بشتغل لا مؤاخذة يعنى.. صحفية!
هذه هى الإجابة التى أتوقعها من الصحفية، مطأطأة رأسها بعد عدة سنوات من الاحتقار، والنظرة بامتهان للمرأة أو الفتاة العاملة فى مجال الصحافة.. وكلمة "لا مؤاخذة" يرفقها المصريون فى كلامهم مع الشئ المعيب أو الذى يخجل منه.

هذا الهاجس جاءنى بعد عدد من الملاحظات أكدتها وقائع عملية، فمنذ أيام وربما أسابيع وأفراح زملائى الأعزاء من الصحفيين بالجريدة وخارجها تتزايد، ففلان خطب وفلان يدعوكم لحفل زفافه وآخر لعقد قرآنه، والواجب بالطبع أن نهنأهم ونفرح لهم وإلى هذا الحد لا مشكلة.

القصة هى أنه من بين 10 مثلاً تلحظ أن 7 منهم ارتبطوا بنساء من خارج الوسط الصحفى، ولا مشكلة هنا أيضاً فالزواج اختيار شخصى وقسمة ونصيب، لا علاقة له بالمهنة، ولكن الـ 7 الذين هنأتهم، كنت أسأل الواحد منهم بعفوية: ويا ترى بأى سعيدة الحظ دى من الـ (فيلد)؟ فيأتينى الرد المباغت: لأ طبعاً.. أعوذ بالله حرام عليكى يا أستاذة!!

وكان من الطبيعى عندما يجيبنى (7) من الزملاء بهذا الرد أن لا يمر الأمر مرور الكرام هكذا, ففضلاً عن الـ "عك" الذى أحسه بعضهم فاستدرك قائلاً بابتسامة صفراء: "مقصدش يعنى.. بس يعنى.. (ثم لعثمة وفقط )" هناك صورة ذهنية عن (الزميلة) الصحفية من الواضح أنها مستقرة وواضحة تماماً ليس فى أذهان العامة، ولكن لدى "بعض" السادة الزملاء الأفاضل من الـ "فيلد" المحترم!

صحفية = أعوذ بالله.. ونحن على أبواب 2009، وفى عصر النانو تكنولوجى والفيمتو ثانية ومعارك حول الولاية العظمى للمرأة وقوانين المجتمع بالأساس لا تحترم أبسط حقوقها الإنسانية، بعد أن درست لسنوات، وحلمت لسنوات أخرى بأن تمتهن "العلم" والتخصص الذى وجدت "نفسها" فيه؟!

لن يمر الأمر مرور الكرام "هكذا أقسمت"، وحتى أبر بقسمى ناقشت كلاً منهم على حدة.. وكانت وجهات نظرهم كالتالى:
-أتجوز صحفية علشان تقعد تناطحنى كلمة بكلمة ورأى برأى، لأ أنا مش عايز الكلام ده فى البيت خاااااااالص أنا عايز حاضر ونعم وبس!
-آه أتجوز صحفية علشان تبقى الست الأستاذة المشهورة وإيميلات بقى المعجبين وتليفونات القراء الهيمانين ده غير هزار الزملاء الحلوين.
-لا.. لا.. لا، الصحفية متنفعش أم وزوجة لآ دى قصة فاشلة، أنا عايز أعمل بيت وأسرة مستقرة مش متشردة!
-آه وح تطبخ بقى إمتى وتذاكر للعيال، وهى كل شوية دى تغطية مؤتمر، وده تقرير عن حدث وده تحقيق عن مصيبة وده حوار مع مبصبصاتى.. لا، لا، دى حوارات متعجبنيش.
-أنا من الآخر عايز "ست" مش صحفية، أنا سى السيد الصحفى معنديش مانع!!!
-لا.. لأ شوفى أنا ممكن أصاحب، أحب صحفية لكن أتجوزها.. لأ طبعاً!
-آه علشان تسمع كلام رئيس التحرير ومتسمعش كلامى، وتتأخر وأقعد أنا بالعيال وأرضعهم وأغير بامبرز!
ليس هذا فحسب، بل إن أحدهم تطوع وأدلى بمعلومة خطيرة تقول إن 60% من الصحفيات يتم تطليقهن ويفشلن أسرياً بسبب مهنتهن!

هناك إذن مشكلة لن ينتهى تشابكها، لأنه ليست الصحفية وحدها القصة والقضية، وإنما وكالعادة هى مشكلة اجتماعية يتم تلبيس المرأة "عمتها" بكسر العين كما يقول المصريون.

فالصحفية = طبيبة أمراض النساء والتوليد = محامية = أى مهنة بها متاعب وظروف طارئة، تحتاج المرأة فيها لمد يد العون حتى تستطيع التوفيق والتوازن لتحقيق المعادلة التى تسعدها هى شخصياً قبل أن تسعد أسرتها وترضيها هى شخصياً كامرأة فطرتها سوية لا يمكن أن تطيح بفلذات أكبادها ومملكتها لأسباب واهية.

هذا اعتراف لابد أن يدركه المقبلين على الارتباط من الجنسين، مما يستدعى تفاهمات وتوافقات وآليات من نوع خاص بين طرفى العلاقة الزوجية ما دام الأمر واضحاً منذ البداية.. هذا اعتراف نجحت معه زيجات كثيرة أصحابها صاروا جدوداً لديهم أحفاد، و أخشى أن أذكر أسماء كأستاذتى سناء البيسى وأنسى أخريات "صحفيات" فضليات صلحن زوجات وأمهات وجدات، مما يدل على أن الأمر هو طريقة للتفكير وسمات شخصية وليس مهنية، فهذا ما تسير به المراكب الأسرية فى كل الأحوال المهنية وليس مجال الصحافة أو غيرها، هؤلاء النسوة وجدن أزواجاً "رجالاً" لم يقولوا صحفية والعياذ بالله، وإنما أياد حانية، وعقول ناضجة، وقلوب محبة بالفعل لا بالمصلحة.

-ثم من أعطى هؤلاء الزملاء "قادة الرأى" الحق فى ربط وتعميم الحكم بأن الصحفيات لا يصلحن زوجات وأمهات وأن 60% منهم يفشلن؟!
النجاح والفشل أصبح موزعاً وفق العقليات الجامدة القاسية هكذا، كصكوك الغفران؟!
بعض الزملاء الرجال يسخرون من أنفسهم "آلة إعلامية" لأجل ذلك؟!
من يصدق هذا؟!

لم لا يبحثون فى الحدائق عن الورود كما ينبشون فى القبور عن الرفات ليذكروا نماذج فشلت هنا وتكسرت هناك، لا بل ويلصقوا السبب بالست الصحفية الفاشلة؟!

-هذه الشائعة والفرية "الصحفية لا تصلح أماً وزوجة" لا تصلح للهزر، فهى من الخطورة بمكان أنها من الممكن أن تهدم بيوتاً قائمة بالفعل أو تمنع أخرى من القيام أصلاً، فالفرية يتم تصديقها، ثم يتم إسقاطها على أرض الواقع عند حدوث أول مشكلة، ونفاجأ ببيوت يحدث لها ما يشبه ما شاع حدوثه فى زماننا لأشخاص فى ريعان الشباب وتمام العافية من "موت الفجأة".

-أما طبيعة العلاقة بين الجنسين داخل الـ "فيلد" والتى لا يرتضيها البعض ويراها متجاوزة وشائهة إلخ، فلا أدرى فيم الحديث أصلاً، هل هو عن حالات فردية وسلوك بالأساس شخصى لا علاقة له بمهنة أو وسط، أم ماذا؟

ما أعرفه هو أنه لا ينبغى ولا يصح تعميم تصور ما، يتم وفقه وبإساءة بالغة تصوير الصحفية وكأنها "فتاة ليل" تمسك بقلم أو "لاب توب" وإم بى ثرى حديثاً!

-وإذا كان ما سبق إساءة وإهانة على أساس أن الصحفية تستغل "مواهبها الأنثوية" للنجاح المهنى وبصرف النظر عن أن الطالب والمشجع والمانح للعطايا – إن صح ذلك- بالمقابل هو "الرجل"، فإن الإساءة تبدو أشد على الجانب الآخر الذى يتهم الصحفية بأنها "مش ست"، واسمحوا لى أقول "يا خبر أسود، وعار عن الصحة ومعدوم العافية"، لأنى مخضوضة بالفعل!

-اتضح ومن أسف أن بعض الرجال الصحفيين لا يفرقون كثيراً عن "خُطْ الصعيد"، أو سى السيد عبد الجواد فى ثلاثية محفوظ، وبعضهم ينتمى إلى حزب "والله لنمنعهن" من التاريخ الإسلامى.. بعضهم أيضاً لديه أمراضاً نفسية مستعصية من شعور بالنقص إلى جنون العظمة، إلى تضخم الذات إلى النرجسية إلى الازدواجية والشيزوفرينيا... إلخ، والله مساكين لا لشئ سوى أنه لا ذنب لهم فى أمراضهم التى جاءتهم من بيئة النشأة الأولى وبيئة المهنة والمجتمع بأسره فكلها اسهامات مشكورة شاركت فى عجن وخبز منتج رجالى بئيس، ولكن المشكلة أن حائطها المايل هو كالعادة المرأة وهى هنا "الصحفية".

-من أسف أن معظمهم لم يجد على مايبدو وقتاً لقراءة كتاب مثل "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة" فى محاولة لتثقيف الذات عن طبيعة الرجل والمرأة المختلفة وكيف يتعامل كل مع الآخر انطلاقاً من فهم طبيعته التى خلقه الله عليها، لكى يتكامل مع الآخر ويتناغم ويتزن لا يتسيد ويتناطح ويتعاكس.. وعلى ما يبدو هم مكتفون بأن يشعروننا بأنهم يعيشون فى المريخ وفقط! فأغلبهم ويا للأسف لا يدرك ولا يدرى شيئاً عن طبيعة العلاقة الزوجية، ولا تربية الأولاد، فضلاً عن أبجديات النجاح فى الحياة بصفة عامة!

بعضهم يريد جارية وطباخ ودادة فحسب.. هذا عن الزوجة، أما الأولاد فهو ليس شريكاً فى أية مسئولية تجاههم سوى جزء من الإنفاق المادى، لأن الهانم بتشتغل وح تودى مرتبها فين لازم تشارك طبعا حباً وكرامة، وحباً بلا كرامة غالباً، أو رغماً وبلا كرامة فى كثير من الأحيان.

-وددت لو أنهم يدركون بعمق أنهم بنظرتهم السوداوية تلك يخسرون أرضية واسعة من الاحترام والتقدير فـ "مطلوب زوجة غير صحفية" ربما وللوهلة الأولى يبدو حقاً شخصياً لا ينبغى التدخل فيه، لكنه يحمل فى طياته "عنصرية" مهينة لأبعد مدى يا سادة.. أفيقوا.

-وإذا كان بعضهم يستدعى النصوص القرآنية والنبوية عندما يكون له "حق" ويستبعدها عندما يكون عليه "واجب"، فهذا تطبيق نحيلهم إليه، ربما يحتاجون لعمر بن الخطاب "رضى الله عنه" لكى يخبرهم أن زوجته (ليست صحفية) كانت تقول رأيها وتراجعه، بل ويعلو صوتها ولم يهدم ذلك بيتهم، ولم يعنى ذلك التضاد بين "التوافق" الممثل فى حاضر ونعم وبين أن يكون لها كيان ورأى، وهكذا ابنته حفصة (ليست صحفية)، وكان لها رأى يسمع ولم يعنى ذلك أنها لا تحب زوجها ولا تحترمه, وغيرهن الكثيرات.

-لا أدرى.. هل نحن بحاجة أمام هذا العنف السلوكى والفكرى إلى عنف مقابل؟! هل حق الرد مكفول؟! على ذكر عمر نحن بحاجة إلى درة عمر إذن!

ربما توجعهم وتعرفهم بأن رأى المرأة ليس عاراً ولا عورة، وإنما "طرائق هذه النوعية من التفكير" هى عين العار والعورة.

-نعم الحب قصة والزواج قصة أخرى بالفعل.
الحب سهل، ممتع، بلا تكاليف.. أما الاشتباك فى حياة واحدة بحلوها ومرها على التأبيد فى كيان يدعى زواج فهو يحتاج إلى مقومات أخرى بالفعل، منها السمات الشخصية وتكافؤات الزواج المعروفة، وأضيف أن تؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره وتفوض أمرك إلى الله وتقول كما قال البطوطى قبل سقوط طائرته بوينج 767 التابعة لمصر للطيران فى المحيط الأطلسى عام 1999: "توكلنا على الله"، ولكن ليس من ضمنها بالتأكيد المقايضة أو الوصم أو التسلى بكيان إنسانى، ذى كرامة اسمه.. "صحفية".

 

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية