أتيت إلى دولة قطر لأول مرة عام 1979، بعد أن تركت شركة أرامكو في الظهران بالسعودية، وعملت محررا ومترجما في مجلة الدوحة التي كانت واحدة من أرقى المجلات الثقافية في تاريخ النشر والصحافة العربية، وكنت أعمل في ذات الوقت في جريدة الراية القطرية، وأول سؤال تبادر إلى ذهني عقب أول جولة قمت بها في شوارع العاصمة القطرية ،الدوحة، هو: من أين أتى هؤلاء الناس الذين يملأون الشوارع؟ فقد كان اللافت للانتباه خلو الشوارع وحتى الأسواق من النساء،.. إذن كيف يتكاثر الناس بدون نساء، ومكثت في قطر بعضا من الزمان ثم شددت راحلتي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة للعمل بمؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر، حيث كنت فألاً طيبا عليها، فبعد وصولي إلى أبو ظبي بيوم أو اثنين اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، وكلما ارتفع عدد ضحايا الطرفين، ارتفع توزيع الصحف الصادرة عن المؤسسة، وارتفعت رواتب الصحفيين، وفي عام 1988 قررت تطليق الصحافة نهائيا، بمعنى عدم العمل المنتظم في صحيفة، وكان السبب في ذلك هو أنني غير مبرمج على السهر، وخلال سنتي الأخيرة في جريدة الاتحاد كانت ساعتي البيولوجية قد اضطربت، وصرت غير قادر على النوم ليلا،.. ثم فقدت القدرة على النوم بالليل والنهار.. وكانت تلك بداية فقداني لقواي العقلية (كما تلمسون في هذه الزاوية)،.. وهكذا انتقلت إلى شركة الاتصالات القطرية رئيسا لقسم الترجمة والعلاقات العامة، وصرت مثل غالبية خلق الله أعود إلى البيت في الثانية بعد الظهر وأتناول الغداء مع عائلتي ثم تنشط جيناتي العربيقية (العربية - الإفريقية) فأنام قليلا، ثم أجلس أمام شاشة التلفزيون حتى نهاية الإرسال في الحادية عشرة ليلا.. ياه.. كانت أياما حلوة.. حتى التلفزيون كان ينام مبكرا، ولم تكن هناك فيديو كلبيات، وبالتالي لم يكن هناك ما يثير الحرج ويخدش الحياء.. وأحيانا كانت تلفزيونات منطقة الخليج تنقل سباقات الهجن لساعات رتيبة متواصلة فاضطر إلى النوم المبكر، لأن مشهد الإبل وهي تجري يخيفني ويزعجني أكثر من مشهدها وهي ساكنة ومشافرها تتدلى في بلاهة منفرة.. ومنذ عام 1988 لم أغادر الدوحة إلا لسنتين عملت خلالهما في تلفزيون بي بي سي في لندن (هذا "سي. في." أي سيرة ذاتية مستترة، فعلى من يرغب في عرض وظيفة علي أن "ينسى" الموضوع!).. أعرف الدوحة أكثر من معرفتي للخرطوم أو أي مدينة أو قرية سودانية أخرى.. وشهدت التحولات العمرانية والسكانية والاجتماعية التي طرأت عليها عبر تلك السنوات.
وقبل يومين قرأت إحصائية غريبة في صحيفة الوطن القطرية: عدد الرجال في قطر ضعف عدد النساء: يا للهول أم يا للسعادة؟ أرجح أن "يا للهول" هي العبارة الأنسب، فليس هناك ما يفرح في أن أعرف أن جنس الرجال الذي أنتمي إليه فيه "فائض" وأن النساء "عملة صعبة"،.. أن المرأة الواحدة "قصاد" رجلين.. هذه كارثة، وما كان جديرا بتلك الصحيفة أن تنشر مثل ذلك الكلام الخطير.. والمحزن أن من نشره "رجل".. فعندما تدرك النساء أنهن أقلية فإنهن سيتعالين علينا بمنطق السوق (كلما قل المعروض زاد الطلب) وبمنطق السياسة في عصر العولمة فإن الأقليات في كل مكان صارت تثير الزوابع وينتهي بها الأمر وهي تتمتع بحقوق أكبر من الأكثرية... يا حليل نيوكاسل ونوتنجهام بإنجلترا حيث هناك ثلاث نساء مقابل كل رجل.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية