أدخل كلمة Islam في مربع البحث بموقع amazon.com. بعض العناوين التي ستتصدر القائمة هي لبرنارد لويس ورضا أصلان وإسراء نعماني.
سِر في شوارع أميركا الشمالية واسأل الناس عن أول شخصية مسلمة تخطر بالبال. بالتأكيد ستسمع عن ابن لادن وعن الزرقاوي. لكنك ستُواجَه أيضاً بإرشاد مانجي وآمنة ودود. في أوروبا سيحدثونك عن يوسف إسلام وربما عن أيان هيرسي. حين تهاوى برجا مركز التجارة في خريف 2001، استبشر كثير من السذج بيوم يدخل فيه الأميركيون لدين الله أفواجاً. لكن الحاصل أن أحداث سبتمبر تلك فاجأت المسلمين أنفسهم بأعمق أزمة هوية منذ زمن الاستعمار. و"غزوة مانهاتن" التي أمّل البعض في أن تثير التعاطف مع قضايانا أو حتى الفضول تجاه السماحة المخبوءة في عقيدتنا، وضعتنا في المقابل تحت وابل من الاتهامات والأسئلة المتشككة.. وهو ما يمكن تفهُمه بشكل أو بآخر. المشكلة أن كثيراً من المسلمين أنفسهم اكتشفوا أنهم لا يملكون إجابات على تلك الأسئلة.. فضلاً عن أن تكون قد طرأت أصلاً على أخيلتهم.
هذه الحيرة التي يُجابِه بها المسلمون كينونتهم تتباين بتباين مواقعهم على خارطتي الأرض والمصالح. هنا حيث المَخدع التاريخي للدين؛ لا تحمل الأسئلة الرنين ذاته الذي تقرع به العقول في مجتمعات أخرى. وعلامات الاستفهام الكبرى التي تؤرق مسلمين سوانا غالباً ما تبدو لنا تخرصات.. وربما هرطقات.. لا نملك ترف الالتفات لها في زحمة طقوس الممارسة اليومية. لكن هناك.. حيث تمثل اللغة حاجزاً عوضاً عن أن تكون وسيلة للفهم، وإذ يتجاوز الاستفهام حده الترَفي ليغدو ثقافة شعبية ووسيلة لتقرير المصير.. فإن الدين بتفريعاته يصبح كياناً قابلاً للمساءلة، ويصبح المتلفعون بعباءته عرضة للاستجواب.. كما كان الحال حين بدأت الدعوة بمكة ذات يوم.
ماذا لو اصطدمت العقلية المتعطشة للجواب بالرفض القاطع لمبدأ السؤال؟ ماذا لو أُلقيت ذات الإجابة الباردة على وهج كل استفسار؟ ألا يكون (التمرد) تصرفاً مُغرياً حينئذ؟
هذه الأيام يُكال الكثير من الازدراء للهندو-أميركية (إسراء نعماني) ومذكراتها (الوقوف وحيدة بمكة – Standing Alone in Mecca). (إسراء) كانت المايسترو وراء صلاة الجمعة بإمامة (آمنة ودود) قبل أشهر، والتي نالت بدورها نصيبها من اللعنات. (إسراء) من جهتها لم توفر استفزازاً لمسلمين كثر هالتهم مجاهرتها بابنها غيرالشرعي الذي رافقها في رحلة حج عادت منها أكثر قناعة بنظريتها في (تحديث) الإسلام.. لتكون جمعة (نيويورك) تلك إحدى ثمارها.
دعوة (إسراء نعماني) لإسلام أكثر (نسوية) تُصلي فيه المرأة إلى جوار الرجل، وكل الهراء الذي حملته مذكراتها، يهون مقابل ما جاء في مُؤلَفها الأول (Tantrika) عن رحلاتها الروحية لاستكشاف المتعة الجنسية. فِكر (نعماني) نفسه يتضاءل أمام حضور (إرشاد مانجي) الكندية – الهندية التي فرضت نفسها كـ (سُحاقية مسلمة) تدعو "لثورة أميركية" في الفكر الإسلامي! وموقف المرأتين ليس بشيء أمام فلسفة (آيان هيرسي علي)، نائبة البرلمان الهولندي صومالية الأصل، التي ارتدت عن الإسلام ريثما يتوائم أكثر مع رؤاها التجديدية.. والتي راح ضحيتها المخرج (ثيو فان غوخ).
كل أولئك النسوة ومعهن رجال كثر لا يغردون وحدهم في سرب (الإسلام الجديد الآتي من الغرب). وهُم، بغض النظر عن القيمة الحقيقية لطرحهم، يستغلون بشكل أو بآخر البلبلة التي تثيرها أجواء ما بعد خريف 2001 ليحققوا مزيداً من الشعبية كمؤسسين لصورة للإسلام أكثر تماشياً مع أنماط حياتهم ومع قيم محيطهم المتحرر. ولب النقاش هنا ليس بالضرورة متعلقاً بالأصابع (المتآمرة) التي تحرك هؤلاء من وراء الكواليس.. لكنه يجدر أن يكون حول الأجواء التي فرّختهم وجعلت لهم صوتاً.
المشهد الإسلامي يثبت وجود العديد من (الخبرات الشرعية) في مجتمعات أوروبا وأميركا. إلا أن ممثلي الجماعات المسلمة هناك ورثوا فيما يبدو ذات الجمود الذي يُكبل قرناءهم عبر البحار.. أو ربما هم يصطنعونه عمداً! وكما ذكر (منصور النقيدان) في مقاله (الإسلام القادم من الغرب)؛ فإن "أوروبا وأميركا بحاجة إلى إسلام يتوافق مع بيئتهما وثقافتهما ومزاجهما المشبع بالعنفوان والطموح وحقوق الإنسان" وهي قيم يبدو أن القيادات المسلمة المهاجرة إما لم تتقبلها، أو هي تجدها غير ذات قيمة لترسيخ مكانتها بالـمَهاجر الجديدة. مما يجعل "المسلمين من أهل البلدان الأصلية في أوروبا وأميركا، [مُختطفين] من قبل أولئك المُهاجرين" على حد تعبير النقيدان.
تقاعس الدعاة والمفكرين العرب عن إخوانهم في الغرب طالما تمثل في غياب الاجتهاد الفقهي المُراعي لظرف المسلم هناك، في مقابل سيل من الفتاوى المُعلبة التي صيغت على ضوء طيف مغاير من المصالح. ومثّله كذلك الغياب شبه كامل للإنتاج الفكري الصادر عن المعاقِل التقليدية للإسلام عن المكتبات الأجنبية.. مما يفسر تصدّر المستشرق اليهودي (برنارد لويس) لقائمة مؤرخي الإسلام بأميركا.. وتصدّر الراحل (إدوارد سعيد) للرد عليه!
أصوات التجديد النشاز لا يُنتظر منها إلا أن تعلو في ظل التصفيق الذي تتلقاه حتماً، وفي ظل السلبية التي تُواجَه بها من قبل كثير من علماء المسلمين العرب تحديداً؛ الذين يكتفون بتوجيه نظرات الاحتقار لهؤلاء فيما هم طالما مارسوا سلطات الوصاية والإقصاء ضد محاولات أكثر (تأصيلاً) للتغيير قصدت أن تتناول التحديات التي تفرضها حضارة الغرب على مسلميها. أولئك تم تهميشهم بحجة مخالفتهم للسائد!.. ما أحدث فراغاً عند الرأي العام الغربي يسارع أدعياء (التطوير) الجدد لتبوئه بنجاح.
هناك جهود كثيرة من داخل أميركا وأوروبا تمثل وجوهاً أكثر إشراقاً للإسلام. هناك (طارق رمضان) و (حمزة يوسف) الذي يثير ظهوره على الشاشات العربية – بالرغم من كل ما تقدم – حنق الكثيرين. هناك (يوسف إسلام) و (مايكل وولف) و (إنغريد ماتسون). هؤلاء ستبقيهم الأيام ليقدموا صورة أنظف للإسلام بالرغم من أكوام الشبهات التي تترصدهم وتلاحقهم عنوة.. وبالرغم من أنهم يشتركون مع كل من وردت أسماؤهم أعلاه في أنهم يطرحون الأسئلة.. الكثير منها.. حول هذا الدين؛ لتكون هذه هي القيمة الأعظم التي يقدمها لنا الإسلام الآتي من الغرب.