وسط الصحراء القاحلة المجدبة، يعلي الصبار هامته حيث يملك كتلة صلبة قادرة على التصدي للرياح العاتية كما يملك أشواكه المقززة التي تجعل من الاخرين ينفرون منه ولا يستظلون بظله ولا يستريحون على أغصانه ، مادة الكلوروفيل متشبعة فيه واذا ما كسرته أو خدشت أحد فروعه ستجد ذلك السائل يخرج بكثرة ، يقال أن سر جمال كليو بترا سببه استعمالها لعصارة الصبار كما ان الرسول صلى الله عليه وسلم داوى بهذه العصارة أحد الصحابة حيث كان يشتكي تورما في عينيه وجفنيه فشفي بفضل الله أولا ثم بفضل عصارة الصبار التي داواه به النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلاقة الربط بينه وبين الانسان تكمن في تلك النوعيات البشرية المتشبثة بالحياة ، رغم كل الظروف القاسية ثابتة وصلبة ، ليس نوعا من التحدي لكنه حب الحياة المتشبع في شرايينها ، قد يصل عند البعض إلى الاغراق في الحياة وتناسي الاخرة ، وهو من غير أن يدري ينفر منه الناس بسبب أشواكه المتمثلة عند الانسان في المظهر المتقشف أو المعاملة الخشنة ولكن هذا الانسان الصبار فيه سر يستطب به ويشفي به الناس رغم شدته مثله مثل كبار السن في البادية ، رغم خشونته وشدته إلا أنه يملك بفضل الله عليه ما لا يملك الآخرين ، أحيانا يكون دواءه حكمة يقولها وأحيانا يكون طبا تقليديا ولكن فيه شفاء لم يصل الطب الحديث اليه وأقرب مثال لذلك عرض في التلفزيون السعودي قبل فترة رجل طاعن في السن في أحد القرى السعودية وكان صحراوي التعامل ( من البادية ) لكنه يشفي بعد توفيق الله جميع الكسور وبطريقته الخاصة.
ان أقرب الأمثلة النباتية للانسان هو شجرة النخلة، لها قواسم كثيرة مشتركة مع الانسان أولا أنها ذات جذع واقف منتصب وثانيا فإن من النخلة ما هو ذكر و أنثى وثالثا أن النخيل لا يثمر الا اذا لقح ورابعا أنه اذا قطع رأسه مات مثل الانسان وخامسا أن النخيل مغطى بالليف كما أن الانسان يغطيه الشعر وأخيرا فإن النخلة اذا قطع أحد أجزاءها فانها لاتستطيع تعويضه ، كل ذلك يدفعنا للحديث عن وجه التشابه بين النخلة والانسان فنقول أن الانسان النخلة هو الانسان الكريم المثمر ، ثابت الجذع والجذر وإن غدر الزمان به ، له قدر ومنزلة عند الناس ويحبونه ، كما أن الانسان النخلة لا يألو جهدا في مساعدة الاخرين لأنه مثل النخلة مميزة من بين الأشجار لا يتساقط أوراقها ولا تؤذي المستظل بظلالها ، الانسان النخلة يعيش في بيئة كريمة الأصل عريقة الجذور دائما اذا ما ذكر بالخير ذكرت بيئته بالخير فنجد أن النخيل اذا ذكر في القرآن الكريم ذكرت الجنة معه أو مضافة إليه واخيرا يقول الشاعر المسمى بالسري الرفاء في النخلة:
فالنخل من باسق فيه وباسقة
يضاحك الطلع في قنوانه الرطبا
أضحت شماريخه في النحر مطلعة
إما ثريّا وإما معصما خضبا
وباذن الله سنختم هذه السلسلة في المقال القادم بان الله تعالى.