الوقت الذي يندلع فيه الضجيج والعجيج في العالم العربي حول هذه الرواية أو تلك القصة أو ذينك المسرحية فانّ هذا الضجيج يظل حبيس الواقع العربي لا يكاد يعبر الى الخرائط الثقافية الغربية التي لا تعرف شيئا عن الثقافة العربية ولا نتاجات المثقفين العرب. والذي يمعن النظر في وسائل التعبير الثقافي الغربي لا يكاد يعثر على أيّ قضية من قضايا الثقافة العربية , والشيئ الوحيد الرائج في وسائل الاعلام الغربية هو الأوضاع المزرية في عالمنا العربي وتراكمات المشاكل في هذا الواقع العربي وفي ذاك , ولولا أن نجيب محفوظ وأحمد زويل حصلا على جائزة نوبل الأول في الأدب والثاني في العلوم لما سمعا الناس هنا في أستكهولم وفي غيرها من العواصم العربية عن مساهمات للعرب في الحضارة الانسانية .
و هناك أسباب عديدة أفضت الى هذه الحالة من الغياب الثقافي في الخارطة الثقافية الغربية , السبب الأول بأيدينا والثاني بأيدي غيرنا يمكن القول , فالذي بأيدينا مرده الى كون العرب والمسلمين هنا في السويد أو في بقية العواصم الغربية أعطوا انطباعا خاطئا عن اسلامهم وحضارتهم وثقافتهم الأمر الذي انعكس سلبا على الانتيليجانسيا العربية التي بات ينظر اليها الغربيون على أساس أنه لا فرق بينها وبين بقية المهاجرين من العرب والمسلمين , فالكل غير منظّم وغير منضبط وغير مؤهل حضاريا , والكل جاء للاستمتاع بالمساعدات الاجتماعية والخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين ويستفيد منها المهاجرون سواء المتجنسون أو المقيمون بشكل شرعي . وقد بدأت الجرائد هنا في أستكهولم وفي غيرها من العواصم الغربية تثير هذه المواضيع الأمر الذي يؤشر الى وجود زوابع في الفنجان الغربي .
و يأخذ الغربيون هنا – أي في الغرب -على المهاجرين امتعاضهم من الانسجام مع المنظومة الاجتماعية والسياسية والثقافية , وسوء الفهم هذا حال دون اقامة جسور تواصل بين الانتليجانسيا العربية ومثيلتها الغربية وهذا ما أبقى سوء التفاهم متواصلا , ومن أسباب عدم الولوج في الخارطة الثقافية الغربية هو الصراع الشرس والحاد بين النخب الثقافية العربية , حيث مازالت المنطلقات الايديولوجية والحزبية والطائفية والدينية هي التي تحدد مسلكية هذه النخب , وهذا الأمر حال دون رسم استراتيجية ثقافية عربية تدخل في حوار جدي مع الثقافة الغربية على الرغم من أن بعض المنابر الثقافية والمؤسسات الفكرية والاعلامية مستعدة لأن تصغي للأخر الأجنبي القادم من العالم الثالث , وهناك تياران استغلا هذه النقطة و زادا في تعميق الاشكالية وسوء الفهم , التيار الأول هو تيار التملق الثقافي حيث تمكنت نخبة من اللغة السويدية وبقية اللغات الغربية وراحت تداهن وتتملق و تلعن أصولها وفصولها ولغتها وعاداتها وتقاليدها وباتت غربية أكثر من الغربيين أنفسهم وهم هذه الفئة هو الحصول على مواقع وعملة صعبة وما اكثر المؤسسات الداعمة لمثل هذا التيار والحصول على الجوائز أيضا ,وعن هؤلاء يقول كاتب وباحث هولندي أن هؤلاء أساؤا الى حضارتهم و لن يحققوا شيئا من خلال تملقهم لنا , أما التيار الثاني فهو الذي خلط بين الفولكلور والثقافة , بين الدبكة والقصيدة , بين الرقص والنص , وأصحاب هذا التيار وجدوا منافذ الى الدوائر الثقافية على اعتبار أنهم ضرورة لزركشة المشهد الثقافي الغربي والادعّاء أن الدوائر الغربية تؤمن بالأخر , لكن الأخر الذي يقوم بدور البهلوان فقط .
وأما الأسباب التي بيد غيرنا فتكمن في أن المثقفين الغربيين والممسكين بزمام وسائل الاعلام وأدوات التعبير الثقافية فينظرون الى الثقافة الثالثية والعربية جزء منها من عل ومن الأبراج العاجية وقد يكون كتاب واحد لأحد الشاذين جنسيا أهم من الحضارة العربية والاسلامية برمتها , فالكاتب السويدي يوناس كاردل الشاذ جنسيا تعتبر كتبه أهم من كل ما يكتبه العرب , ويبقى القول أن العيب فينا أولا وثانيا وثالثا , اذ لحد الأن لم نصمم الصيغة التي بها نخاطب العقل الغربي !