير الفكر.عاش كالأسد في عرينه،لا يقبل المهادنة كما لا يرضى بالمداهنة ،صلب المواقف.عاش حياة بسيطة،فلم تشغله عن الدعوة إلى الله بهرج الحياة،أو بطش البغاة.كان شغله الشاغل رحمه الله العمل في صمت بعيدا عن الأضواء،همه الكبير أن يكون قدوة صالحة،في مجال يتحتم على أي داعية كي ينجح أن يخلص عمله لوجه الله،لا يريد جزاء ولا شكورا ،وفي هذا الباب يقول الشيخ رحمه الله"إن القدوة الحسنة هي التي تنشئ البيئة الصالحة وإن الله إذ يأمرنا بالدعوة إلى الكمال إنما يأمرنا بإيجاد القدوة الحسنة التي تنشئ البيئة الصالحة ،كما أنه إذ يأمرنا بمقاومة الشر إنما يأمرنا بقتل القدوة السيئة التي تنشئ البيئة السيئة،فكل رجل خير هو قدوة حسنة ،وكل رجل شرير هو قدوة سيئة".
من ركائز التفكير عند الشيخ أحمد سحنون…
لم يكن تفكير الشيخ أحمد سحنون رحمه الله منصبا فقط على التلقين الأجوف لتعاليم الإسلام،كما يحلو للبعض أن يقولوا بذلك اتهاما وبهتانا.بل كان تفكيره متماشيا مع العصر،مسايرا لقضاياه ،عارفا لأغواره،مدركا ببصيرة العالم المخلص لما يطرأ على الحياة من تغيير وتبدل وفي هذا الصدد يقول"إن الدين –يا وقوم-ليس مجموعة ضرورات ،ولا مجرد صلوات،ولا محض أخلاق،ولكنه قانون اجتماعي شامل،لا ينتفع به إلا من عمل به كله ،إنه قانون الله لعباده وليس من صنع مخلوق ضعيف تستبد به مشاعر،وتدفعه مصالح ،وتتحكم فيه ظروف،وإننا لو فهمناه حق الفهم وطبقناه على حياتنا خير تطبيق لما احتجنا إلى هذه الاستعارة المفضوحة من غيرنا" .ويعتبر الشيخ التجديد من المستلزمات التي يتوجب الحرص عليها،لكن جديد من جديد،وتجديد من تجديد"..أنه ليس كل جديد صالحا تجب الدعوة إليه،ولا كل قديم غير صالح تجب الثورة عليه والقرآن –قانون الله الذي لا ينسخ بقانون الإنسان يعطينا هذه القاعدة إذ يقول –منددا بالجامدين الذين كلما جاءهم من الله رسول-بجديد فاسد ينسخ قديمهم الفاسد-:" وإذا قيل لهم :اتبعوا ما أنزل الله،قالوا:بل نتبع ما ألقينا عليه آباءنا،أولو كان آباءهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون"فالتجديد عند الشيخ أحمد سحنون من الركائز التي يعتمد عليها تفكيره.لكن ينظر إلى الجديد،أو المعصرن بشيء من الحذر،محددا ما يجب منه ،وما لا يجب منه"ومن هنا لم يتناول الإسلام في ثورته الكبرى كل شيئ،إنما ثار على الفاسد الضار،أما الصالح النافع ،كرعي الذمام،وإكرام الضيف وحسن الجوار،فلم يثر عليه،بل أبقاه وأقر ودعا إليه ،ومن هنا –كذلك-ندد ببني إسرائيل عندما سئموا ما فيه نفعهم،فثاروا عليه،وطلبوا شيئا جديدا تافها ،بالنسبة لما سئموه وثاروا عليه فقال تعالى":"وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ،فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها،قال:أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟"وليتأمل جيدا،الرد الحاسم في قوله :" أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير"فهو التطبيق الكامل للقاعدة المتقدمة في الآية السابقة.هذا هو الجديد الذي جاء به الإسلام والذي ثار ليه عبيد – الشهوات من أعداء الإسلام وأبناء الإسلام الذين لم يعرفوا الإسلام""ليعلم أعدا الإسلام،والعاقون للإسلام من أبناء الإسلام ،أن الإسلام تجديد وثورة ،واندفاع إلى الأمام،وهو دين الله الخالد الذي جعله يساير تطور الزمن ولا يجمد أمام مقتضيات كل عصر ،لأنه الدين الذي ختم به رسالات السماء فلا بد أن يصلح لكل جيل ،ويتلاءم مع حاجات العصر،إنما يجب أن نميز بين جديد وجديد،وبين قديم وقديم،على مقتضى القاعدة الإسلامية السابقة فثم أشياء تبقى جديدة،ولو عمرت آمادا مديدة،كالعفة والإنصاف،والغيرة ،والحياء،فإذا طغى تيار المدنية الغربية فجرف كل شيئ،فإن أمثال هذه الصخور الضخمة تبقى ثابتة تتحدى كل تيار وتشير إلى ضعف الإنسان،وانهزامه أمام مغريات الحياة وتعلن عن أصالة وأهداف الإسلام"
الشيخ و جمعية العلماء المسلمين …
ما صنعته جمعية العلماء المسلمين في ميدان التربية ،والتصدي للهجمة الاستعمارية التغريبية على الجزائر في ثلاثينيات القرن الماضي،لا يستطيع أن ينكره متنكر ،أو مكابر.فالفضل الأول والأخير يعود إليها في أنها استطاعت بوسائل بسيطة أن تحافظ على النسيج الإجتماعي والديني الذي أراد المستعمر الفرنسي أن يفككه،كما استطاعت أن تكون الجيل القادر على تحمل ما تنوء بحمله الجبال الراسيات.وقد كان الشيخ أحمد سحنون من الرجال القلائل الذين حملوا عبء مسؤولية استمرار الخط النير الذي خطته جمعية العلماء المسلمين بإمامة الشيخ المصلح عبد الحميد بن باديس.فكان الكاتب والأديب والشاعر الذي ارتبط اسمه بالبصائر،وبالقلم الثر الذي يذود على حمى الإسلام،وينافح من أجل"إنشاء جيل قوي يحسن التعبير باللسان والقلم يكون الغرة الوضاءة في جبين الجزائر والكتيبة الأولى في معركة تحريرها".لقد ارتبط اسمه بجريدة البصائر،لما أراد أن يخدمها فخدمته من غير أن يدري."أذكر من هذه العبارة وأنا خجل:- إن ما كتبته في البصائر هو حلية البصائر كما لا أنسى كلمة قالها لي عندما رأى البصائر يسمو نجها ويتضاعف رواجها والإقبال عليها حتى يطبع منها 8000 نسخة فتنفد كلها وعندما رأى كتابها تعظم شهرتهم وتلتمع في سماء المجد الأدبي أسماؤهم ،وتصبح لأسرتها ثروة أدبية كبيرة،قال لي عند ذلك:" أرأيت كيف أننا أردنا أن نخدم البصائر فخدمتنا".هذا ما أثنى به الشيخ البشير الإبراهيمي،على الشيخ أحمد سحنون.وقد اتفق معه الشيخ الفضيل الورتلاني في أن الشيخ أحمد سحنون درة مكنونة،أكتشفت فجأة في البصائر ،أو كأن البصائر بصرته لما أراد أن يبصرها،يقول الفضيل الورتلاني"وفي غرة ذلك التأثر والإعجاب تناولت رزمة من البصائر كانت أمامي ،وأدت قراءة ما فيها من كلمات الأستاذ سحنون،قراءة وتأملا وموازنة،فازددت إيمانا بأنها صنف واحد في الإصابة وحسن التنزيل،وعمق التحليل لأمراضنا النفسية وعلاجها بأخلاق أسلافنا الطاهرين التي ملكوا أنفسهم أولا ،وملكوا بها الكون ثانيا….. وأنا حين أسجل حزني وتطيري التدهور الأخلاقي الذي أشاده – أسجل اغتباطي بما قرأته للأخ سحنون وأعتبره من الأغذية الصالحة والأدوية النافعة ،وأعده بداية يجب أن تتسع،وواجبا يطلب التعاون ،وطريقة مثلى في إحياء التأسي والاتباع بسوق الأمثلة وضرب الأمثال.فطر في هذه الأجواء الروحية يا سحنون،وعسى أن تكون هذه الكلمة شادة لعضدك حافزة لك على المزيد ،وما زلت أذكر قولهم :البركة في سحنون"
علاقته بالجبهة الإسلامية للإنقاذ..
لم يكن الشيخ منضويا تحت راية أي تنظيم سياسي،أو تحت أي تكتل حزبي كل ما هنالك أن الشيخ أحمد سحنون،كأحد كبار جمعية العلماء المسلمين وأحد كتابها،أراد أن يجع من حوله رجالا يقومون العوج لا يزيدون اعوجاجا.وقد كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي ارتبط اسمه ببعض قادتها كالدكتور عباسي مدني.. لم يكن ذلك حقيقة سوى أن الصحبة ،والأخوة وربما القاسم المشترك وهو التمكين لدين الله في الأرض.و لأن نظرته كانت متفتحة وأكبر من أن تحصر في بنود حزب قد لا يقوى على التحمل في الانتخابات.فأراد جمع من حوله كل المشتغلين في الحقل الإسلامي تحت رابطة الدعوة الإسلامية التي انفضت على بكرة أبيها لما أراد كل حزب أن يفرح بما لديه.ويجعل نفسه الزعيم الإسلامي الأوحد.وإذا كان الشيخ قد استبشر خيرا للجبهة الإسلامية ،على تبنيها النهج الإسلامي.إلا أنه انسحب من الساحة لما كثر الهرج والمرج وعرف أن الجميع كان يريد أن يستغل إسمه في معمعة السياسة.حتى وصل بأحد القادة السياسيين الإسلاميين بأن كان يمضي باسمه بعض المنشورات.وهذا هو السبب الوحيد الذي جعل الشيخ ينكفئ على نفسه في بيته،بعيدا عن الصب وضوضاء المغرضين باسم الإسلام .
ما قاله في الشيخ محمد الغزالي رحمه الله..
عندما أراد الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مغادرة الجزائر بسبب مرض،أقعده عن الاستمرار في مهمته الدعوية بالجزائر على إلحاح الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد،بأن يبقى ويعالج على حساب الجزائر.قرر أن يلتقي محبيه بالجزائر ويكون اللقاء في مسجد الأرقم الذي كان يخطب فيه الشيخ أحمد سحنون رحمه الله .وكان حفلا مشهودا،وقدمه الشيخ أحمد سحنون للجمهور بكلمات مؤثرة،بليغة،مليئة بالصدق،مليئة بالحب جعلت الشيخ محمد الغزالي يجهش بالبكاء.زبدة القول أن الشيخ أحمد سحنون قال:أن عمر جمع ذات مرة الصحابة الكرام وقال لهم تمنوا:فتمنى بعضهم أن يرزق المال الوفير،ليتفقه في سبيل الله،وتمنى البعض الآخر أن يجاهد في سبيل الله إلى أن يلقى الله وهو عنه راض،وبعد أن استمع سيدنا عمر إلى أماني الجميع عقب بالقول:أما أنا فأتمنى لو أن بهذه الدار رجالا يدعون إلى الله.ثم أردف الشيخ سحنون قائلا:وأنا أتمنى لو أن أمثال الشيخ محمد الغزالي بالمئات يجوبون العالم الإسلامي دعاة إلى الله،معرفين بهذا الدين .هكذا كان الشيخ أحمد سحنون محبا للدعاة الذي يخلصون العمل لله
وحده.قد يطول الحديث عن الشيخ أحمد سحنون لكن ما أردناه في هذه العجالة سوى تذكرة فقط.ورجاؤنا أننا وفينا ولو بالقليل.فرح الله الشيخ ومن عمل بإخلاص لهذه الأمة.