ما بال أقوام يستغلُّون صلاحياتِ المنصب للنفس والأهل والبطانة، ويستكملون الدراسات العليا بالغش والخداع والحيلة، وأهواؤهم وشهواتهم هي قوانينهم وضوابطهم، ويكتبون مقالات في الصحف لترسيخ مفاهيمَ تُغضب الله ورسوله، ويرون المنكر على أنه حرية شخصية؟!
ما بال أقوام يرون البدعة عبادة، والتخبُّط في الدين قياسًا أو اجتهادًا، ويحللون حُرمات الآخرين، ويغضبون لحرماتهم، ويخلطون الدين عمدًا بالمنطق الأعوج والفلسفة المضلّة، ويمكرون على الناس، ويتناسون أن الله خير الماكرين، ويعملون على تفريق هذه الأمة وتقسيمها إلى فرق ضعيفة ومتناحرة؟!
ما بال أقوام قلوبهم تتَّصف بعدم الصفاء، وصدورهم لا تسلم من الحقد والحسد والكره، ويسمون القيل والقال رأيًا، وكثرة السؤال حكمة، وإضاعة المال بناء، ويعتقدون أن المال عزٌّ، والاسم رفعة، والمكانة المجتمعية فخر، ويُظهرون خلاف ما يبطنون، ويسيئون الظن بالآخرين، ويرونهم بعين الريبة والشك؟!
ما بال أقوام يخوضون ويلعبون بأمر العامة وشؤونهم، ويتناسون يومهم الذي يوعدون، ويظنون أن السياسة هي ترك الساسة يرتجلون الرؤى والمواقف، ويتحدثون ويفعلون وكأنهم ليس لديهم رقيب وعتيد، وتتغير قيمهم بناءً على مصالحهم وأهوائهم؟!
إن النشاطات التي يقوم بها أهل "ما بال أقوام"، سواءً أكانت أقوالاً أم أفعالاً - تخلُّ سلبًا بتفاعلات المجتمعات المسلمة، وتخدش تراكماتها المعرفية، فتقلِّل من فاعليتها، وتحرك المجتمع نحو هاوية "دسّاها"، وتدفعها نحو طريق اللاطريق، فيصبح المجتمع سخيفًا، تحلو له التفاهة، ويصبح الفكر عبئًا عليه، والعقيدة الصحيحة ثقيلة عليه، فلا يحتملها ولا قيمها الراسخة.
حان الوقت أن لا تحدث هذه التغييرات صدفة، بل تكون موجّهةً نحو نتائج مرغوبة، ومن خلال تحقيق أهداف استراتيجية تؤثِّر في المجتمع وتحركه نحو القيم والأخلاق، ونحو العمل الجاد الدؤوب، وهذا بحد ذاته يضفي على الحَراك المجتمعي معنى مغايرًا ومختلفًا، بعد أن أصبح يستند على أسس مجتمعية راسخة، بدلاً من ثقافة الفوضى.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه وبقوة: من يقوم بهذا الدور؟ ومن يقوم بقيادة التغيير المجتمعي وإدارته؟ هل هي الدولة بمؤسساتها المختلفة، أو بمجالس معيَّنة أو منتخبة، أو من خلال جمعيات تطوعية ذات نفع عام، أو بتضافر هذه الجهود جميعها؟
أعتقد جازمًا أن المجتمع المسلم إن لم يحافظ على هُوِيَّته الإسلامية الحقيقية، فسوف يجد نفسه بين ضغوط عالمية، شأنه شأن أي مجتمع مسلم آخر؛ للتخلِّي عن ركائزه شيئًا فشيئًا؛ حتى يصبح مجتمعًا إمَّعة، يقاد ولا يقود، وهنا الخسارة الحقيقية لأي مجتمع مسلم، وأرجو من القلب تذكُّر: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120].
والله ربي هو المستعان.