الكتابة عن المرأة السعودية صارت وسيلة مضمونة للانتشار ولتسويق التقارير. هذه المقالة قد لا تكون استثناء لثمة افتراض، لكنها محاولة للفت النظر كذلك إلى مشاهد تستحق الإشادة في مسيرة هذه المرأة. فخلال الأسابيع الفائتة أسهبت مطبوعات ومواقع إخبارية أجنبية في الحديث عن الإنجاز المتمثل بفوز الفتاتين (مروة) و(رشا) بمواقع متقدمة في سباق للسيارات أقيم بدُبي مؤخراً. الذين تناولوا الخبر اتخذوه وسيلة للتذكير بما زعموه من مظاهر التهميش والقمع اللذان تعانيهما المرأة السعودية ويحدان من إبداعاتها الكامنة، مُستشهدين ببطلتي الرالي الفخورتين القادمتين من دولة تمنع نسائها من قيادة السيارات.
(مروة) و(رشا) اللتان أدارتا المقود ببراعة في دُبي بعدما حُرمتا من ذلك حيث نشأتا في (بيشة) وفي (جدة) صنعتا مادة خبر (مميز) و (ظريف) بلاشك.. لكن إنجازهما الذي هللت له وسائل الإعلام يثير التساؤل حول ماهية الحريات التي تنشدها المرأة، والرجل، في السعودية، وحول مفهومنا للتقدم كمجتمع ينشد التغيير نحو الأفضل والإصلاح من الداخل.
لا يحق لأحد أن يزعم أن حال المرأة السعودية هو على ما يرام.. قيل ذلك حين كان تعليمها العام محظوراً. المرأة السعودية ما تزال تعاني كثيراً بلا شك. هي تعاني بسبب ازدواجيات اجتماعية وفقهية نتعمد تجاهلها وبسبب موروث فكري تخطاه الزمن. تعاني بسبب أقنعة زائفة لأخلاقيات اصطناعية نزعمها لأنفسنا دون باقي البشر. ثمة شواهد كثيرة لمعاناة المرأة في بلادي مع الأسف.. لكن المرأة كانت تعاني كذلك في بلاد أخرى وهي لا تبدو اليوم أكثر سعادة مع كل مظاهر الحرية التي تغمرها هناك. لست أجد في فوز فتاة سعودية بالرالي مبرراً للاحتفال.. ليس لأنها تخلت عن حجابها في سبيل تحقيق إنجاز رياضي وحسب، ولكن إذا كان تحقيق فتاتين لانتصارات رياضية سيدشن لحقبة تحرر المرأة السعودية، فإن هذا التحرر المنشود سيضيف لخيبتنا الحضارية التي تحتفي بلاعب الكرة وبالطبّال بأضعاف ما تفعل مع المفكر والروائي والعالم. الحق أن (مروة) وكل المتسابقات السعوديات لا تستحققن اللوم بقدر ما تستحقه القنوات التي تتعمد تسطيح سعي المرأة المشروع لاثبات ذاتها بهذا الشكل بدل البحث عن أمثلة أكثر إشراقاً وإقناعاً بضرورة تغيير نهجنا النسوي.
ففي الوقت الذي كانت فيه فتاتانا تنطلقان عبر مضمار دبي، فإن سعودية أخرى اسمها (نعمة إسماعيل نواب) كانت تجوب أنحاء أمريكا لتتلو أبياتاً من ديوانها (المكاشفة –Unfurling) كأول شاعر سعودي يكتب بالإنجليزية ويتم نشر أعماله في أميركا. هذه المرأة التي تنتقل بشِعرها بالمتلقي الأميركي عبر حواري مكة وبيوتها وقلوب ساكنيها تؤدي بذلك رسالة عظيمة فيما تقف بجلبابها وبالخمار المحيط برأسها لتخاطب (الآخر) الذي نمر معه بأزمة ثقة ونتصارع وإياه حضارياً. تتجاوز هي كل ذلك بأكثر الطرق رقياً وحضارة وتوصل رسالة مفادها أن المرأة السعودية موجودة ومتحركة في وقت يشتكي في من الإهمال الرجال الرسامون والقاصون والمصورون الضوئيون. لم تقع عيناي على خبر في صحيفة أو منتدى عربيين يهلل لـ (نعمة) كمثال للمرأة السعودية ويتساءل عن قدرتها على إقامة أمسيات في بلادها. عرفت بأمر (نعمة) فقط عبر النسخة العربية لمطبوعة أميركية شهيرة.
قبل أن تتجاوز (مروة) خط نهاية سباقها المشهود كانت إعلانات خجولة متفرقة تشير لمحاضرات هنا وهناك تلقيها الدكتورة (حياة سليمان سندي) عالمة الأحياء عالمية الصيت وخريجة (كامبريدج). وبالرغم من عملي في جهة أكاديمية فلم تلتقط عيناي إعلانات لا على الجدران ولا على الصحف ولم تسر الأخبار بين المختصين وأعضاء هيئة التدريس بمواعيد محاضرات هذه المرأة السعودية التي يكرمها الغرب يومياً بوصفها رمزاً فريداً للقدرة على إثبات الذات والهوية. لا أدري إن تمت دعوة طلابنا وطالباتنا للالتقاء بهذه السيدة كرمز للمرأة السعودية التي تجاوزت معاناتها بعد أن لم تجد لها مقعداً في كلياتنا الطبية.
وفيما كانت صورة (مروة) معتلية منصات التتويج تنقل فرحتها للقراء، لم تجد (ليلى الجهني) من يبارك غبطتها بروايتها (الفردوس اليباب) التي طُبعت كأول عمل سعودي في مشروع (كتاب في جريدة) الذي ترعاه (اليونيسكو) منذ سنوات. بل ساقت الصحف السعودية المشاركة في المشروع أعذاراً كثيرة لتبرر مقاطعتها هي بالذات للعدد الذي خُصص لـ (ليلى) قبل أن تسعى مطبوعة عربية أخرى لزيادة مبيعاتها عبر اتهام مفبرك لها باختلاس فكرة الرواية من فيلم أميركي.
ثمة أمثلة أخرى كثيرة جديرة بأن نفخر بها تؤكد أن المرأة السعودية قادمة وبقوة وبوسعها أن تحقق الكثير بدون أن تكون خنجراً في خاصرة ثوابتنا الشرعية والأخلاقية.. تلك الثوابت التي كان الحرص عليها مبرراً لكل التأخير الذي شهده إعطاء المرأة لحقوقها. ما يستحق الأسى الحقيقي في وضع المرأة السعودية هو كم التسطيح والضحالة التي يتم اختزال مطالبها ورموز نشاطها إليه. ولأن السيئة غالباً ما تعم فإن بوسعنا أن نتوقع مزيداً من التأخير والرفض – المفهومين - لحقوق مشروعة كثيرة طالما كانت هناك فئة تتعامل مع هذه القضية بسخف.. أو بخبث مبطن. المرأة السعودية بوسعها أن تقدم الكثير بلا حاجة لأن تحطم الثوابت أو تخل بالمسلمات.. هي لن تكرر نكتة اختها التي ألقت بحجابها أرضاً فيما هي تتظاهر هاتفة بسقوط الإنجليز!