ورة البانورامية لثورة المعلومات في العالم تنذر -و بقوة- ان "خير جليس " قد بات مهددا بفقدان مركزه امام امواج من المعلومات الدافقة التي يتدافع "الملاحون" Navigators بالمصطلحات التقنية – كي يمخروا عبابها. اما في العالم العربي- لسوء الحظ او لحسنه- قد يكون الامر مختلفاً. فسواء أ هبت رياح الثورة المعلوماتية ام لم تهب ، لاخوف على القراءة ببساطة لان الامر -على ما يبدو- كما قال وزير الخارجية الامريكي الاسبق "هنري كيسينجر" : "العرب لا يقرأون " . بعض الظرفاء يضيف " و اذا قرءوا لا يفهمون ، واذا فهموا لا يطبقون ، و اذا طبقوا لا ينجحون " !

لماذا لا تشكل القراءة هما اساسيا و خبزا يوميا للانسان العربي ؟ و لماذا لا تكون عبادة يومية امتثالا لاول أمر في القرآن الكريم في اول آية من كتاب الله عز و جل "اقرأ باسم ربك الذي خلق" التي تقدمت على غيرها من الاوامر التعبدية و الاستخلافية ؟

 اعتماد العرب على الشفاهة لفترة طويلة من تاريخهم اقصى اهمية الكتابة ، الكتاب ، و من ثم القراءة -مستثنين عصور الازدهار التي وجدت دعامة من الدين تحثها على التميز -. نظرة استطلاعية استقرائية لتاريخ المجتمعات العربية تشفي فضول النفس . فدور المؤسسات الاجتماعية "التجمعية " كالمقاهي و "الديوانيات " التي اضطلعت - و ربما لا تزال كذلك - بدور "المراكز الاعلامية لنقل المعلومة و العلم على حد سواء ، مما قلل من اهمية الوسائل المطبوعة بشكل او بآخر. كما ان وسائل التعليم هي الاخرى اعتمدت على الشفاهة بصورة او بأخرى في العديد من فترات التاريخ العربي. و رغم عمليات التحديث و ظهور التعلم النظامي ظلت هنالك فجوة بين مصادر التعليم الرسمية في المدارس التي تعتمد على المكتوب من العلم بالدرجة الاولى و بين مؤسسات التنشئة الاخرى التي اعتمدت في اغلبها على الشفاهة في توصيل العلم و المعلومة.

اما لدى الشريحة التي يفترض ان تكون الاكثر قراءة و هم الطلبة ، فقد تصور او صُـوِر الكتاب – شعوريا او لاشعوريا- في ذهن الطالب على انه "البعبع " الذي عليه ان يحفظه – فهم محتواه ام لم يفهم – ثم يرميه في سلة المهملات بعد انتهاء العام الدراسي ! شكرا لانظمة التعليم التي -و للاسف- لا يزال بعضها يتبع اسلوب "الحلقة المفرغة "التي تبدأ بالحفظ و تنتهي به متخذة من الكتاب رمزا لها فيكون الكتاب الضحية و كذلك الطالب الذي لن يكون قادرا على بناء علاقة سليمة مع الكتاب بعد ذلك. المسألة اذا – بغض النظر عن الاستثناءات – متأصلة في المجتمعات العربية على المستويات التاريخية ، المؤسساتية-التعليمية ، والطلابية-الفردية .

حتى لا اكون من لاعني الظلام دون ان اشعل شمعة ، ارى بان امواج التغيير الالكتروني هي الفرصة الانجح و الانجع لتصحيح هذه التراكمات . فليُشجع الصغار و الكبار على حد سواء على القراءة على شبكة الانترنت عوضا عن المصادر التقليدية للقراءة .. و لتوضع اللبنات الاولى ل"دار الحكمة " مرة اخرى ، و هذه المرة في فضاء "السايبر" عوضا عن مكتباتنا العجاف المقفرة التي لا تشبع الفضول و لا تسد جوع المعرفة ...و لينتقل "مختار الصحاح " و "الوسيط " و "المنجد" الى الانترنت ، و لتتم "اتمتة " امهات الكتب و "بناتها " . فلنتفتح "اودية السيليكون " لشبابنا المهاجر حتى لا نكون امة "تأكل مما لا تزرع و تلبس مما لا تصنع " و "تتترنت " بما لا تبدع . عندها فقط نكون قد علمنا ان الحرب القادمة هي حرب ادمغة ، و عندها فقط نكون قد اعددنا لهم ما استطعنا من "قوة" بدلا من ان نكتفي فقط باستيراد "رباط الخيل " !
كاتبة ورئيسة تحرير دار ناشري للنشر الإلكتروني
كاتبة كويتية. حاصلة على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية واللغة الإنكليزية من جامعة الكويت بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، وعلى درجة الماجستير في علوم المكتبات والمعلومات من جامعة الكويت. صدر لها 15 كتابا مطبوعا: أربع روايات، ومجموعتان قصصيتان، وكتاب في اللغة وآخر في شؤون المرأة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية