أحببت من الرجال كثير..
وقبل عشر سنوات مرت كانت معرفتى بالداعية عمرو خالد "نقلة" فى الظاهر "مهنية" ليست على البال، وفى الأعماق نقلة حياتية لم أدركها إلا فيما بعد، وقتها زار الكويت للمرة الأولى عمرو خالد، وفوجئت برئيسة تحرير المجلة التى كنت أعمل بها تطلب منى إجراء حوار معه، نادتنى قائلة: "غداً يزور عمرو خالد الكويت ونبى "نبغى" حوار معه، شوفيه كده إنتى مصرية زيه وأكيد ح يوافق يقابلك بسهولة!".
قامات ومقامات، أعلام وعلماء، أغلبهم لم ألتق بهم، وكل ما دفعنى لحبهم كلمة بنت أو عبارة هذبت، أو فكرة أثرت عقلى، أو أخرى صافحت وجدانى. وهناك منهم من التقيت، فتعلمت، وعلى أكتافهم استندت، منارات فى الدروب المهنية، والعلمية، والحياتية بشكل عام.
عرفت أغلبهم فى المحن فكانوا معارف للزمن، ففى المحن تظهر المعادن برغم الفتن.هؤلاء لا تملك إزاء مواقفهم إلا أن تحبهم، كما تحب آخرين بسبب أفكارهم، وما الرجل إلا كلمة وموقف.. بعدها يحب أو يكره.
لم أكن وقتها أعرفه فسألتها: "ومن هو عمرو خالد؟"، فانتابتها الدهشة وردت علىَ قائلة: "معقولة لا تعرفينه ده قالب مصر عندكم"! عرفت بعدها أثناء جمعى للمعلومات عن الشخصية حديث الكويت من هو ولماذا قلب مصر عندنا؟
أجريت اتصالاتى بمن أعرف ومن لا أعرف لعلى أصل إلى رقم جوال عمرو خالد، ومع نزوله من الطائرة ليلاً إلى مطار الكويت فى ذلك الحين، رد علىّ الذى قلب مصر، قائلاً: "أهلا بيكى بس والله أنا معنديش أى وقت لإجراء حوار غير الساعة 6 ونص الصبح، عندى برنامج مشحون ومخطط له مسبقاً ومفيش أى وقت".
فقلت له: "وهو كذلك.. سأحضر لك 6 ونص صباحا".
وفى ذلك الصباح الشتوى الغائم كنت فى الفندق وبصحبتى 7 من الفتيات الكويتيات كنت أقوم على تدريبهن، وطلبت مديرة تحرير المجلة اصطحابهن لكى يتعلمن كيفية إجراء الحوار، خرج لنا سكرتير عمرو خالد يستأذن فى ربع ساعة لأن عمرو مرهق وغير قادر على الصحيان، انتظرنا الربع ساعة حتى خرج لنا الداعية فى لباس كاجوال أنيق، وعلى مدار الساعة تم الحوار الذى كان سبقاً صحفياً سعدت به رئيسة تحرير المجلة، فكانت مجلتنا أول من تمكن من إجراء حوار مع الداعية الشاب، وقد تصادف ذلك مع دخول المجلة للطباعة بعد اللقاء بعد 6 ساعات فقط.
بعد تحقيق السبق تمت ترقيتى إلى سكرتير تحرير للمجلة، وانتهت علاقتى بهذا الذى قلب مصر مشكوراً، وكان "وش السعد" علىّ بدون احم ولا دستور، ولم يتبق لى إلا متابعة برامجه فى رمضان.
وكعادته تسلل الداعية برفقه فأصبح رمضان لدىّ مرتبطاً وبشكل وثيق بعمرو خالد، فرمضان الذى نحبه أصبحنا نحب فيه أيضاً هذا الرجل، فهو لم يقلب مصر وفقط كما قالت رئيسة التحرير الكويتية ولكنه كان يشعرنا بفخر حقيقى، فمصر ما زالت منارة فى الدين والدعوة وبشكل عصرى، نحن – وقتها – المصريين المغتربين الذين ما عادوا يفتخرون بشىء من مصريتهم وما عاد الآخرون يشعرون بسبقهم فى شىء.
هكذا كان لنا عمرو خالد فى الغربة، وعندما زار الكويت وجدنا مشايخ ودعاة كبار ينصتون وكأن على رؤوسهم الطير، يحتفون وكأن من زارهم أحد القادة أو العلماء، ويكفينا من عمرو خالد وقتها ذلك، فما زال هناك إسلام مصرى جميل سمح راقى يمكنه أن يكسر الطريق على اكتساح الإسلام الوهابى.
أصبح عمرو خالد محط اهتمام، وكنا نتابع أخباره ومشروعاته، وفى إحدى المرات أرسلت لى الزميلة العزيزة نوال السباعى وهى صحفية سورية مقيمة فى إسبانيا عن انزعاجها من زيارة عمرو خالد لأسبانيا بسبب استغلال البعض للحدث بالنفخ فى سيرة الرجل وشخصه، وقالت لى أخاف ممن حوله، أخاف أن يسقط ويصيبه الغرور بسبب أفعالهم كما حدث للكثيرين، كنت مثلها أتخوف ولكن شيئاً لا أعرفه بداخلى كان يطمئننى.
بعد عودتى إلى مصر بسنوات أصبحت مع الملايين ألتقى بعمرو خالد كل عام، كنت أراه أشبه ببائع الورد فانتظر "وروده" السنوية التى كان يبيعها لنا بشوق، أحبه مع الملايين أيضاً كل عام، يأتى فيحدثنى عن نفسى ويمسك بيدى ليضع أقدامى على طريق موصلا للجنة بإذن الله، أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله.
ولأن الحب متبادل فهو يلقى لك وكأنك وحدك رسالة حب، تكتشف بعدها أنها للملايين معك، رسالة ندية ليس بها غلظة ولا خشونة، أو تعالى وكبر، فى ونلقى الأحبة، وعلى خطى الحبيب، وباسمك نحيا، ودعوة للتعايش.
يتحدث لغتى وبعيون طفولية، يدفعنى بلطف بمشاعره الحية الفياضة لأن أفكر وأقرر وأثابر، فى كل شىء من حولى، فهو لا ينتظر إذن "الجماعة" لكى يعطينى وروده وأزهاره، ولا "تمويل" الحزب لكى يشترى هذه الورود، فأزهار الرسالة عالمية لا تتبع أحداً، ولا تنتظر أحداً.
تختلف معه أو تتفق، لا تملك إلا أن تحترمه، شخصياً عرفت من الدعاة كثيرا، فوجدت منهم فى ميدان الحياة من يخالف قوله عمله، ومن يعيشون فى فصام مع نفسه، أو خصام مع الحياة وليس الدنيا فحسب، ومنهم محدث النعمة، ومنهم من له أكثر من وجه، وأكثر من شخصية، عرفت منهم الكثير " إطارات" للدين براويز وليس أكثر، ولكن عمرو خالد .. لا.
وهكذا علمتنى الحياة أن حب الرجال ليس عيباً، وإنما العيب أن تحب رجلاً صغيراً فى عقله وقلبه، عندها ستجد الوضاعة فى كل شىء، فهو فى الفكر فقير، يسبح فى أفق ضيق فيخنقك معه، وهو موصل جيد إلى الدرك الأسفل من كل شىء وليس من النار فحسب، وحتى فى الحب تجده فى الدرك الأسفل، يعطى وينتظر، يعطى ويعاير، يعطى ثم يسترد وينتزع، وهو منذ البداية يساوم حتى يعطى، وقد لا يعطى من الأساس.
علمتنى الحياة أن من الشرف أن تحب رجلاً لا يطمع، كلمته ميزان، ونظرته خاصمت الاشتهاء، ويده تعرف العطاء وتخاصم الاعتداء. من المتعة أن تحب رجلا ممن تحمد عقباهم. من المتعة أن تحب النبل فى الرجال، ومن المتعة أن تجد رجلا يستحق أن تحبه فتستحق أن نهنئك على هذا الحب. وهكذا لو كان لى مع الرجال ذكريات، جميلة ، مؤثرة ، عبقرية ، لا تنسي، فهى ذكرياتى مع عمرو خالد.