بقلم يحي أبوزكريا من القطب الشمالي
عندما يقبل الليل و أنت على مقربة من القطب الشمالي و بينك وبين العالم العربي مسافات كواكب ونجوم , يصبح لهذا الليل نغمة مغايرة و ايقاع فريد من نوعه خصوصا عندما يكون هذا الليل مصحوبا بهدوء يشبه هدوء أهل القبور , وظلمة حالكة ممزوجة ببرودة تنخر العظام نخرا , الليل السويدي هو لوحة سوداء مغرقة في السوريالية و التشاؤم ,في ذا الليل بامكانك أن تصير ما حلى لك أن تصير , فلك أن تصير متصوفا مستغرقا في العشق الألهي ولك أن تصير فيلسوفا استغرقه التفكير في متاهات الوجود والعدم , ولك أن تصير عربيدا يداوي منفاه بالتي كانت هي الداء,ولك أن تصير من أهل المجون , لكن الليل السويدي هو الليل فمهما كانت ذاتك متغيرة يظل هو شديد الظلمة والبرودة يخرجك من طورك تارة , ومن سجيتك تارة أخرى .
و لأننا نعيش في عالم بلا صداقات , ولأن القيم في دنيا السويد تحولت هي الأخرى الى سيولة نقدية خاضعة لسعر الصرف , فان الليل في هذه الحالة يصبح الرفيق والأنيس و الصاحب الحقيقي في المنفى الجليدي , و قد أخذ هذا الليل السويدي من القطب الشمالي كل خصائصه , فهو مخيف و مظلم و بارد للغاية و فوق هذا و ذاك فان لهذا الليل صوتا خاصا بل قل موسيقى مميزة صيغت نوتتها بين الموتى أو ربما في أعماق البحار المجهولة أو ربما هو الصمت القطبي عندما يصبح له صدى .
ولطالما أذهب هذا الليل عقول الحالمين بوطن جديد لا وجود فيه للسجون ووسائل التعذيب , فأصبحوا وهم ينتمون الىمملكة الفاقدين لعقولهم , و أما الذين لم يتمكن هذا الليل القطبي من التأثير على عقولهم فقد باتوا واصبحوا وهم يبحثون عن خارطة خاصة لهوية أخرى وانتماء مغاير و أسماء جديدة.
وعبثا يحاول المرء الفرار من هذا الليل اذ أنه في فصل الشتاء يطل عليك عند الظهيرة مباشرة و يسترسل في ملازمتك الى أن يجعلك تفتح كل سجلات الذاكرة و التي تزيدك تعذيبا عندما تعيد قراءتها وأنت تشاهد الفضائيات العربية التي سماها البعض هاهنا بالفضائيات الغنائية و يوجد من سماها بالفضائيات الرئاسية حيث أنها أنشئت لخدمة الرؤساء دون غيرهم.
و لأننا هجرنا واقع الرؤساء فاننا نضطر ان نغلق الشاشة ولسان حالنا الليل السويدي على سوداويته أفضل من الواقع العربي برؤسائه المنهزمين !!!!!