ذلك الفتى الغرير بسنواته السبعة عشر وجسده النحيل وقامته القصيرة ، ذلك الفتى بتقصيره في دراسته وتركه صلاته وإضاعته عشرات الآلاف في فواتير الهواتف الجوالة ، ذلك الفتى الذي بدأ بالخروج مع إحدى بنات جيرانه متحديا إرادة أبيه وأوامر أمه ، وقع في غرام الصبية وهو ذاهب آيب أمام نافذتها ، يرقبها بعينيه الطفلتين قبل أن تكتشفا أن في الحياة شيء يدعى العشق والهيام ، ذلك الفتى الكذّاب بامتياز ، يكذب على أمه و على أبيه و على اخوته ، هذا الفتى الذي أصبح يدخن في اليوم علبتي سجائر يسرق ثمنها من درج أمه ، ويتسلل بعد منتصف الليل من البيت ليخرج مع رفاق السوء إلى حيث لايعلم أحد ، وعنما يعود بعد الفجر يدّعي أنه كان في صلاة الصبح جماعة في المسجد!
هذا الفتى لايسمع كلاما ولايمتثل لنصيحة ولايفهم موعظة ، المتعب الذي يرتدي مايستعيره من أصحابه من السراويل العريضة "الفظيعة" والتي لايمكن لمخلوق عاقل على وجه الأرض أن يفهم لماذا يقوم أصحابها بكشف مؤخراتهم وهم يرتدونها !! ، ويرفع شعره بتلك المادة اللاصقة المريعة وبأشكال يندى لها الجبين ، ذلك الفتى يلبس السلسة في يده ورقبته وكان يريد - لولا ألطاف الله- أن يخرق أذنه كالبنات ليضع فيها قرطا !!.
المارق المنحرف ،لادين ولاخلق ، هذا الفتى قام والده بطرده الليلة الماضية من البيت ، حيث كان يتكلم معه فاشتم رائحة الدخان من فمه ، فضربه ضربا مبرحا ، ورفسه رفسا شبه قاتل ، ولم يسمح له ولاحتى أن يأخذ معطفه ليتدثر به ، ولم يكتف الوالد بطرده من البيت فحسب بل لقد أقسم بالطلاق على أمه أن لاتكلمه ولاتراه ولاتحاول الاتصال به ، وهدد بقية الأبناء والبنات والكنة والصهر والأحفاد كذلك ، بأن من يكلم ذلك الفتى أو يحاول الاتصال أو العودة به الى البيت فلينتظر أن يطرد مثله وإلى غير رجعة، ليس من البيت فحسب بل من رحمة الأب ورزقه والحياة في ظله فهو لاظل إلا ظله – كما يعلم القاصي والداني-!! .
الأسرة كلها في غاية الامتثال للوالد لم تبحث عن الفتى ، الأسرة كلها خوفا من الوالد لم تسأل عن الفتى ، الأسرة كلها رجالا ونساء كبارا وصغارا بما فيها الوالدة تدعو على ذلك الفتى العاصي ، الأسرة كلها تكيل له الشتائم والسباب وقد فضحهم وأساء إلى سمعتهم وجعلهم أحاديث بين الناس !!، و...............هل انتهت الحكاية ؟؟! بالطبع لا!! .
الأب يصيح مزمجرا متوعدا مهددا الأم بالطلاق والويل والثبور لأنها لم تحسن تربية ابنها ، وليست أهلا للثقة وقد خرج "ابنها" بهذا الشكل المنحرف المختلف عن بقية "أبنائه " السبعة ، الذين كانوا مابين طبيب ومهندس ومختص في التاريخ، الأعمام أعلنوا أنهم قطعا لن يتدخلوا لأن الأب يعرف ماذا يفعل مع أولاده !، وهذا شأن داخلي لاعلاقة لهم فيه ألبتة ، الجد طاعن في السن ولايستطيع أن يفعل شيئا ، والجدة والدة الأم مقصاة عن البيت والأولاد منذ قرون ، فهي امرأة سوء تعلم ابنتها على النشوز لتخرج عن طاعة زوجها ، والأخوال الثلاثة لايريدون التدخل لأن هذا ليس من شأنهم ،فأولاد الأخت "شيء" بعيد وغريب لاعلاقة لنا بهم ، وليسوا كأولاد الأخ ! ، ثم إن أختهم نفسها طلبت إليهم عدم التدخل لكي لايتسبب ذلك في طلاقها ، وذلك على الرغم من أحدهم قال لها أن هذا الولد ابننا ولايجب أن يترك خارج البيت !، وكان يدور بسيارته في الشوارع والساحات والمستشفيات بحثا عن الولد ، ولكن أخته –وهي تنتحب – طلبت إليه أن يترك الموضوع لأن هذا تدخل من أهلها في سياسة زوجها مع أولاده! ، أما نساء العائلة فلايمكن لأي منهن أن تنبس ببنت شفة ، فهن نساء! ، حتى أن احداهن صادف ورأت الفتى في الشارع ولكنها لم تتجرأ على الاقتراب منه ولاالسلام عليه ، فضلا عن الحديث معه ، فهذا عيب وعار وليس من شأنها أصلا!.
.
هل انتهت الحكاية ؟؟ بالطبع لا !! بقيت جزئية سقطت ""سهوا"" من هذا السرد !! ، أن والد هذا الفتى نفسه هو مدخن بامتياز ، وأنه قضى كل شبابه في السهر خارج بيته حتى ساعة الفجر ، وأنه كان يترك زوجه العروس والدة الفتى وحدها طوال الوقت ليقضي أوقات فراغه في لقاآته مع أصحابه وخلانه يدخنون "النرجيلة" و يأكلون ويشربون ويلعبون "الورق" و" النرد" ، وأحيانا يدخلون الملاهي لرؤية الراقصات والاستماع إلى بعض المطربات !! ، ويجب أن نعترف بالحق فإن هذا الأب وعلى الرغم من ذلك ماكان يعود إلى بيته إلا بعد أن يؤدي الصلاة حاضرا في المسجد جماعة يوميا !! ، هذا حق يجب على الجميع الاعتراف به ! ، أيضا سقط من الحكاية أن الأب ..هذا الأب الذي طرد ولده من البيت ليلة البارحة ، كان يخرج مع أكثر من خمسة عشر فتاة وامرأة منذ كان في سن الثانية عشرة وحتى مابعد زواجه بخمسة عشرة عاما ، تزوج منهن ثلاثة .
هذا الأب كان يضرب زوجته ضربا مبرحا كلما سألته أين يقضي لياليه ، وكان يهجرها الأيام والأسابيع والأشهر قبل هذه الهجرة "التربوية" الأخيرة قبل خمسة أعوام منذ تزوج بزوجته الثالثة ، وكان يمنع زوجته -الاولى فقط- من الخروج من البيت أحيانا لمدة تمتد أشهرا ، ويمنعها من زيارة أهلها ، ومايفتأ يقرعهم ويهينهم وينزل بهم جميع أنواع سخطه بسبب أنهم لم يحسنوا تربية ابنتهم هذه التي تزوج بها ولما تتم السابعة عشرة من عمرها ، وعلى الرغم من أنها قضت في "كنفه" أربعين عاما فهو مازال يسب أباها المتوفي منذ عشرين عاما ، ويسب أمها المقعدة لأنها هي وأهلها سبب كل مصائبه وكوارثه وانحراف حياته ودمارها! ، والدليل على ذلك أن حياته مع زوجته الثالثة التي منعها من إنجاب الأولاد كانت رائعة مستقرة سعيدة هانئة!خاصة أنها مهندسة محترمة ، تجاوزت الخامسة والثلاثين من عمرها ، تدير له شؤون أمواله وأملاكه في صمت واستكانة، بعدما أعياها البحث عن زوج صالح ، حتى ساقت إليها أقدارها هذا الرجل المثالي المتدين ، والذي لاعيب لديه إلا أنه كان قد تزوج باثنتين من قبلها ولم يوفق معهما بسبب سوء أخلاقهما وأخلاق أهلهما!، أما الثانية فقد كانت "عاصية سافلة متكبرة" بسبب أنها كانت خريجة كلية الشريعة!! ، وتدعي أنها تفهم في الدين والحقوق والواجبات، لكنها لم تطعه كما كان يظن ولم تسجد بين يديه كما أراد ، نشزت عنه ، وحاولت التدخل في طريقة معاملته أولاده وزوجته الاولى ، ومافتئت تقرعه طوال الوقت بأن هذا يجوز وهذا لايجوز ، فطلقها وطرها من بيته بعد أن اضطرها إلى التنازل عن مهرها وحليها وكل ماكان قدمه إليها وإلى أهلها أثناء الخطبة ،وبعد أن أعادت له بيتا كان قد سجله باسمها لدى الزواج ، بل لقد اضطرها إلى توقيع أوراق تلزمها أن لاتتحدث عنه بكلمة ولاتؤذيه بعد الزواج ، ولاتتدخل لنصرة زوجته الأولى ولا أولاده ! ، ولولا ذلك لتركها معلقة مائة عام دون أن يرضى بطلاقها!.
هذا الأب لم يطرف له جفن قط وهو يمد يده ورجله بعد لسانه على جميع أولاده وبناته ، فقد نقلت إلى المستشفى ابنته التي تدرس الطب عدة مرات بسبب الضرب المبرح ، ذلك أن هذه بنت شاذة ومارقة لأنها كانت تقف حائلا بينه وبين أن يضرب أمها ، هذه العاصية الحقيرة "المنحطة" التي تمنع أباها حقه الشرعي في تأديب أمها!.
هذا الأب الذي قطع كل علاقة ممكنة بين أولاده وأهل زوجته ، بدعوى أنهم "أهل المرأة" ، وهم غرباء عن أولاده ، وحرمها من أي حق في الحياة والتعلم والنمو والمعرفة ، حتى أنه ماكان يسمح لها أن تجلس معه لرؤية مسلسلاته التافهة التي كان يتابعها بحجة أن لديها عملا في المطبخ دائما كان يجب أن تؤديه !!، و كان يصفع ابنه المهندس ذو الثلاثين عاما على مراى ومسمع من الأسرة ، ذلك لأنه أزعجه بعرض مشكلاته عليه وهو يقرأ ورده اليومي وتسبيحاته وتهليلاته، فالرجل والحق يقال متدين ، السبحة تجري بين أصابعه دون توقف معظم ساعات النهار وقطعا من الليل ، وهو يحج في كل عام مرة – على الأقل!!- ، ويتمسك بأستار الكعبة داعيا الله أن يغفر له ويتولى أمره .
هذا الرجل لديه أسرة قديمة سجينة قهره واستبداده وأهوائه ، لاينطق واحد منهم عن الهوى ، دون وحي منه واذن وايماءة ، وأسرة جديدة يروح عن نفسه معها ويخرج الى المنتزهات والسياحة ، ويعلم كل من هب ودب وأكل الحب أنه مثال الرجل المتألق مع زوجته الجديدة ، وقد أثبت للجميع – حتى أهل الزوجة القديمة - وبما لايقبل الشك أن السبب في كل مصائبه هي زوجته تلك التي لايستطيع ولاحتى طلاقها لأنها متمسكة بأبنائها "بنت الحرام" تمسك الروح بالجسد !!. وبين الأسرة القديمة الأولى ، وهذه الثالثة الجديدة برزخ من الأحقاد والآلام والمظالم والظلمات.
هل انتهت الحكاية ؟ بالطبع لا !! لأنه مامن إنسان على وجه هذه الأرض إلا ويعرف يقينا ماالذي حدث بعد أن طرد ذلك الوالد ابنه "الفاجر" من البيت ليلة الأمس ، ليلة رأس السنة الميلادية ، تلك الليلة التي تؤكد كل الدراسات والإحصائيات في العالم أجمع أنها الليلة التي يكون فيها التّماس الأول للشباب والشابات مع الكحول والمخدرات والعلاقات غير المشروعة ، الليلة الباردة شديدة البرودة التي لم يتعلم فيها كثير منا كيف يقدم دفئا للآخرين ومأوى في قلبه وفي تلافيف دعاواه الايمانية العريضة ، كما لم نتعلم أن ينظر الواحد منا إلى نفسه ولو مرة واحدة في المرآة ليتّهمها، ويعرف مسؤوليته الحقيقية عما يجري لفلذات أكبادنا الضائعين المضيعين الذين لانحسن إلا تقريعهم ولومهم وطردهم من بيوتنا وضمائرنا ، والتخلي عن مسؤولياتنا تجاههم ، نحن ..الذين نأكل الحصرم باستمرار دون أن نلقي بالا إلى حجم الظلم والظلمات والآلام التي نزرعها علقما في حياتنا وحياة الآخرين ، والتي لن تمر قط دون عقاب عاجلا أم آجلا .