كثيرون –وأنا منهم- من يشعر بحالة من الإحباط العام حول ما يجري ويدور حولنا من أحداث متسارعة ومتعاقبة ، خصوصاً أننا بدأنا نشعر بتجلي وانكشاف حالة انتصار الظالم ، وقلب الحق، وقهر الحقيقة.

في واقع الأمر ، هذا شعور وتفكير يراودني منذ سنوات ، ولكن بدأت أشعر به بقوة يتحكم في مركز التفكير في عقلي بشدة هذه الأيام ، خصوصاً مع الأحداث الغريبة والسريعة والمتتالية التي تمر فيها الكويت في السنوات الست الأخيرة ، لقد بدء كل شيء بالتغير وكأننا نجري نحو هاوية لا ندري أين ومتى نصل لقاعها .

ثم حولت تفكيري لبُعد أوسع من هذا، محاولة مني للتفكير خارج الصندوق – كما يطلق عليه- فوجدت أن الكون والعالم يعاني من نفس المعضلة !

ففي كل بقاع الأرض باختلاف الزمان والمكان واختلاف الحالة ، إلا أن هناك بشر يولدون ويموتون وهم إما مظلومون أو ظالمون !

فمتى يأتي وقت انتصار البطل، إذا كانت المسرحية قد انتهت بموت البطل وانتصار الظالم ؟

واستطرد هنا قليلاً لأبين سبب نشأة هذا التفكير الجدلي في ذهني ، كثير ما أتعرف أو أصادف بعض المتشككين أو من هم على أعتاب الإلحاد ، وللوهلة ومن الحوار الأول يتبين لي حقيقة الخير الذي في نفوسهم، والطيبة التي تغمر مشاعرهم ، وحبهم للوصول لليقين ، ولكن الواقع لم يطابق المفاهيم التي غُرست فيهم وهي أن الخير لابد أن ينتصر ، وهم لا يرونه انتصر فعلاً !

وهناك أسئلة شائكة يريدون الإجابة عنها عن طريق العقل والمنطق.

فاضطر كثير منهم للتخلي عن هذه المفاهيم التي يعتقدون أنها مثالية وغير حقيقية والبقاء حائرين، أو تبديلها "مؤقتاً" بشيء من المفاهيم المخدرة، كي يستطيع أن يتعايش مع الواقع.

وهنا، وأثناء البحث لإعداد برنامجي الإذاعي وكتابي القادمين واللذان يتناولان موضوع حول رحلة الشكل واليقين، تخيلت هذا التصور ..

لو أننا كنا في مسرحية درامية ، وكانت أحداث المسرحية تدور حول صراع بين الحق والباطل أو الخير والشر ، وانتهى الفصل الأول بانتصار الظلم وقهر للحق،  وأسدل الستار مؤقتاً استعداداً للفصل التالي ، هل هناك أحد من الجمهور سيترك القاعة ضناً منه أن المسرحية قد انتهت !

بالتأكيد لا، فلا بد أن هناك فصلاً يعيد الأمور إلى نصابها والحقائق لفطرتها، والجميع من حاضري المسرحية متيقن من أن كاتب المسرحية عاقل وواعٍ بما فيه الكفاية لينهي المسرحية بالشكل الطبيعي الصحيح لكي لا يصبح نصه عبثاً ولعباً.

وهنا هل يمكن أن نتصور أننا ننزه كاتباً ومخرجاً مسرحياً عن العبث في أحداث قصة نراها على خشبة المسرح، ولا ننزه خالق الخلق عن خلق كل هذا الكون عبثاً مبتور النهاية ؟

إن الحياة وإن شبهناها بمسرحية – للتوضيح- فهي مكونة من ثلاث فصول ، أولها هذه الدنيا التي نعيشها ، وثانيها هي الفصل الانتقالي التمهيدي للفصل الختامي الثالث وهي حياة البرزخ في القبر، أما الفصل الختام فيكون فيه إعادة الأمور إلى نصابها وإسدال ستار المسرحية بالطريقة المنطقية الطبيعية التي يتصورها أي عقل بشري قائم على الفطرة.

لذلك بعد هذا التأمل والتصوير، استطعت أخيراً من الشعور بالطمأنينة من أنه لا بد وأن ينتهي كل شيء بالشكل والطريقة السليمة – لم أشك في ذلك ولكن كما قال إبراهيم عليه السلام "ولكن ليطمئن قلبي"- ، فلا بقاء للظلم ولا فناء للحق مادامت فصول مسرحيتنا الكونية في تتابع مستمر للأحداث حتى يأمر الله.

استنتاج:

يظن الكثيرين أنه في الدنيا يكافئ كلٌّ على عمله ، وإن كان ذلك جزئياً صحيح ، ولكن هذا جزاء لا قيمة له سوى لزيادة الحبكة والتأثير الدرامي في نص القصة فقط ، أما الجزاء الحقيقي هو في النتيجة النهائية للقصة.

ولذلك يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافراً منها شربة ماء).

ويقول المولى عز وجل عن الفصل الأخير في الكون: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب }.

جعلنا الله ممن يجازون بالخير في الختام، ولا تغرهم الأماني في البداية.

ملاحظة: تشبيهنا بالمسرحية والنص والمخرج ، لا يعني أي شكل من الأشكال تشبيهاً مطابقاً لحكمة الخالق تعالى الله مع ذلك ، ولكن استخدمتها كمثال لتسهل الصورة والتبيان، فحاشاه أن نشبهه بخلق من مخلوقاته.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية