في دول الاتحاد الأوروبي هناك 11 عطلة عامة ثابتة خلال السنة، مما أصاب البريطانيين بعقدة "التخلف" لأن عدد عطلهم العامة السنوية ثمان فقط، ومن ثم تم تكليف لجنة حكومية لتحديد التوقيت المناسب لعطلة تاسعة على أن تكون ما بين أغسطس وديسمبر لأن الناس يعملون زهاء 111 يوما متصلة (مساكين) ما بين آخر عطلة عامة في أغسطس وعطلة الكريسماس في أواخر ديسمبر.. يعني أكثر بلدان العالم رفاها وبحبحة وإنتاجية ترى أنه لا يجوز حمل إنسان على العمل لأكثر من شهرين متصلين، وبالمقابل فإن معظم الدول العربية لا تعرف سوى عطلة عيدي الفطر والأضحى، و.... ربما اليوم الوطني (الاستقلال) الذي يسمى في البلدان المحكومة بأنظمة انقلابية "عيد الثورة"... يعني الفضل في تمتع معظم المواطنين العرب بيوم عطلة في غير العيدين يعود إلى الاستعمار، فلولا أنه حكم بلداننا، ثم تركها، لما صار يوم الاستقلال عطلة عامة.. في جميع دول العالم المنتجة يحترمون حقوق العاملين ويفتعلون المناسبات ويجعلون من وقائع عامة ووطنية "حجة" لمنح الناس بضعة أيام من الراحة مدفوعة الأجر المسألة لا تتعلق فقط بأن الإجازات تجدد النشاط وتكسر رتابة الحياة العملية، بل بأن الناس بحاجة إلى وقت فراغ يكرسونه لتعزيز وتمتين الحياة العائلية،.. وفي زماننا هذا صار هناك عدد كبير من الناس لا يتسنى لهم قط تناول وجبة مع بقية أفراد العائلة إلا في عطلة نهاية الأسبوع، وحتى هذه العطلة قد لا تسمح للكثيرين بالاندماج في برنامج منزلي عائلي لأن هناك مجاملات "واجبة" تستنزفها: فتقديم العزاء لفلان الذي توفي أبوه يوم الثلاثاء وزيارة علان في المستشفى الذي دخله قبل خمسة أيام وفحص السيارة لدى الميكانيكي... إلخ، كلها يجب أن تتم (عندنا) ما بين الخميس والجمعة.. وأرباب العمل والحكومات عندنا يعتقدون أن الإجازات "دلع فاضي".. ومضيعة للوقت والإنتاج.. أي إنتاج وأي بطيخ الله يهديكم؟ دراسة نشرتها الصحف السعودية قبل بضعة أشهر قالت إن متوسط ساعات العمل اليومي الفعلية للموظف لا تتجاوز الساعتين.. وهذا الرقم غير دقيق لأنه يحسب بنفس الطريقة التي يحسب بها متوسط دخل الفرد، فإذا قالوا إن متوسط دخل الفرد في بلد عربي ما 3 آلاف دولار في السنة فإن هذا لا ينفي أن دخل الفرد الفعلي لأكثر من نصف سكان ذلك البلد لا يزيد على 300 دولار في السنة، بينما هناك بضعة آلاف في نفس البلد يبلغ دخلهم الشهري أكثر من 300000 دولار، وفي بيئات العمل هناك عشرة أشخاص بين كل مائة يعملون بجد نحو ست ساعات يوميا، بينما التسعون الآخرون موظفون ترانزيت يدخلون ويخرجون دون "إقامة" في مكان العمل.. وعند حساب المتوسط نجمع جهد المجتهدين مع "جهد" الخاملين ونوزعه عليهم بالتساوي! وأقول بكل ثقة إن خفض ساعات العمل من 8 إلى 6 ساعات يوميا قد يؤدي إلى زيادة الإنتاجية خاصة في القطاع الحكومي.. فتطويل ساعات العمل يغري بالتسيب، وتأجيل عمل السابعة صباحا إلى الثانية من بعد ظهر يوم الثلاثاء المقبل!
وقد يعتبر البعض شططا في قولي إن منح العاملين عطلا عامة عديدة خلال السنة حق أساسي من حقوق العمل التي هي من حقوق الإنسان.. وممارسة هذا الحق لا تهدد الأمن العام أو الوحدة الوطنية، ولن تؤخر استقلال فلسطين، فلماذا تحرموننا منها؟

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية