هذا المسطح الازرق الهادئ كان منذ القدم مبعث الجمال في نفوس المتأملين ومصدر الإلهام لقرائح الشعراء، ولطالما كانت اشعة الشمس الذهبية المتكسرة على صفحاته المترقرقة المنظر الخلاب المفضل في لوحات الرسامين وتصاوير المصورين، فعلى امواجه كتبت الخواطر، وفي رحابه نظمت القصائد، حتى غدا معلم الرومانسية الاول وقبلة الحالمين الوالهين الذين يجدون في الوقوف على شطآنه ورماله الذهبية سلوة همومهم وبلسم جروحهم! لكنه في ذاك الاحد الدامي لم يكن كذلك ألبتة! فقد كان اشبه بالغول المتوحش المتعطش للخراب والدمار، لا تأخذه في الانام رحمة ولا تدركه في الديار شفقة، فاجأ الغافلين النائمين على فرشهم واصطاد طلاب الراحة والاستجمام فحان على يديه حينهم، وحين انحسرت موجاته وعاد ادراجه تكشفت (رغوة) اليم عن هلاك (صريح)، فالضحايا قارب عددهم المئتي ألف، وغابت عن الخارطة قرى وأقاليم امست اثرا بعد عين، واما الخسائر المادية فبمئات الملايين! كانت ثورة البحر منبعثة من باطن الارض حيث ضربت هزة زلزالية هائلة عمق المحيط بلغت في شدتها 9 درجات وفق مقياس ريختر، وبذلك تشكلت ظاهرة امواج (تسونامي) وهي عبارة عن سلسلة من امواج البحر السريعة والقوية الناشئة عن الزلازل او ثورات البراكين او سقوط الشهب من الفضاء الخارجي في البحار والمحيطات, وقد يصل ارتفاع تلك الامواج الى 30 مترا فوق سطح البحر، كما يمكن لتلك الامواج ان تحمل صخورا من حوائط صد الامواج، وزن الواحدة منها عشرون طنا، وان تقذف بها لمسافة عشرين مترا كما تقول بعض المواقع الاخبارية, ويقدر العلماء المختصون سرعة هذه الامواج بـ 800 كيلو متر في الساعة، ويقولون انه لو ضرب زلزال مدينة لوس انجلوس الاميركية، فإن امواج تسونامي ستصل الى العاصمة اليابانية طوكيو في زمن اقل مما تستغرقه الرحلة بين المدينتين بطائرة نفاثة! وحسبك ان موقع الهزة كان بالقرب من جزيرة سومطرة الاندونيسية في شرق المحيط الهندي الا ان الامواج المدمرة قد قطعت 7 آلاف كيلومتر في ساعات معدودة لتضرب جزيرة هافون الصومالية في غرب المحيط ما ادى الى تشريد مجتمع الصيادين فيها، والذين يبلغ تعدادهم 2500 نفس، فسبحان الخلاق القدير.
لقد كان بحق حدثا هائلا يستدعي وقفة ملية متدبرة، اذ ان الدرس الرئيس الذي يدركه العقلاء يتمثل في عدم الركون الى ديمومة النظام الدقيق الذي يسير عليه الكون، وانه في يوم ما سيختل هذا النظام رأسا على عقب، وان مثل هذه الكوارث المدمرة ليست إلا شاهدا على ان دوام الحال من المحال! وقد قال تعالى (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) وحري بالغافلين ان يفيقوا من غفلتهم للحظة ليتعظوا بهذا الحادث الاليم، وما ضحاياه عنا ببعيد!
لقد اخبرنا الله تعالى في كتابه وخبره الحق ان هذا البحر المؤلف من قطرات الماء المالحة سيستحيل يوم القيامة الى لهب لاهب ونار تتقد لا تطفئ، وانى لها ان تطفئ اذا استحال الماء الذي يطفئها الى جمر احمر وشواظ ازرق!
(اذا الشمس كورت واذا النجوم انكدرت واذا الجبال سيرت واذا العشار عطلت واذا الوحوش حشرت واذا البحار سجرت) لقد رأى الناس بأم أعينهم مشهدا يذكرهم بأهوال القيامة وشدائدها، وان كان ما رأوه لا يعدو عشر معشار ما سيكون في ذلك اليوم المهول المنتظر، فحري بنا ان نصحو ونعتبر، وها نحن نكاد نرى القيامة رأي عين! (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).