الجيل إكس - Generation X هو واحد من التسميات التي أُطلقت على أولئك الذين أبصروا النور بين ستينات وثمانينات القرن الماضي. ولا يجد البعض حرجاً في مد التسمية لتشمل مواليد التسعينات كذلك بصفته العقد الذي شهد بعض أهم مظاهر التغيير السالفة. التسمية والتصنيف ليسا اعتباطيين. فالرمز “X” في ذاته طالما عبّر عن ثقافات التحدي والتمرد التي وسمت تلك الفترة من تاريخ العالم الصناعي. واحدة من أكثر نتائج تعداد عام 1413 للهجرة إثارة للدهشة كانت تلك المتعلقة بنسبة المواطنين دون الخامسة عشرة؛ والذين قُدِّروا وقتها بأكثر من الخمسين بالمائة من السكان. ذلك الرقم فرض صورة فَتيَة جديدة للمجتمع السعودي المرتكز على موروث ضارب في القدم. وأعطى أيضاً الحق في استشراف مستقبل حافل بالتغيير للدولة الناشئة.
الآن وبعد 13 عاماً أخرى، فإن أولئك (الصغار) قد كبروا لتتوالى بصماتهم العميقة على مشهدٍ محلي لم يعد بوسعنا قراءته دون الاستعانة بالأبجدية التي صاغها فتية وفتيات ذلك الجيل. في حين تستمر الغالبية الصغيرة في احتلال نحو 40 بالمائة من الحيّز السكاني وفق أحدث التقديرات.
يروق للإختصاصيين أن يُقسّموا الشرائح الديموغرافية بحسب الظروف التي شكّلتها. وكما تزخر أدبياتنا بالحديث عن أجيال (النكبة) و(الطفرة)؛ فقد قادت التحولات السياسية في الغرب وما صحبها من حراك اجتماعي في النصف الأخير من القرن العشرين لتمييز فئات عُمرية واكبت أحداثاً مفصلية مثل تدشين حقبة العولمة، واكتساح الثقافة الإلكترونية. (الجيل إكس - Generation X) هو واحد من التسميات التي أُطلقت على أولئك الذين أبصروا النور بين ستينات وثمانينات القرن الماضي. ولا يجد البعض حرجاً في مد التسمية لتشمل مواليد التسعينات كذلك بصفته العقد الذي شهد بعض أهم مظاهر التغيير السالفة. التسمية والتصنيف ليسا اعتباطيين. فالرمز “X” في ذاته طالما عبّر عن ثقافات التحدي والتمرد التي وسمت تلك الفترة من تاريخ العالم الصناعي.
بالعودة للجزء الذي نشغله من العالم النامي، لا يبدو مفهوم الجيل (X) مطلقاً في غرابته. فالقيمة (التصادمية) باتت تبرز أكثر وأكثر كسمة أولى في منتج جيل يجاهد بشكل لافت ليترك علامة فارقة في وجه مجتمعه، وإن كان لا يحظى بمباركة الكل بالضرورة. الفئة العمرية المعنية شكّلت وعيها إرهاصات فترة حافلة بالتفاعلات.
إنه الجيل الذى خلّقته فترة حرب الخليج بتواصلها الفريد مع (الأجنبي) بكل مخاوفها ومحاذيرها، والذي فتحت له الإنترنت والفضائيات نوافذ على عوالم أخرى. هو جيل يتوزع أبناؤه بين تيارات صحوية متفاوتة في رؤاها وينتمي له أيضاً مَن تلقّفتهم مقاهي (سوليدير) وموتيلات (جونيه) بعدما ملّ ذووهم حِجّات لندن وأورلاندو.
إذا كانت المجتمعات الخليجية عموماً معروفة بخضوعها عادة لنمط وصاية (الكبير)، فإن المتتبع لحال الجيل المعني يلمس تمتع أفراده بنزعة تفرد فارقة. وإذا كانت الرغبة في التملص من ظل القديم مُشتركة بين كل الأجيال الناشئة، فإن ما يميز الفئة المقصودة أكثر من سواها هو نجاحها في إيصال صوتها عبر قنوات إبداعية متنوعة شكّلت حتى وقت قريب ميادين مقارعة بين (الكبار) وحسب.. بكل ما تحمله الكلمة من تأويلات.
هو ذا ما تثبته أمثلة توالت عبر السنوات القليلة الماضية لنجوميات يافعة تجاهد لتقحم نفسها في عوالم الشعر والرواية والفن الاستعراضي أيضاً. مع أمثلة تلعب الدور ذاته في فضاءات التأصيل والاجتهاد الشرعي على الضفة الأخرى من البحيرة.
لوهلة، يعطي الجيل الشاب انطباعاً عن فترة ذهبية يعيشها الإبداع السعودي. فالفورة الإعلامية، التي لا تعدو أن تكون هي الأخرى وجهاً لما (بعد الطفروية) السعودية، قد كرست نجومية هؤلاء وروجت لملامحهم ولأعمالهم. لكن تشجيع المواهب، وإشباع السغب الشعبي للأسماء اللامعة يحصلان أحياناً كثيرة على حساب قيم أخرى كالمضمون وجودة المحتوى. والتعامل الخبَري الذي تمارسه الصحافة مع القيمة الإبداعية يتضافر مع الشهرة السهلة التي توفرها منتديات (النِت)، ولم ينعم بنصفها أولئك الموصفون بـ (الروّاد) ولا تابعوهم، لتحرق على المبدعين الصغار فرص التعلم وبناء الذات بالتدريج. المجد السريع جرّ بدوره هوساً بركوب أمواج التقريظ –أو التحقير- استقطب كثيرين بمن فيهم مشايخ المثقفين. ثمة حال غالباً ما انتهى بتـجميد هؤلاء المبدعين كحالات طارئة على المشهدين الثقافي والاجتماعي، لتبدو نجوميتهم مؤقتة وكأن رغبتهم في الإنجاز تشبعها في الغالب توهجّاتهم الأولى، التي لا تلبث أن تصبح أخيرة أيضاً.
يواجه ما يطرحه أبناء وبنات الجيل المُقترح (إكس) على الصعيد الإقليمي، من جهة أخرى، اتهامات كثيرة على اعتبار أنه يمثل امتداداً لـ (ثقافة النفط) التي فرضت على الناشر والمتلقي نجوماً وأعمالاً فارهة الشكل لكن ليست عالية القيمة بالضرورة. ويستشهد هؤلاء بمحلية الصيت الذي تناله ثمة أعمال يدفع بها ولها أصحابها لتصير ملء السمع والبصر.
لكن تجربة جيل مراهقي التسعينات السعوديين التي لم تزل في بدايتها لا تخلو من المعاني المؤثرة، وأولها هو كم الصدام الذي يعيشه هؤلاء مع مجتمعاتهم طالما هم يتجاوزون القالب النمطي الملائكي المُسيِّج لها ليقدموا صوراً داخلية أكثر واقعية لأعين تعودت غض الطرف وتجاهل المسكوت عنه.
هؤلاء المبدعون الشباب وإن كانت تجمعهم (شللية) ما يفرضها الوسط (النِتّي) الذي يعد أحد ظواهر زمانهم، ما فتئوا كذلك يقدمون الأمثلة للتمرد على النموذج التكتلي الجمعي الذي نُصِّب سائداً. هذه الفردية بقدر ما تبشر به من تنوع في الطروح والرؤى بجِدّتها ومعاكستها للسائد، فإنها تنذر كذلك بنوع من الفوضى وبانحسار في الحِرَفيّة الإبداعية يمثله تيار من النصوص والأعمال الرديئة التي تجلب النعاس أو تثير الغيظ في العروق.. وإن كان المؤمل أن يفتح هذا أبواباً لتدريب عقول جيل من النقاد الجدد الذين يريدون تكوين أسماء على هياكل صغار الأدباء، وهو ما يطرح قيمة بالغة الأهمية تبرزها هذه الحركة ككل بتحريضها على أشكال من الحوار لم تكن ذات يوم.
أعمال الجيل (X) ركيكة؟.. ربما. سطحية؟.. هذا واضح في كثير من نتاج رموز حركتهم الإبداعية حتى مع قناطير المديح التي تكال لأصحابه. غير أن هؤلاء حتى في تخبطهم لا ينفكون يستترون بعباءات الكبار ويطلبون بركتهم ويتشفعون بأقلامهم في مقدمات أعمالهم. هم في كل ما يلتبس إنتاجهم من خطَل يؤسسون لصوتهم الجديد القادم الذي يعكس مقدار ما يعانيه الصغار إذ يكبرون مفتقدين للقدوة والمثال المحليين.
الميزة هنا أنهم بفرادة طرحهم يكسرون قيد ثقافة الوصاية الأبوية، لكنهم يؤسسون في الآن ذاته لتيارات عدة واعدة ربما لا يجمعها شيء أكثر من كونها مرآة صادقة لملامح مجتمع فتيّ بكل جماليته وعيوبه.