أفهم لماذا يتحول الاستماع إلى الغناء والموسيقى عندنا إلى "شغلانة"، بحيث يخيل إليك أن هناك شريحة من المجتمع لا شغل لها سوى متابعة الأغاني والمغنين، وأخبار المغنين و(خصوصا) المغنيات، على تفاهة تلك الأخبار لأنها تتعلق بأن فلانة قامت بتصغير أنفها، وأن فرتكانة تزوجت سرا فوق زوجها الأصلي!! وعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية حاولت أن أثبت بالوقائع أن كل ذلك ضار بالصحة وبالعلاقات الأسرية، وسردت عليكم كيف طلق مصري زوجته لأنها أهملت أمره لتتابع حفلا تلفزيونيا لكاظم الساهر، وكيف أن العشرات تعرضوا لإصابات بعضها جسيم، عندما اندلعت حرب أهلية خلال حفل للساهر في الأردن مؤخرا، وكيف أن سيدة شقت الطريق وسط آلاف كانوا يتابعون حفلا لمطرب لبناني سكند هاند اسمه ملحم زين لتقبله ثم ماتت لأن القبلة كانت سامة في ما يبدو، وأعود إلى ملحم زين هذا الذي كان نكرة حتى قبل أشهر معدودة ثم كاد أن يشعل حربا أهلية في لبنان، وينسف كل أمل في الوحدة العربية عندما خسر مسابقة المطرب العربي الواعد التي أجريت تحت مسمى سخيف هو "سوبر ستار العرب"!! سوبر ستار تعني "نجم النجوم" فكيف يكون مطرب لم يسمع به أحد ويحاول أن يثبت وجوده نجما للنجوم؟ في كل بلاد الأرض يستمع الناس إلى الغناء والموسيقى، ولكن في أوقات فراغهم، ولا أفهم لماذا ينشغل الناس بأن نوال الزغبي تحب التبولة، أو أن نجوى كرم تخاف من النوم في الظلام، ولماذا يضحي إنسان بزوجته أو تضحي زوجة ببعلها من أجل أغنية؟ لماذا يرسب الآلاف من عيالنا في المدارس لأنهم يضعون على آذانهم ليل نهار سماعات تغذيهم بتشكيلة من الأغاني عبر جهاز الووكمان؟
توماس فريدمان الكاتب الأمريكي الأشهر الذي لم يفتح الله عليه قط بكلمة طيبة في حق العرب والمسلمين، تناول برنامج سوبر ستار العرب وقال إن حرص الملايين على الاشتراك في عملية التصويت لاختيار نجم النجوم المتوهم دليل على أن العرب قادرون على ممارسة الديمقراطية!! داهية تاخدك وتأخذ الديمقراطية يا فريدمان إذا كانت البروفة لها اختيار مغنية أو مغن، مع كل ما صاحب ذلك من أحداث عنف وتشنج.. وقد يحسب البعض أن البرنامج أنهى جولة بخيرها وشرها، ولكن صحف اليومين الماضيين أثبتت أن أصداءه "الديمقراطية" ما زالت تتردد، ففي دبي هجر زوجان عيالهما الأربعة، بعد أن تشاجرا بسبب إدمان الزوجة متابعة برنامج سوبر ستار وإهمال أمر بيتها، مما استوجب تدخل قسم التوجيه والإصلاح الأُسري في دبي لتسوية الأمر، فتعهدت الزوجة بعدم متابعة البرنامج، ولكن الزوج عاد ذات يوم ووجد المدام مشغولة على الهاتف تدلي بصوتها أكثر من مرة لصالح هذا المطرب وتلك المطربة، وطلب منها إعداد العشاء فرفضت، فهجم على التلفزيون وحطمه فما كان منها إلا أن حملت مزهرية وحطمتها.. ولكن على رأسه، واندفع الاثنان خارجين وتركا العيال مع الخادمة لأربعة أيام، والأمر الآن أمام القضاء حيث طلب الرجل الطلاق!! أي قضاء يا رجل؟ طلقها وطلق أبوها، والجأ للقضاء فقط لحرمانها من حضانة العيال، وأنا أدفع لك مؤجل صداقها ونفقتها لمدة عشر سنوات فهي في تقديري لا تستأهل أكثر من عشرة ريالات في الشهر!.