تقول النكتة أن مُعتمراً كان يتقدم عبر صحن الكعبة موبخاً لعياله ومثيراً للضجيج عندما لفت أحدهم نظره إلى ما يمثله هذا من انتهاك لقدسية البقعة. نظر صاحبنا حينها شزراً لناصحه ذي الخدين الناصعين ثم قال: “حليق.. وتفتي؟!”.
ثمة (حُجة) قد يفندها الطرح العلمي، لكنها تصلح على كلٍ لتُسقَط على مشاهد واقعية كثيرة.

هاكم مثلاً سؤال اليوم: مالذي يجمع بين قناة (الرسالة)، ومخرج الفيديو كليب (شريف صبري)، وبنك (كريديه سويس)؟
الجواب: الاسترزاق على (قفا) الإسلام! فالعديد من مصارف سويسرا وجزر (الكايمن)، التي غالباً ما تقترن سمعتها بالثروات السرية المهرّبة أو تلك المشكوك بتورطها في عمليات غسيل الأموال، باتت تقدم خيارات متنوعة للاستثمار الإسلامي أملاً في كسب رضا شريحة متنامية من (عملائها) المميزين.

و(شريف صبري)، وهو مخرج مصري قدّم لنا موهبة (روبي) التي انتقلت بـ (الفيديو كليب) العربي لآفاق أكثر شبقية، (شريف) هذا أخرج (كِليباً) آخر تتراقص فيه فتاة (موديرن).. لكن مُحجبة.. فيما يغني لها خطيبها على كورنيش النيل.

شبكة (روتانا)، من جهة أخرى، والتي رسخت مكانتها الإعلامية كراعية للفن العربي بمختلف أشكاله عبر قنوات (طرب) و (سينما) وعبر مجلة فنية أصدرتها مؤخراً، تستعد لتطلق قريباً آخر منتجاتها وهي قناة (روتانا الإسلامية).. التي ستبث تحت اسم (الرسالة).. والتي عُين مشرفاً عليها بكل فخر الداعية الشهير وخبير التطوير الدكتور (طارق السويدان).

تَعِد (روتانا إسلامية) بتقديم نوعية جديدة من البرامج تلبي حاجة المتلقي العربي المسلم لإعلام هادف مفيد في قالب عصري جذاب ومنافس كما صرح القائمون عليها. فيما يتوقع بعض الظرفاء أن يشمل ذلك دروساً في (الطيران مع مَحرم) من تقديم الكابتن طيار (هنادي هندي)!

الشعار الذي ترفعه القناة الواعدة يعيدنا قسراً إلى ما تناولناه سابقاً عن (ثارات الإعلام الهادف)؛ حين ذكرنا وقتها أن الحاملين لثمة همٍ قد وقعوا في مآزق الرتابة والانغلاقية واللامهنية. والآن هاهي روتانا الإسلامية – أو الرسالة – تجيء مع وعد بتغيير كامل تلك الصورة.. فأين المشكل؟
ما العيب في أن تسعى قناة ربحية ما لاستكشاف مجال استثماري مغرٍ يعاني بالفعل من تدنٍ في الجودة؟ ألا يمكن أن يخضع الفكر الإسلامي هو الآخر لآليات التسويق كمُنتج يستحق الترويج؟ بلى بالتأكيد. وحين تلتقي الخبرات الدعائية والإعلامية العريضة للقناة مع نظرة خبير التفكير الإبداعي الشهير، فإن النتائج ينتظر أن تكون باهرة، والجميع يفترض أن يكونوا سعداء.. لولا جزئية واحدة صغيرة ولكن جوهرية.. فالناس لا تقبل عادة بأن يفتيها الحليق!

صحيح أن الـ (ART) سبق وقدمت قناة (إقرأ). لكن ذاكرة المتلقي، القصيرة دائماً، قد ترتهن بالميراث (الطربي) الصرف للقناة الأم بغض النظر عن مدى جودة المحتوى القادم لـ (الرسالة). والقناة الإسلامية التي ستحدثنا غالباً عن حب الله والأخلاق وعن صناع الحضارة، ستبث على ذبذبة مقاربة لتلك التي تشطف عليها (نانسي) غسيلها فوق السطح.. أو تلتف (إليسا) بشراشفها. حتى أكثر المشاهدين حماسة للمادة الإسلامية العصرية سيستشعر خللاً ما حين يوضع له الداعية في ذات القفّة مع الراقص والفنانة الاستعراضية!

تبقى احتمالات نجاح (الرسالة) قائمة بقوة طالما هي تجيد فهم واقع (السوق)، وطالما تسير وفق جدوى اقتصادية محكمة. وهي كلها مفاهيم لا تتعارض مع النفحة الدينية التي تحملها القناة، بل تتسق تماماً مع الصيحة الدارجة التي تقرر السمة الإسلامية كسلعة تلقى رواجاً بين مختلف الشرائح. والقناة (الفنية) حين تفتتح فرعاً إسلامياً فإنها لا تأتي ببدعة.

هي فقط تقتطع بذكاء شريحة من كعكة صنعها الجمهور الذي أفرزته بدوره أجواء (الأسلمة) المبتسرة لملامح الحياة من حوله لتشغله هموم الزواج الإسلامي، والطب الإسلامي، والشاورما الإسلامية، بدون أن تعنيه تطبيقات أعمق لروح الإسلام غائبة عنه بالكلية.

البث الذي ستطلقه (روتانا) منتصف سبتمبر المقبل يتفق والنمط الذي يمارسه المكتتبون بأسماء سواهم في الأسهم (الشرعية)، وأولئك الحريصون على حضور (الختمة) بمكة قبل قضاء العيد على شواطيء جنوب فرنسا.

ثم إن أي احتجاج على التوظيف المبتذل للقيمة الإسلامية سيصطدم بالتذكير البريء بأن الموجة الإسلاموية ليست حكراً على أحد. وسيتساءل البعض: لماذا نأخذ الإعلام (الهادف) الذي تروج له (الرسالة) بجريرة المحتوى الذي تقدمه الشبكة الأُم.. طالما هناك فريق من الجمهور يستشعر خطراً على الأمة حتى من قِبل (البوكيمون بيكاتشو)؟ أليس (هز الوسط) والتدله في هوى الحسناوات أهون من قطع الرؤوس ونسف الأجساد الذي يتبناه إعلام آخر ظلامي يزعم أنه هو الناطق باسم الإسلام؟!

كلا الفريقين يبدأ بثه باسم الله.. ما يشهد بالفعل على أن “سوق الله رائجة هذه الأيام”.. العبارة التي أوردها الدكتور (تركي الحمد) يوماً على لسان أحد أبطال رواياته.. فقط لتجلب عليه وابلاً من اللوم والتقريع.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية