Imageبالرغم من حركات الاحتجاج الداخلية في القدس والخارجية التي انطلقت ضد عمليات الحفر والتجريف في محور المسجد، وبالرغم من صلافة الموقف الاسرائيلي باستمرار الحفر وتأجيل بناء الجسر ثمان أشهر، فان حساسية المشهد لم تؤثر على بعض القوى الفلسطينية المتنفذة ، من محاولة اظهار بعض الحياء على أقل تقدير وذلك بابراز شكل من أشكال التفاهم أو المساهمة في إيقاف مهزلة الفتحماسية ولعبة الكراسي ، واعلان حكومة وحدة وطنية عوضا عن تأجيلها او التهديد بتأجيلها كما جاء على لسان رئيس السلطة السيد ابو مازن ، و ذلك بسبب  ما نشب من خلاف جديد مع مسؤولي حماس.

في المقابل رد الطرف الآخر الصاع  صاعين حيث أبلغت حماس الرئيس الفلسطيني أن اسماعيل هنية لن يقدم استقالة الحكومة، ولن يقبل بالتالي كتاب التكليف الجديد كما نص عليه اتفاق مكة  قبل استيفاء ثلاثة شروط : أن يصدر محمود عباس مرسوما رئاسيا، يعتمد فيه قرارات الحكومة الراهنة قبل استقالتها، وأن يـُتفق على اسم وزير الداخلية وتسميته مسبقا، وأن يتم اعتبار زياد ابو عمرو المرشح لوزارة الخارجية جزءا من حصة حركة فتح في الحكومة الجديدة ، وليس من المستقلين أو من بين المقاعد المخصصة لحماس ..!! فعاد الرئيس السيد محمود عباس وبلهجة صارمة قائلا : إنه يرفض أي شروط جديدة ما بعد اتفاق مكة ..!

ا نحن إذن نعاود السبع لفات مع القادة المحترمين  وقد قشروا لنا الليل في جدل الاستنكار : أهي العودة الفلسطينية الى حيث الاشتراطات ومعركة الكراسي وليّ الأذرع والصدام من جديد بالمسائل العالقة ، متناسين دماء أكثر من تسعين  قتيلا راح ضحية الاشتباكات المسلحة فيما بينهما منذ  أواخر ديسمبر/كانون الأول حتى اوائل فبراير/شباط لم تجف بعد ..!؟

لماذا  باتت كل الأسئلة تناور في إطار جدل العبارات المفخخة "الالتزام" و"الاحترام" مقابل ذلك نرى أن الأرض تضيع والقدس تهوي وقواعد الهيكل الثالث بالمعنى الإحلالي تبزغ من الأسفل من الركام البشري  ...!؟
ان ما يحدث اليوم من اقتتال وعدم  قدرة على التفاهم فلسطينيا  يؤكد ولسوء الحظ الافتراءات التي تطلقها المراكز البحثية الغربية المدعومة بالمال اليهودي على أن الفلسطينيين لا نسب تاريخي لهم ، وأنهم ليسوا سوى مجموعات من الشراذم  وانهم لا يستحقون القدس ولا الأرض. وبالتالي عند الحديث عن مواجهة الاستباحة الاسرائيلية لمدينة القدس تحديدا ، نجد اشكاليات هائلة شارك الجميع  في ايجادها وتشكيلها ، فقد كنّا على الدوام- كمجتمعات وأفراد - نردد على أنها مسؤولية فلسطينية وعربية واسلامية . وبالتالي فإن أصابع الاتهام تروح لتقصير الدول والنخب العربية والاسلامية تجاه القدس . فثمة اشكالية في موضوع فهم الدعم ودلالاته وطرق تنفيذه ، فهنالك من اكتفي بالدعم المالي لمؤسسات رسمية فلسطينية بعينها ، أو لفترة محددة أو توقف بسبب الخوف من مواجهة التهم الامريكية بدعم الارهاب. الى حد ان المؤسسات الثقافية المقدسية بالغالب الأعم باتت لقمة سائغة ومنذ زمن للدعم الاوروبي.

كما أننا وقعنا جميعا في شرك غريب يبرز عيوبا ونقائص في تركيبتنا السوسيولوجية وادراكاتنا لمسؤولياتنا المدنية قبل أن تكون حكومية – مع عدم نفي للدور الهزيل المخجل للحكومات العربية - وتعميم المسؤوليات ذاتها ما بين النخب والمثقفين والتي تؤدي الى فقداننا لأبرز وثيقة تأريخية  تحتوي على اجلّ معاني الامتزاج الحضاري القادر على التاثير في المدى البعيد على ثقافات الارض ، وذلك  بتعميم المسؤوليات عوضا عن ترسيخها  وتحويلها لعرف يتم الاشتغال عليه افقيا وعاموديا ، مما أدّى ويؤدي  إلى رميها عن أكتافنا على اعتبار أن ثمة أكتاف أخرى ستتولى المهمة ، فلا نجد أحدا يدعم المقدسيين سوى هؤلاء الشجعان القادمين من اراضي 48 ليقفوا الى جانبهم اقتصاديا وانسانيا وحتى سياسيا  ..ووسط هذا تضاؤلنا تجاه المقدسيين نفاجئ بالمعلومات التي تتسرب حول جاهزية مدينة سياحية بالكامل اسفل حرم الأقصى تم بناؤها  على اسلوب الخطوات منذ حرب عام 1967  .. ونحن بعد نرمي الحمل من على أكتافنا معتقدين أن ثمة أكتاف أخرى تتحمل مسؤولياتها ، بل يصل الأمر بنا الى حد التجاهل المعرفي بالمدينة باشجار سروها وصنوبرياتها الى حد الجهل بين قبة الصخرة والمسجد الأقصى ..!

فكيف  يمكننا الحديث والدفاع عن الخصوصية المدهشة في التاريخ الفلسطيني، التي تجلت في تعددية موزائكية جميلة من الأديان والحضارات والإثنيات، التي اندرجت تحت إطار فلسطيني إسلامي ومسيحي ويهودي ذي بُعد إنثروبولوجي عربي  احترم التعددية في أجل المواقف التاريخية ..!؟
كيف يمكن الدخول بشبابنا الى تلك المناطق بغياب الأكتاف الحقيقية الحاملة  المسؤولية المعرفية الفكرية بأمانة .!؟؟
الاستباحات إن بدأت في القدس بشجرات السرو والصنوبر ومن ثم راحت تدريجيا  للحجارة المقدسية ذات الوجه الحضاري المتعدد الثقافات لجوهر الحياة  الفلسطينية على امتداد تاريخها الطويل بتغييب الحقائق واليوميات والشؤون الانسانية التي لا نكترث لها للأسف الشديد وسط الهيجان والانفعال المؤقت  .
فالقدس ليس فقط المسجد الأقصى – على أهميته - الذي تضرر من عمليات الحفر، انما هنالك أيضا شواهد و أوادم  حضارية وصور ثقافية انسانية جزء من التراث الإنساني قد تضررت وأصابها الهدم مثل:  المدرسة العثمانية ، والمدرسة المزهرية والمدرسة الجوهرية في باب الحديد ورباط الكرد ، والزاوية الرفاتية ، والمدرسة التنكزية في باب السلسلة ، هذا إضافة إلى مئات الشواهد التي تعرضت للإهمال والضياع والتدمير ودون السماح بتوثيقها ، إضافة الى مئات المنازل التي سقطت أرضياتها وتصدعت جدرانها وتعاني  منعا لترميمها .
لقد بلغ عدد المنازل التي دمرها الاحتلال في القدس منذ عام  1967م لبناء المستوطنات والطرق المؤدية إليها حسب الاحصائيات الفلسطينينة :  " 12 ألف منزل " تاركا ساكنيها من الأسر الفلسطينية بلا مأوى مدمرا  ، هذا عن القدس وليس عن بقية المنازل المهدمة وتشتيت آلاف مؤلفة أخرى ..
وعند تتبع ما يحدث من تظاهرات اسرائيلية داعية لكل معاني الاحلالية البشعة دونما استخدام فاعل وقادر منا على فضح أبعاد ما يحدث من عنصرية ، هو قصورنا نحن بالدرجة الاولى . فمثلا كلنا يعرف ما يحدث دوريا وفي بداية كل شهر عبري حيث تنظم مسيرة "الأبواب" بالقرب من ساحة البراق بموافقة ودعم رسمي من جهاز المخابرات الاسرائيلي ، يشارك فيها المئات وأحيانا الآلاف ، رافعين خلال مسيرتهم شعارات : فليبنى الهيكل وليهدم المسجد .وتوزع الكتب والأدبيات حول ثقافة الهيكل الثالث والأدب الصهيوني الممجدة بناء مملكة الرب على الأرض بتلاقي الايدولوجي السياسي العلماني  والديني بامتزاج عجيب وإقصاء تام للعرب والفلسطينيين.

كل هذا يناقض المواثيق الدولية والاعراف الانسانية التي يتقبلها العالم وتحترمها الشعوب ، ولكننا نفتقد آليات الملاحقات القانونية وتفعيلها ونشرها ومتابعتها عبر وسائل الميديا الحديثة المتاحة اليوم ، بل نفتقد صبر الصدور في الاعتقاد بأهميتها وقيمتها على المدى البعيد ، وشعب لايحترم آليات العمل المدني التي بين يديه متاحة فلن تحترمه شعوب الارض.

وهنا يبرز وفي منطق ادارة هذا الصراع الحضاري الطويل المدى يبرز سؤال جوهري : هل العرب والفلسطينيون ينشطون باتجاه إيجاد آلية قانونية ومدنية للاصرار على  العالم في واقع القدس الذي ينهار يوميا ويتضاءل حجم العربي فيه  بالايدي الاسرائيلية..؟؟ لماذا نفتقد الصبر ولماذا نتكيء دوما على اخطاء الانظمة وماذا فعلنا نحن؟

في شان القدس  وضمن نطاق الأمم المتحدة وتحت إشرافها، ووفق الاتفاقيات الدولية المعمول بها في هذا الخصوص، تُلزم حكومة الاحتلال  قبول القوانين الدولية ووضع القدس الشريف الديني والاممي والقانوني وعلى وجه التحديد المسجد الأقصى ومعالمه الدينية والتاريخية، كاتفاقية لاهاي التي توصلت إلى إبرامها اليونسكو في عام 1954م ، بشأن حماية الممتلكات الثقافية، واتفاقية جنيف المبرمة في عام 1945م ، وفي الملحقين المنضمين إليها عام 1977م والتي تضع أسس حماية المقدسات الدينية وقت السلم والحرب على السواء، كذلك اتفاقية فيينا بشأن خلافة الدول في ممتلكاتها ومحفوظاتها وديونها المبرمة عام 1983م، والتي تضفي الحماية القانونية للمقدسات الدينية، والقرار الدولي رقم 533 لعام 1986 والذي يقضي بإدانة محاولة تهويد بيت المقدس وإزاحة الطابع العربي والإسلامي منه، والقرار رقم 476 الصادر في 5 يونيو 1980، والذي شجب تمادي إسرائيل في تغيير الطابع العمراني لها، وتكوينها الديموغرافي وهيكلها المؤسسي، وغيرها الكثير من القوانين الرسمية المعترف بها دوليا. كل هذا وغيره مما نجده في الوثائق المتفرقة حول القدس يدفعنا الى الشعور بالألم ، إذ أننا في غالبيتنا غير مقتنع  بجدوى واهمية القوانين فلا نتعاطها ولا نستخدمها حتى في أهم  مفاصل الحياة السياسية كالمفاوضات مثلا ، لذلك نخفق في التسويات ولذلك تتملص اسرائيل منا وتبيعنا مياه المجاري لتشربها شعوبنا.

ربما  نستطيع ان نستوعب في ظل ظروف سياسية متشابكة وملتبسة ومثيرة للتشاؤم  في ملفات فلسطين وهناك في  العراق او لبنان او دارفور او الجزائر وغيرها أو ملف القدس الذي للأسف بات يتراجع من أجندة النخب والسياسيين ، من الممكن وسط كل وجع القلب ووجع الدماغ أن نفهم دوافع وأسباب رعاية  الأمين العام للجامعة العربية السيد  عمرو موسى  مؤتمرا  للصحة والسعادة الجنسية على سبيل المثال..ولكنني لا أجد تفسيرا واحدا مقنعا للفتوى التي تبيح عمليات ترقيع غشاء البكارة ، بمعنى اباحة التضليل والكذب بين الشباب العربي الذي على عاتقه تقع مسؤوليات الخلاص  .. ترى هذه المواقف والانشطة والتصريحات أهي الرد العملي مثلا على نظريات زمن النهايات بالإبقاء على الصحة والسعادة الجنسية حتى وان كانت وهما قائما على أغشية وهم  البكارة وترسيخ ثقافة الترقيع والكذب..!

ما بين شجار الكراسي هناك في رام الله وغزة وما بين الصحة الجنسية وما بين فضيحة إباحة مفتي مصر ترقيع غشاء البكارة  ، شيء واحد  خرج عن مألوف الأخبار المحزنة والمخزية  اليوم  ، خبر فيه دعوة الى تفعيل فعل مقاوم لاعنفي بطريقة تتناسب والشباب خارج منظومة الكذب والرياء والخداع تتمثل في دعوة المدونين المغاربة  لحملة دعائية إعلامية واسعة بين أوساط الكتاب لجعل يوم الجمعة 16 فبراير/شباط يوما خاصا للتدوين حول القدس في ظل الهجمة الشرسة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي الغاصب على المدينة الحزينة ..
وان كنت أتمنى كاعلامية عربية اتساع  مساحة اليوم للحديث عن الوجه الحضاري الثقافي العالمي الانساني لمدينة السلام ولمدينة المحبة التي منها حدثت المعجزات واللقاء بالسموات ،كما كانت على الدوام في وجهها الفلسطيني الإنساني الأبعاد.

مطالبون الشباب النبش في السر المدهش الذي جعل من الصبية الجميلة راشيل اليهودية الامريكية  كي تلتحق بالفلسطينيين بفعل المقاومة المدنية فتموت واقفة بمواجهة الجرافات الاسرائيلية..
فان كان باب المغاربة الذي يعد البوابة الاستراتيجية للمحتل في دخول قواته وحفنة من المتطرفين اليهود الى داخل الحرم  قد حرك المغاربة بشكل قانوني مدهش بمعنى الذريعة للمدينة الحلم . لعله ممكناً أن نضع يدنا على ما يتم جمعه من معلوماتية لمحاولات تهويد القدس وتهويد تاريخ المسجد الأقصى من طرف، وبين ما أنجزه هؤلاء القتلة واقعيا تحت الأرض من مدينة متكاملة سياحية  تتناسب ومنطق العولمة ، لنظهره للعالم عبر الانترنت.

فلنكتب القدس معلوماتيا بكل ما نمتلكه من قلب وعقل وروح ، بحب وامل وحلم السلام  كي تكون الرمز للانتفاضة المدنية العربية  من اجل الحقيقة ولفضح أغشية الكذب والتضليل وكل تلفيق ماكر و زائف ، أو كل ما ينفرض علينا  بصيغة مُضمرة خبيثة أو متخلفة  سواء أكان اجتماعيا  أو سياسيا يمثّل إيديولوجيا استيطانية وإقصائية ، تقلب معطيات التاريخ الفلسطيني على نحو يستجيب لاحتياجاتها بقوة المُفصح عنها بطرق عديدة أو ان كان معول هدم للعقل والتفكير والقوى للقوى المدنية العربية وبذلك نتشارك بوضع النقطة على نهاية الحرف الجريح لنبدأ الكتابة على سطر الحياة العربية من جديد ..
وتحية للمدونين والمثقفين والقانونيين المغاربة الذي تحركوا من اجل مدينة السلام.. وجعلوا من شمس صبيحة الجمعة تشرق غربا.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية