كنت أسمعهن طيلة أيامه يشتكين ولا سامع , يتألمن ولا شاعر , ينتظرن العون ولا مجيب .. إنهن بعض النساء فى رمضان وربما .. أكثرهن !
كانت احداهن تحادثنى تليفونياًً قائلة : أصلى الفرائض وأنا أغالب النعاس , أقرأ القرآن وأنا أشهر بـ " همدان " فى جسدي , لم أفلح فى المواظبة على عبادة سوي الذكر .. تخيلى معى أننى أقوم لتحضير السحور فى الثالثة فجرا أوقظ كل أفراد أسرتى وبعد السحور أصلى ثم أنام ساعة أستيقظ بعدها لكى يذهب الصغار إلى مدارسهم , وبمجرد نزولهم أستعد أنا للنزول لعملى مباشرة وأستمر فيه حتى الثالثة عصرا أعود بعدها إلى المنزل حيث يعود الصغار أيضاً من مدارسهم فأظل أجرى هنا وهناك لتحضير طعام الإفطار واقناع الصغار بأن يناموا حتى الإفطار , وتذكيرهم بأنهم صائمون وأمارس دورى فى فض المنازعات وفض اشتباكات الإيدىوالمعارك بينهم ..إلخ
حتى ينطلق مدفع الإفطار .. أفطر وأصلى المغرب وأجلس إلى الطعام وجهاً بلا ملامح , ننتهى من تناول الطعام فأقوم إلى المطبخ فى وردية أخرى لغسيل الصحون بعدها أصلى العشاء وأجلس إلى الصغار لمتابعة أداء واجباتهم المنزلية التى تنتهى فى العاشرة مساءا , أحضر ما يلزم لإفطار اليوم التالى ثم أنام ساعتين وأقوم لإعداد السحور .. وهكذا دون أن تمتد يد زوج أو أبن لتساعدنى .. الجميع يذهب ويتركنى وحدى هذا يصلى وهذا يذاكر , وكأنه ليس من حقى أن أجد فرصة أو صحة لكى أصلى القيام أو استكمل وردى من القرآن حتى أننى فى احدى الأيام كدت أنام عن موعد السحور فإذا بزوجى يوقظنى قائلا : قومى ح تضيعينا كده ! طبعا كنت أقول فى نفسي : ومن ضيعنى أنا .. ولا أجد اجابة ولا أجد حلاً ولا بديل لما أنا فيه فضلاً عن أن يشعر بي أحد!
أعرف أن حالة صاحبتى لم تكن الوحيدة بل هى نموذج مصغر للآلاف النساء التى تراهن العين كل يوم فى أماكن العمل والشوارع , يؤدين أعمالهن وكأنهن منومات مغناطيسياً , ولا يمكن الحديث فى الحقيقة بـ " الكلام " عن كم الإرهاق الذى يقع على عاتق المرأة لتحقيق المعادلة الصعبة ما بين الإستيقاظ مبكرا مع أطفالها والحفاظ على مواعيد عملها إلى جانب التزاماتها تجاه بيتها..ومن بينها طبخ المحمر والمشمر والصوانى والطواجن والذى منه .. إذ لابد من أن " تقع أم على من طولها " فى يوم ما من الأيام !
ولابد أنها أيضاً لن تقوم الليل ولن تصلى النوافل ولن تكمل وردها ولن تختم القرآن !
" ماراثون رمضانى " إن صح التعبير تجرى فيه كل امرأة مع نفسها فقط.. قدرات ادارية عالية وروح رياضية فائقة وصبر فوق الإحتمال تحتاجه كل امرأة حتى تتزن وتتعايش خلال الشهر الفضيل .. وثمة شئ مهم وأساسي وهو العون والإغاثة من الزوج وكل أفراد الأسرة , وتفعيل معانى الشهر وبركات الصيام والقيام وتقديمها لأقرب الناس " الزوجة والأم " .. بدلا من مطالبتها بأداء دورها فى اسعاد الجميع دون مشاركة .
ورغم أننى لست من أنصار نظرية المؤامرة إلا أننى استشعر أن ما يحدث فى الواقع وعلى شاشات الفضائيات مؤامرة حقيقية على صحة ووقت المرأة وعبادتها فى رمضان .
احداهن كانت مشكلتها طوال الشهر الفضيل أنها مسجونة بالمطبخ .. تقول : المطبخ هو سجن المرأة الإختيارى .. كما يقولون , تسعى إليه كل زوجة وأم ولو كانت وزيرة لإرضاء أسرتها واسعادها والفوز بكلمات الإعجاب والشكر أيضا ,ولكن فى رمضان يزداد الأمر إلحاحاً لما للشهر من خصوصية أخرى, وهى لم شمل العائلة وعزومات الأقارب , والأصدقاء, وهذه من بيتنا لم تكن تنتهى , كنت أسعد بالطبع لتفطير الصائمين ولكن لابد من الإبداع دائما فى إعداد مالذوطاب من أشهى الأطباق والوصفات لإضفاء لمسة رمضانية مبهجة على بيتى وأولادى وضيوفي , فمائدة رمضان لزوجى وأولادى هى مائدة " الجديد " دائماً .. قضيت وقتاً كبيرا لذلك فى متابعة الفضائيات على نيل وعرب سات وكلها مقسمة على " شيفات " الوطن العربي فى رمضان , كلها موحدة على قلب شيف واحد ولا خلاف بينهم على تقديم أكبر قدر ممكن من الإبتكارات والإبداعات الحلوانية .. والمشهياتية .. كنت مسجونة بجد ما بين الفضائيات والمطبخ وأتمنى لو عاد رمضان .. إننى لم أشعر برمضان !
عين زوجة = طبق شوربة
عين زوجة = طبق شوربة .. هذا هو المعنى الذى حملته الحادثة الشهيرة للزوج السعودى الذى اقتلع عين زوجته لأنها اعدت له حساء العدس فى العشر الأواخر من الشهر الفضيل .. القصة كما حكتها الزوجة .. تقول : اعتدت أن يكتب لي زوجي كل طلباته الخاصة من الطعام الذي يحب تناوله على الإفطار خلال شهر رمضان، وأحرص من جانبي على تنفيذ كل طلباته بشكل يومي"، وقبل أسبوع من الآن أخطأت قراءة طلباته وأعدت له شوربة عدس على عكس طلبه (شوربة حريرة) مع أنه وضع تحتها أربعة خطوط لأهميتها لديه، وذلك لضيق الوقت قبل الإفطار الذي غالبا ما تكون فيه المرأة مشغولة بكثير من الأشياء داخل المطبخ".
بالفعل أعددت شوربة العدس؛ لأنني لم أتنبه للخطوط التي وضعها تحت شوربة الحريرة، وقمت قبل أذان المغرب بنصف ساعة كاملة بتحضير وجبة الإفطار وبعد الأذان وضعت له الشوربة في الصينية، وما هي إلا ثوان حتى تفاجأت به يسكب الشوربة الحارة على وجهي في حالة من الهيجان والغضب ويتلفظ علي بألفاظ غريبة وغير لائقة ونهض من مكانه وأخذ الورقة التي كتب عليها طلباته اليومية ليحضرها أمامي لأقرأ له ما كتبه وكنت لحظتها مغمضة العينين ولا أستطيع أن أفتح عيني بسبب حرارة الشوربة على وجهي وعيني، حيث كنت أبحث عن المغسلة لغسل وجهي وسط صراخ أطفالي الثلاثة ودهشتهم من تصرف والدهم".
ورغم ذلك- والكلام مازال للزوجة- استمر زوجي في حماقته ولحق بي أمام المغسلة وغرس أصبعه السبابة في عيني اليسرى وهو يصرخ ويطلب مني قراءة نوع الشوربة التي طلب مني إعدادها ويحاول إدخال اصبعه مرة أخرى في عيني اليمنى لكن عناية الله كانت أقوى منه عندما قمت بتغطيتها بقوة وصرخت في وجهه بأعلى صوتي مستنجدة بالجيران فقطع الورقة وألقى بها على مائدة الطعام وخرج من المنزل وتركني أصرخ بشدة من قوة الألم الصادر من عيني التي بدأت تنزف بشدة، فضلا عن حرارة وجهي من شوربة العدس، فما كان من أحد أطفالي إلا الاتصال بأهلي الذين حضروا للمنزل ونقلوني للمستشفى.
والقصة لا تحتاج إلى مزيد تعليق أو ايضاح ومثلها عشرات وربما مئات أو آلاف القصص الغريبة على هذا النحو والتى لا تنشرها الصحف ولا يعلم عنها أحد فكما تعرفون .. البيوت أسرار وشوربة أيضاً!
نموذج آخر منهن لطالما كانت شكواها أن زوجها لم يمد يده طيلة الشهر لحمل كوب أو طبق ومساعدتها بوضعه على المائدة أثناء اعدادها بحجة أن هذا واجبها وأنه متعب من الصيام والقيام .. وهذا بالطبع أرحم من صاحب الحريرة ..تقول : حتى طبق السلطة تخيلى لم يعزم علىّ مرة مجرد عزومة أن يتفضل ويقوم بعمله وهو يرانى أكاد أسقط من الإعياء , وإن لم يجده ثاروهاج وماج وقلب المائدة بحجة أننى لا أراعى صحته كصائم !
ماما ماتت !
" ماما ماتت" هكذا نطقت بها صديقتى فى لحظة غضب عارمة كنت شاهدة عليها عندما خرجت أسرتينا للإفطار معاً بأحد المطاعم وبعدها انصرف الأزواج وتركونا مع الصغار لأداء صلاة العشاء والقيام .
" أرأيت .. من البديهيات لديهم أن يصلوا هم ونحن لا ! " هكذا بادرتنى صديقتى فقلت لها : حسناً دعيهم يصلوا يا عزيزتى وبمجرد عودتهم سنتبادل الأدوار ونذهب للصلاة إن شاء الله .
وبالفعل عادوا .. وبالفعل أيضاً قمنا لأداء الصلاة , وبعد دقائق وفى الطريق إلى المسجد أرسل زوج صديقتى أحد أبنائها لكى يستعجلها وكنا لم ندخل المسجد بعد فقالت له : اذهب وقل لأبيك إن ماما ماتت , لم أجدها .. ماتت !
وفى أثناء الصلاة لم يكف الزوج – سامحه الله – عن الإتصال بها على هاتفها المحمول لإستعجالها وبالتالى لم نصلي سوي العشاء و.. عدنـــــــــــــــــــــــــــا !
حادثة أخرى حكتها لى أم صديقة ابنتى وتعمل طبيبة .. تقول : لم أستطع أن أغادر البيت لأداء صلاة القيام بالمسجد حتى أستطيع متابعة الصغار أثناء أداء واجباتهم المدرسية , كنت أؤجل الصلاة حتى يناموا إلا أننى وجدت نفسي غير قادرة على الصمود , فقررت أن أصلي إلى جوارهم وبالطبع لا خشوع ولا تركيز فهذا يصرخ فى أخيه وهذه تترك مذاكراتها وتلعب .. وانقضي الشهر وأنا على هذه الحال .. كنت أتمنى أن يشعر بي زوجى ويصحب الأطفال ويرعاهم حتى أستطيع الصلاة , ولكننى لم أجرؤ على طلب ذلك منه خوفاً على الأولاد من عصبيته وقلة احتماله .
قصة أخرى طريفة ومحيرة فى آن هى قصة احدى صديقاتى مع زوجها فى رمضان تقول : أحب زوجى جداً ولكنه لا يشعر بحاجتى إلى الإستزاده من الطاعات فى رمضان فما إن يفرغ هو من أداء صلاة التراويح بالمسجد حتى يعود إلى البيت وأنا لا أزال أدرس للأطفال وبعد أن يناموا أستبشر خيراً بسنوح الوقت لإمكانية الصلاة إلا أنه ينادى على قائلا : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم .. الآية " وكأنه لا يحفظ من القرآن فى رمضان غير هذه الآية الكريمة , وبرغم أننى لاأقصر فى حقه الشرعى إلا أنه لا يعيننى على ما يزكى روحى على الأقل فى هذا الشهر, ولا يشعرنى من جهة أخرى أن للصيام أثر فى تقليل الشهوة وتوجيه أغلب الجهد للقرب من الله بعبادته وطاعته !
وعلى النقيض من صاحبتنا هذه تحكى أخرى .. تقول : بالطبع أشعر كأى انسان فى رمضان بحقه فى اضافة نقاط إلى ميزان حسناته, من صيام, صلاة القيام, قراءة القرآن,والذكر , وعمل الخير .. إلخ ولى فى ذلك طريقة تخصنى وأرتاح إليها أرتبها مع نفسي , ولكن زوجى لا يحترم ذلك أبداً فإذا رآنى أتابع برنامجاً فضائياً لأحد الدعاة صرخ فيّ: أليس الأجدر أن تقرأى وردك من القرآن الآن ؟!
وهكذا فى كل حال يشعرنى بأننى مقصرة أو غير موفقة فى فعلى .. كل ذلك يتم بفظاظة وتعالى مما يجعلنى أشعر بالمرارة , فهو يفترض فى نفسه أنه بذلك يعيننى على الطاعة وأنا أشعر بالعكس وأقول فى نفسي كلما تكلم بشئ من ذلك " ليته يسكت " !
أنام أهله !
"كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله أما هو فينيم أهله " هكذا حدثتنى واحدة ممن لم يشعرن برمضان متحدثة عن زوجها .. تقول : أمضيت العشرين يوماً الأولى من رمضان أناضل ولكن ظل هناك تقصير فى أداء صلاة القيام بسبب متابعة واجبات الأولاد المدرسية , حتى هلّت العشر الأخيرة فطلبت من زوجى أن يعيننى وأن يفكر معى فى حل حتى أتمكن من أداء عباداتى بروح وخشوع إلا أنه بادرنى قائلا ً: والله اللى عايز يصلى .. يصلى !
" عايز " هكذا تساءلت بينى وبين نفسي ..أين هذا من حرص الزوج محمد صلى الله عليه وسلم " أيقظ أهله" ؟!
إن " أيقظ " بالفعل تحمل معنى الحرص والإيجابية والحب الحق , وما تراه محمداً يفعلها إلا برفق ولين وهو سيد الدعاة فيرغب أهله ولا ينفضهن من حوله ... وليس كما يفعل أحدهم اليوم عندما يخطئ ويوقظ أهله.. إنهم يا عزيزتى هكذا يفعلون أو ينيمون أهلهم لا ثالث بينهما!
محرومات فى رمضان
محرومات من حلاوة الإنقطاع للصلة برب العالمين , محرومات من الإستغراق فى نعمة الدعاء والتفكر والسجود وقراءة القرآن , محرومات من نعمة " الإعتكاف " .. هؤلاء هن نحن !
هكذا تحدثت أغلب النساء ممن قابلتهن مابين الثلاثينيات والأربعينيات من العمر .. وبجولة سريعة على المساجد سيتأكد لك أن القلة المعتكفة من النسوة هن عجائز أو شابات لم يتزوجن أو أرامل أو حتى مطلقات !
أما النساء من غير هذه الفئات فهن المحرومات .. ومن تصر منهن وتجاهد لأداء هذه العبادة تجد الكثير من العنت وتقابل "حِزم " وليس حزمة واحدة من المعوقات !
وإذا ما تجشمت احداهن الصعاب واصطحبت صغارها وصلت أو اعتكفت فلن تسلم من البأس الشديد بين النسوة الأخريات ممن يجدن فى ذلك قضاً لمضاجع اعتكافهن وصلواتهن !
أحسب أنه آن الآوان لإقامة فعاليات تنهض بالنساء فى رمضان وتنهض بهن النساء وألا تظل المشهدية الرمضانية قاصرة على الرجال بينما تتحرك النساء فى الهامش المتاح , أو لا تتحرك على الإطلاق !
أحسب أن رمضان هو " المتسع " وليس الهامش .. وأنه لابد من تفريغ المرأة واعانتها فى رمضان وايجاد آليات لذلك , وادراك أنه لا يمكن أن يتم أياً من ذلك بدون إعانة الرجل .. الشريك .. الصاحب , وكما تعينه المرأة على أداء واجباته الحياتية والعبادية ينتظر منه الدور المقابل ,, ولابد لذلك من الجدية ووضع الخطط والإلتزام بتنفيذها , ولابد من رفع علم العدالة الإجتماعية على بيوتنا فى كل شهور العام وفى رمضان خاصة !
فبنظرة سريعة ستجد أن الإهمال المتعمد وغير المتعمد للمرأة فى رمضان لا يتواجد داخل الأسرة فقط "سواء توافر بها خدم لإعانة ربة البيت أو لا" بل ينسحب حتى على الأنشطة والبرامج الإجتماعية والثقافية بمؤسسات المجتمع, وأماكن الصلاة المخصصة للنساء بالمساجد فى عدد لا يستهان به من البلاد العربية, وحتى برامج الفضائيات تستطيع أن تحصي على أصابع اليد الواحدة برامج الداعيات من النساء مقارنة بالكم الهائل الموجه للمرأة من برامج الأطايب والطهى وحتى المسلسلات.
فالمرأة هى المستهدف الأول لها بعرضها النماذج الجاذبة للبطلات أو الأبطال وحيواتهم وشخوصهم وأفكارهم , وللعبها على وتر الحكى مما يجذب الكثير من الفتيات والنساء اللتى لا يجدن ما يشغلهن بعد تناول طعام الإفطارسوي ذلك وهن فئة عريضة ممن لا يقع فى دائرة اهتماماتهن صلاة القيام أو ما شابه من عبادات اختص بها رمضان تكاسلا أو اعتقادا جاهلا أنهن لسن المقصودات بهذه الأشياء !
ما بين الظلم المجتمعى وعولمة الفضائيات والمسلسلات يبقي للمرأة فى رمضان دوراً بديهياً مغيبا ًوحقاً مضيعاً.. يحتاج إلى من يمد له كفوفاً حانية , وعقولاً واعية , وسواعد رافعة نافضة حتى تتألق القوارير فى رمضان .. فهل نستوصي بالنساء خيراً فى رمضاننا هذا ؟!
كل عام أنتم بخير .. كل عام أنتم ونحن نساءاً ورجالاً و " رمضان " دوماً وأبداً لنا جميعاً !