نجحت فرنسا والتي حظرت الحجاب في مدارسها في تعويم معركتها ضدّ الحجاب في معظم العواصم الغربية التي بدأت مؤسساتها وجمعياتها في وضع كمائن متعددّة أمام الحجاب الإسلامي الذي أصبح ظاهرة ملفتة للعيان في تفاصيل الحياة الغربية ليس في المدارس فحسب , بل أصبح معمما في كل القطاعات من قبيل أسواق العمل والمستشفيات ودور العجزة حيث تمكنت المرأة المسلمة أن تعمل بجدارة في هذه المؤسسات . بالإضافة إلى إنتشاره في الشارع الغربي حيث أصبح الحجاب مألوفا وطبيعيا , غير أنّ التأثير الفرنسي الواضح على السياسات الداخلية الأوروبية كون أنّ فرنسا تعتبر دولة كبيرة ومؤثرّة في الاتحّاد الأوروبي وشروع الدول الأوروبية في وضع دستور موحّد قوامه العلمانية وبروز حركات اليمين المتطرف بقوّة في أوروبا وعودة اللوبي الصهيوني إلى التحرّك بقوة أيضًا وخصوصًا عقب نشر نتائج الاستطلاع الأوروبي الذي اعتبر الدولة العبرية دولة شريرة كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها ساهمت في الشروع في رسم استراتيجية الحدّ من انطلاقة الإسلام في الغرب من خلال الإضرار بمصاديقه ومنها الحجاب الإسلامي .
وللإشارة فقد أظهر تقرير أصدرته منظمة حقوقية دولية أن وسائل إعلام أوربية عمدت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة إلى رسم صورة نمطية سلبية عن المسلمين وهو ما ساهم في تزايد مظاهر العداء والتمييز ضدهم.
وأشار في هذا الصدد إلى قوانين صدرت في عدة دول أوربية أضرت المسلمين بها على وجه الخصوص ومنها قوانين متعلقة بمكافحة الإرهاب وحظر ارتداء الحجاب.
واستعرض تقرير اتحاد هيلسينكي الدولي لحقوق الإنسان الصادر يوم 7-3-2005 تحت عنوان التعصب والتمييز ضد مسلمي أوروبا مظاهر التعصب ضد المسلمين في كل من النمسا وبلجيكا والدانمارك وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا وأسبانيا والسويد وبريطانيا، مشيرًا إلى أن معدل الاعتداءات التي سجلت ضد المسلمين في تلك البلدان في تزايد وتتراوح ما بين المضايقات اللفظية والاعتداءات الجسدية وعمليات التخريب ضد ممتلكات المسلمين وحتى الاعتداء على مقابرهم ومساجدهم .
وأشار التقرير الصادر في 160 صفحة إلى أن هناك ميلًا من جانب بعض وسائل الإعلام إلى معالجة القضايا المتعقلة بالمسلمين بأسلوب نمطي وهو ما أدى إلى ظهور تقارير صحفية تعمق من المفاهيم الخاطئة لدى عامة الناس عن الأقليات المسلمة في الغرب .
وتابع قائلًا: إن ممثلي المسلمين بأوروبا أعربوا عن أسفهم إزاء ميل وسائل الإعلام إلى تسليط الضوء على بعض المسلمين الذين يحملون أفكارا متطرفة والذين لا يمثلون غالبية المسلمين.
وأدان التقرير تصوير وسائل الإعلام للإسلام على أنه متعصب ومنغلق على نفسه ودخيل على أوروبا وإعتبار المسلمين غرباء عن التركيبة الاجتماعية الغربية .
وضرب التقرير مثلاً بالإعلام البريطاني الذي صنع انطباعًا لدى الجمهور بأن نظام القضاء الجنائي في البلاد نجح في مقاضاة الإرهابيين المسلمين، مشيرًا إلى أنه تم اعتقال مئات المسلمين تحت ذريعة قانون مكافحة الإرهاب، وتم إطلاق سراحهم دون توجيه أي تهمه إليهم بينما تم توجيه تهم لثلاثة فقط ومقاضاتهم.
وأشار التقرير إلى مثال آخر بألمانيا، حيث أظهر استطلاع للرأي أجري عام 2004 أن 80% من المستطلع آراؤهم ربطوا بين كلمة الإسلام بكلمتي الإرهاب واضطهاد المرأة .
و التحامل الغربي على الإسلام متعدّد الأبعاد والتفاصيل ولعلّ ظاهرة الحجاب نالت حصة الأسد من هذا التحامل الغربي الذي بدأ في فرنسا ولن ينتهي إلا بحظره في الدستور الأوروبي الموحّد كما يخطط لذلك بعض الاستراتيجيين في الغرب .
وقد دعت ليزي بوركوب وزيرة الداخلية النمساوية إلى منع المدرسات المسلمات من ارتداء الحجاب، وهو الأمر الذي أثار غضب الهيئة الدينية الإسلامية التي تعد الممثل الرسمي لمسلمي النمسا، ودفعها إلى مطالبة حزب الشعب اليميني باتخاذ موقف رسمي من تصريحات الوزيرة التي تنتمي لهذا الحزب صاحب الأغلبية في الحكومة. كما انتقدته جهات حكومية ومعارضة.
وقالت الوزيرة في لقاء مع مجلة فالتر الحكومية الأسبوعية نشر الثلاثاء 8-3-2005: أبحث حاليًا في مدى قانونية حظر الحجاب في المدارس ؛ ولكنني على أية حال أؤيد الموضوع، معتبرة أن ارتداء الحجاب يعد تنافيًا مع ما أسمته "القيم" التي يقوم على أساسها المجتمع النمساوي.
وأضافت أن التسامح بلغ مداه؛ فالإسلام المتطرف هدد المرأة المسلمة في النمسا، على حد قولها. وادعت وزيرة الداخلية النمساوية أن المرأة المسلمة لا تحظى بأية حقوق داخل المجتمع الإسلامي، وقالت: إنه يجب مكافحة "الزواج القسري" للمرأة المسلمة، وظاهرة "القتل دفاعًا عن الشرف" وهو الأمر الذي وصفته بأنه من عادات المسلمين. وبلهجة تبشيرية قالت الوزيرة: يجب علينا أن نوضح للمرأة المسلمة التي تتعرض للضرب وهي قابعة في بيتها أن الحال لدينا أفضل.
وقبل النمسا طالبت الأحزاب اليمينية في هولندا بحظر الحجاب ودعت الحكومة الهولندية إلى حظر الحجاب في فرنسا أسوة بما فعلته فرنسا .
وفي الشمال الأوروبي السويد والدانمارك والنرويج وفنلندا فإنّ المؤسسات المدعومة حكوميًّا والتي تتولى الدفاع عن حقوق الطفل تجري اتصالات بالفتيات المحجبات وتسأل هؤلاء الفتيات بطريقة فيها الكثير من المكر :
هل أنتنّ مقنعات بالحجاب أم لا! وإذا أجابت الفتاة المسلمة بأنّها أكرهت على ارتداء الحجاب من قبل عائلتها فإنّ الشرطة تتصل فورًا بوالد الفتاة وتوجّه إليه إنذارًا أولًا وأخيرًا بأنّه لا يحق له الضغط على ابنته لارتداء الحجاب , وهكذا تخلع البنت حجابها وإذا ما أراد أبوها
المسلم إجبارها على ارتداء الحجاب فإنّها تتصل فورًا بالشرطة , التي قد تسجن الأب , وفي أحسن الحالات تأخذ المؤسسات الاجتماعية البنت إلى جهة مجهولة وتفقد أي اتصال مع عائلتها وتعيش حسب المسلكية الاجتماعية للنرويجيات أو السويديات أو الفنلنديات .
وتتلقى الفتيات المسلمات المحجبات تعليمات كاملة في المدارس من قبل المؤسسات الاجتماعية التي تملك سلطة هائلة في الغرب ولها أن تأخذ الأبناء من أيدي أبائهم إذا تبث أنّ الأولاد يتعرضون للضرب أو العنف ومن قبل مؤسسات حماية حقوق الطفل حيث تضطلع هذه المؤسسات في التأثير المعنوي على البنت المحجبة بالإيحاء لها أنّ حجابها يعارض حريتها التي يكفلها لها القانون أو أنّ الحجاب سيحول بينها وبين الدخول إلى أسواق العمل التي ترفض العاملة المحجبة من أساسها , وبهذا الشكل تجري الفتاة المسلمة مراجعة لنفسها ويحدث ما لم يكن في الحسبان .
وقد يحدث وأن تنفتح قريحة الفتاة المسلمة على أفكار شيطانية كتلك الفتاة المسلمة السويدية من أصل جزائري التي كانت تنظر بريبة إلى استعدادات أبيها لترك السويد والإقامة في أرض الوطن الجزائر وعندها توجهّت إلى الشرطة السويدية واتهمت أباها باغتصابها وجاءت الشرطة إلى بيت والدها على الفور وجرى اعتقاله , وعندما وجهت إليه تهمة اغتصاب ابنته واجه التهمة باستهزاء كامل على أساس أن ابنته بكر وعذراء , فطالب بإجراء فحص طبي عليه , ولما تبينّ أنّها ثيبّ أكدت الشرطة التهمة وسجن على الفور , حيث ما زال يقبع في السجن وقد صدر الحكم بحقه بسجنه ثلاث سنوات .
و في إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وهي دول تقع في الجنوب الأوروبي ومجاورة لفرنسا فإنّ العديد من المنظمات النسائية والحكومية بدأت تطلب بالحذو حذو فرنسا في منع الحجاب وتوحيد النمط الاجتماعي الغربي إلى درجة أنّ بعض المجلات باتت تنشر صور لمنواليزا – لوحة ليونارد دافينتشي الشهيرة – وهي ترتدي الحجاب في إشارة إلى التهديد المحدق بالهوية الأوروبية .
وبدأت بعض الدول الغربية تدرس مسألة تجريد المرأة المسلمة من حجابها حين تريد تقديم صورة لها للحصول على جواز سفر أوروبي ومعروف أنّ فرنسا وقبل إقرارها حظر الحجاب بالكامل بدأت بهذه المطالب الصغيرة إلى أن انتهى بها المطاف إلى حظر كامل للحجاب في المؤسسات التعليمية , وعين هذه المطالب الصغيرة بدأت تنتشر كالنار في الهشيم في جنوب أوروبا وشمالها الأمر الذي ينذر بمؤامرة تحاك ضدّ الحجاب تمهيدًا للتوافق على قانون أوروبي موحدّ بشأنه لدى وضع الصياغة النهائية للدستور الأوروبي.