استغرابك عزيزي القارئ أمر بديهي، لأن الانسان بطبيعته كائن حي يختلف عن الجمود والكتلة الجمادية التي سخرها الله سبحانه وتعالى لهذا الكون في صالح الانسان ، ولكن أليس من البديهي أيضا أن لكل انسان وظيفة في هذا الكون يحقق من خلالها سبب وجوده؟ هنا تشترك الجمادات مع الانسان في هذا الجانب والذي سيكون مدار حديثنا معكم باذن الله، وذلك عن طريق طرح النماذج الجمادية ومدى اشتراك وظيفتها مع الانسان وسندرج كذلك أبعاد الجمود الحسيّة وربطها بالنماذج الانسانية المختلفة.

الإسفنجة

من خصائص الاسفنج هو الامتصاص والتخزين عن طريق المسامات التي تتكون منها هذه الكتلة الجمادية ، التي يستخدمها الانسان في وظائف متعددة ، ومع هذا التخزين نجد أيضا خاصية التفريغ على سبيل المثال نجد الاسفنج يمتص كمية معينة من السوائل وعند تعرضه للضغط يخرج الكمية المخزونه لديه "بسلاسة" عند التخزين وعند التفريغ ، وحديثنا عن هذه الخصائص يجرنا للحديث عن "الانسان الاسفنجي" الذي يملك خاصية التخزين من معلومات وأفكار وتجارب من خلال المسامات الحسية لدى الانسان وهي الحواس الخمس واتصالها بعقله ووجدانه ، ومع هذه الخاصية نجد خاصية أخرى وهي التفريغ فهذا الانسان لديه مخزون ثقافي أوأدبي أو فني يستطيع أن يستدعي هذا المخزون وقت الحاجة فالاسفنجة ما عليك الا بالضغط عليها لتفريغ السوائل أما الانسان ما عليك الا بالضغط عليه عن طريق طرح الاسئلة أو اختباره أو حتى استدراجه بالحديث وعادة ما يكون هذا الانسان الاسفنجي على شكل مثقف أو باحث أو نابغة في مجال من المجالات لديه حب المعرفة ونهم.



الشمعة

نطلق عادة على الانسان المخلص في عمله والمضحي من أجل مصلحة الاخرين أنه شمعة تحترق من أجل الاخرين ، بالفعل فالشمعة تحترق وتذوب من حرارة ذلك البيضاوي في رأسها ذو اللون الخليط بين الاصفر والاحمر ، نشاهدها تذوب احتراقا وتذبل من أجل أن ننعم بنورها ونهنئ بدفء حرارتها ، ولأن الشمعة جماد طوّع لهذه الوظيفه ، فالانسان الشمعة يختلف عن ذلك الجماد لأنه باختياره وبارادته أصبحت تلك وظيفته ، ربما لأسباب منها حبه لمصلحة الاخر على حساب مصلحته ، وأنا شخصيا أعيب ذلك وأعتبره خطأ يقع فيه الكثير من الدعاة الاسلاميين ، ربما أكون مخطيء ، لكن الأصل في الانسان أن يكون مهتما بنفسه مهتما بالاخرين ومحبا لنفسه ومحبا للاخرين فلا يكون فقط نورا يضيء للاخرين ويحترق من أجله ، بل يمسك الشمعه باليد اليمنى ويمسك الناس باليسرى فيهدي نفسه والاخرين دون احتراقه من أجلهم ، وهذا رأيي "الشخصي" فقد يكون هناك من يرى أن الانسان الشمعة قمة في العطاء قمة في التضحية ولكن لو نظر الانسان في نفسه التي أحرقها لعلم أنها قادرة على التضحية دون احتراق أو ذبول.



السكين

قطعة حديدية ذات نصلٍ وحدٍ مسنون ، تفصل أ عن ب و ج عن د ، بنت السيف وأخت الخنجر تتعدد استخداماتها على حسب المستخدم ، فقد تكون أداة نافعة يستخدمها الانسان في مصالحه اليومية كالتقطيع وذبح المواشي وغيرها ، وقد تكون أداة ضارة اذا ما أستخدمت في القتل والتخريب ، في كلتا الحالتين هي أداة جارحه ، حديثنا عن الانسان السكين هو ذلك الانسان الجارح في تعامله مع الآخرين ، لسانه جارح ودموي قد يستخدمه في الخير فيرد مثلا على شبهات خصومه أو يتكلم بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم ، وقد يستخدمه في الشر فيستعمله في تجريح الاخرين والنيل من أعراضهم أويكون مسلطا على الدين و أهل التقوى والصلاح ، وهناك نوع آخرمن الانسان السكين بعيدا عن اللسان فقد يكون ذو عقلية فاصلة وعادلة ومنصفة يفصل بالحق أي معضلة تواجهه أو يفصل أي نزاع بطريقة السكين في فصل أي جزء من كتلة معينة وعادة ما يكون النوع الثاني من الانسان السكين ذو شخصية جادة تعرف كيف تزن الامور وتفصل ما بينها وأذكر شخصا جارحا بلسانه لكنه أبيض القلب طيب السريرة ابتلاه الله بلسان أبعده عن الناس ، فتذكرت السكين الملقاة في أدارج المطابخ تساعدنا في قضاء حاجاتنا ولكننا نبعدها عنا قدر المستطاع فمكانها ليس بيننا.



المطرقة

تتميز المطرقة أن لها استخدام رئيسي واستخدام آخر فرعي ، أما الاستخدام الرئيسي فهو طرق المسامير وتثبيتها وأحيانا تستخدم للتكسير ، أما الاستخدام الفرعي فهي تستخدم كأداة للاسكات وطلب الهدوء كما في مجالسنا التشريعية ومحاكمنا القضائية.
وفي الاستخدامين نجد أن المطرقة فاعل للتثبيت وفاعل للتسكيت ، وهذا هو الانسان المطرقة فهو قيادي بالطبع يستطيع أن يجمع الكثير من المسامير ويحدد لها أماكنها ويحاول تثبيتها ليقيم بها بناء معين ، يقوم بادارة مجموعة من الناس فيوظفهم حسب طاقاتهم وقدراتهم ، أحيانا يكون قاسي ولكن قسوته في محلها وليست قسوة لمجرد القسوة ، كذلك هو انسان متكلم اذا تحدث سكت الاخرون له نبرة يستطيع بها أن يجذب من حوله ويسكت بها خصومه ، اذا اعترض فاعتراضه في محله واذا تكلم أفحم ، والمطرقة قد تكون مصنوعة لتكون مطرقة أو مجرد كتلة صلبة نستخدمها استخدام المطرقة ، كذلك القيادة قد تكون فطرية ومكتسبة ، نتمنى للانسان المطرقة التحلي بالصبر حتى لا يكون حكمه على المسامير حكما مؤبدا.


الملعقة

لا أعلم بالتحديد سبب صنعها؛ هل هي لتسهيل عملية الغرف؟ أم هي ترف يجعل البعض يستغني عن يده في الأكل "وانا منهم" أم هي تقي اليد من حرارة الأكل.الله أعلم.
في النهاية هي أداة للأخذ وتكوينها وشكلها المقعر يساعدها على هذه العملية، ودائما ما يكون الأخذ عند الملعقة قبل العطاء، وهذه حال بعض الناس فمن الصعب جدا أن تجد العملية معكوسة لديهم ألا وهي " العطاء قبل الأخذ "فهم دائما مستقبلون غير مرسلين، ولديهم قاعدة في التعامل "ما أعطيك اياه متوقف على على ما تقدمه لي" فهو كالملعقة تماما يأخذ أولا ليعطي لاحقا، والسبب في ذلك يعود لأمور كثيرة منها تربيته على هذا التعامل سواء مع والديه أو أخوانه في المنزل أو أقرانه وأصدقاءه ، وهذا يسبب له قلقا دائما عندما يطلب منه الآخرون أمرا معينا، حيث أنه لم يعتد على بيئة كريمة تعطي قبل أن تأخذ أو محيطه مليء بالأفواه المفتوحة التي لن تنطق الا بعد أن تلقمها مما لديك، وهذا الانسان الملعقة بخله على نفسه مقنن وبخله عى الاخرين مقنن مع سبق الاصرار والترصد، لديه حالتان يمكن أن يعطي فيها الاخرين: الحالة الاولى عندما تعطيه سيعطيك والحالة الثانية عندما يعطيك فانه متيقن أن عطاءه مردود اليه لا محالة.


الذهب

أغلى المعادن وأنفسها وأندرها وأجملها، تقاس الثروات بالذهب وتستعمر الأقطار والدول من أجل الحصول عليه وتتباهى به بنات حواء، له بريق ولمعان حقيقي يدلك على جوهر نفيس وغالٍ ، من خصائص الذهب أنه لا يتغير ولايتبدل ويظل سنوات مديدة وهو يحتفظ بقيمته وجودته، وحين يقارن بغيره من المعادن يظل له خصوصيته وتاريخه بين الناس، وهذا هو الانسان الذهب الذي إن وجد فهو نفيس نفاسة الذهب لما يحمله من خصائص تميزه عن غيره ، وظاهره يدلك على جوهره فأخلاقه تدلك على طيب تربيته وكلامه يدلك على رقي ثقافته وتعامله يدلك على رفيع ذوقه ، وهو مع الوقت لا يتغير ولا يتبدل ويظل يحمل القيمة التي أوجدها في أذهان الناس والانسان الذهب عند الرجال والنساء على سواء لكنه عند النساء أخص ، ونقصد في ذلك أن النساء معادن منها الغالي النفيس ومنها الداني الرخيص ، ولكن المرأة بحجابها وسترها وعفافها تجعل لنفسها قيمة تميزها عن غيرها من النساء لأن الذهب لو سهل الحصول عليه وأصبح في متناول الجميع لما أصبح له قيمة أو مقدار فالبحث عن المرأة الذهب هو المشقة العذبة لأن الباحث عن الذهب لن يبحث عنه في الشوارع والطرقات أو يجده ملقى على الارصفة انما يغوص له في المناجم والكهوف وفي الحقيقة يستحق الذهب هذه المشقة لأن الذهب قيمة لحامله ومالكه. وأخيرا نود أن نذكر أن التقليد لم يسلم منه الذهب سواء كان معدنا أو كان انسانا فقد تجد أشباه الذهب وقد تجد كذلك القطع الذهبية "الفالسو."


المفتاح

نحمله في أيدينا ونخاطبه " لولاك ماذا سنكون " هل نستطيع قيادة السيارة التي قيمتها بالالاف دونك ؟؟ هل نستطيع دخول منازلنا دون أن نفتح بك أبوابها ؟؟ قد يجيب أحدهم مازحا " نعم " وله مبرراته السخيفة ، لكن لو حملناه بمحمل الجد ماذا عسانا أن نجيب غير "من دونه لا نستطيع" ، أحيانا نجد أن المفتاح يؤدي وظيفة يقوم بها بعض الناس فطريا أو قد يكون حاملا صفة كسر الحواجز فقد تجد بعضهم يكون اجتماعي بالطبع وباستطاعته أن يفتح أي باب يريد الولوج اليه ، كذلك نجد هذا الانسان يحمل " شيفرة " يستطيع بها أن يفتح أقفال القلوب أو يدخل بها عقولا مغلقة أو يلج بها أسوارا يعجز عنها الاخرين ، والسبب في ذلك أنه يحمل مالا يحمله غيره ، فالبشر عموما عادة ما يقيمون بينهم وبين الاخرين حواجز فكرية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية ، والقليل من يكون هو المفتاح الذي يفتح الأبواب ويمد جسور التواصل بين البشر باختلاف أفكارهم وتعدد ثقافاتهم وتنوع اهتماماتهم ، شخصيا أعرف الكثير من هذا النوع ولكن نوعيتهم على ضربين أولها مفتاح للشر مغلاق للخير وثانيها مفتاح للخير مغلاق للشر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن هذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح ..طوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر .. وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير" جعلنا الله واياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية