للاستماع إلى هذه المقالة بصوت الكاتب:
{play}/audio/Nashiri_Osama_Bangal.mp3{/play}
{enclose Nashiri_Osama_Bangal.mp3}
في عام 255 هجرية ثار العبيد الزنوج في البصرة وما حولها، احتجا جًا على أجور العمل المتدنية وظروفه القاسية، إذ كانوا يعملون من قبل طلوع الشمس إلى ما بعد غروبها، في تجفيف المستنقعات واستخراج الملح ونقله، من أجل تحصيل لقيمات قليلة من الطعام لا تكاد تسد رمقهم.
وقد أدت ثورتهم هذه إلى زوال الخلافة العباسية عن مناطق نفوذها، وإلى استنزاف طاقاتها المادية وتشويه سمعتها المعنوية، ولم يتمكن العباسيون من إخمادها إلا في عام 270 للهجرة. وكانت هذه الثورة من مقدمات نشوء دولة (القرامطة) الباطنية بعد ذلك، والتي حكمت شرق الجزيرة العربية الذي يضم حاليًا الكويت والإمارات وقطر والكويت والبحرين والإحساء، بل إنهم غزوا دمشق الفيحاء في الشام، وأيضًا مكة المكرمة في الحجاز، واختطفوا الحجر الأسود لمدة 22 سنة! ولأن التاريخ يعيد نفسه، والإنسان يكرر أخطاءه بدافع شهواته ونزواته، فإن (ثورة الزنج) قد تجددت اليوم على يد (البنغال)، وما الإضرابات التي رأيناها مؤخرًا في وزارات الدولة الحيوية ومرافقها العامة، والحوادث المماثلة في الإمارات والسعودية الشقيقتين، إلا بوادر على هذا التحرك الذي يذهب ضحيته الأبرياء من العاملين والعوام، أما أرباب العمل الأشقياء فلا ينالهم شيء من الأذى، سوى تأجيل بعض أقساط أرباحهم، وربما تقديم أحدهم أضحية في سبيل حماية بقية رفاق (العصابة).
ظروف عمل قاسية تقترب من حد الاستعباد إن لم تكن هي العبودية بذاتها، وأجور متدنية تبلغ أحيانًا 20 دينارًا شهريًا ولا تتفق - بعلم الجهات الرسمية - مع حدود الأجور الدنيا! واقرأ المثال التالي للدلالة على ذلك: ترسي لجنة المناقصات المركزية عقود عمال تنظيف وخدمة بأجور منخفضة للغاية، بحجة أنه السعر الأقل بين المتقدمين، دون أن تكلف نفسها عناء التفكير بما سيعطيه رب العمل للعامل، وما سيصرفه على المناقصة، وما سيكون ربحه منها. وطبعًا يقبض أغلب المناقصين مبالغ كبيرة من كل (رأس) مقابل تأشيرة دخوله للكويت، فيبيع المسكين جاموسته ويرهن أرض عائلته ومصوغات زوجته من أجل ذلك، ظنًا منه أن الكويت هي الجنة على الأرض، وأنه سيعوض ما أنفقه سريعًا، لأنك تجد ذهبًا تحت كل حجرٍ ترفعه فيها كما يشيع البعض عنها! ثم يصطدم بالواقع المرير والخدعة الكبيرة، فجواز سفره محجوز وساعات عمله ممتدة وراتبه الشهري متدني ويقتطع منه بحجة أو بغير حجة وبمناسبة أو بلا مناسبة، فتارة لزي جديد وأخرى لرسوم إدارية وثالثة كتأمين وهكذا. وقد حذر الكثير من المسؤولين والمفكرين من نتائج ما نقترفه على وطننا ودول خليجنا عمومًا، وكانت أوضح التحذيرات من مدير شرطة (دبي) الفريق محمد خلفان، الذي عرض في مؤتمر إماراتي صور أحداث تخريبية قام بها وافدون، وقال بعدها كلمات أثارت جدل شعبي واسع وردود فعل رسمية جاء فيها: (سنكون في خير وبركة إذا تمكن أبناء أولياء عهود حكّام الإمارات الحالية من الحفاظ على الحكم في إماراتهم، أخشى أننا نبني عمارات ونفقد إمارات، فمن يضمن أن لا يأتي وافد لينافس على رئاسة الدولة). ختامًا: هذه المشكلة الخطيرة وغيرها لا تستعصي على الحل بمشيئة الله تعالى، إذا كان مالك القرار قادرًا على اتخاذه وأقدم على ذلك فعلاً، أما أن يكون فاقدًا للأهلية لأن المناصب تعتمد عندنا غالبًا على معايير لا تعتبر القوة والأمانة من بينها، فهذا يعني استحالة الحل واستفحال الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.