لم يأت تقدم مجتمعات الدول الصناعية الكبرى ومؤسساتها من فراغ ؛ بل جاء نتيجة لعوامل يجب علينا أن نبحثها وندرسها ، ويأتي على رأس عوامل تقدم هذه الدول ثقافة الإدارة في هذه الدول وهي ثقافة إنجاز جماعي.
ويجب أن نتوقف عند كلمة جماعي كثيرا ، أي العمل بمنطق فريق العمل فعلا وليس قولا ؛ حيث نسمع كثيرا كلمة نحن و نادرا ما نسمع كلمة أنا، وحيث يشترك مختلف الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة في صنع القرار ولا ينفرد مدير بصنع القرار، وحيث يكون الجميع على دراية بمختلف المعلومات، وليس هناك احتكار للمعلومات ، فهناك اجتماعات دورية وغير دورية بين المدير ومرؤوسيه لتبادل الأفكار والمعلومات
وليس لقاءات استدعاء من جانب الرئيس للمرؤوسين وإصدار للأوامر والتعليمات، وحيث هناك شفافية فعلية وليس تكتم وانغلاق، وحيث هناك رأي ورأي آخر وليس رأي واحد.
وهناك تكامل بين أعضاء الفريق وليس تنافس، وهناك تنظيم شبكي بين أعضاء الفريق وليس تنظيم تدرجي سلطوي، وهناك احترام متبادل وليس قذف متبادل ، وهناك تقدير متبادل وليس بخس لقدر كل فرد من جانب الآخر، وهناك مشاركة فعلية بين الجميع في المكاسب والتكاليف وليس استئثار من جانب فرد أو أفراد محددين للمكاسب فقط بينما يتحمل أفراد آخرون التكاليف فقط .
وهناك مصالح عامة مشتركة بين الجميع وليس مصالح فردية متعارضة، وهناك تشجيع للمواهب وللأجيال القادمة وليس بذل الجهد لوأدها في صغرها ، وهناك بحث عن الأذكياء المجدين للاستفادة منهم ولإفادتهم أيضا وليس البحث عن الأغبياء أو البحث عن الأذكياء لاستنزافهم فقط . ومن ثم هناك وفاء متبادل بين الجميع وليس جحود.
وتحتاج المجتمعات التي ترغب في التقدم إلى تنشئة مجتمعية حقيقية من خلال مختلف وسائل الإعلام والثقافة والتعليم عبر الإنترنت والفضائيات والمسارح والسينما والكتب والمقررات الدراسية والقوانين إلى نشر قيم ومعتقدات ثقافة فريق العمل للوصول إلى القيمة الجوهرية لهذه الثقافة المتمثلة في تصاعد الجماعية وتراجع الفردية ، والإدارك بأن جميع الأفراد يكسبون معا أو يخسرون معا ؛ حيث تتراجع ثقافة المباريات الصفرية والتي تعني أن مكسب فرد هو خسارة للفرد الآخر ، وحيث تتراجع قيمة الفردية التي تنتشر في المجتمعات الأقل تقدما؛ فثقافة فريق العمل تقود إلى سيادة روح الفريق التي تجعل أعضاء هذا الفريق يتبادلون الأدوار بشكل منسق وبطريقة تكاملية تقود إلى النجاح والتقدم ؛ وهكذا فإن مجتمعات الدول المتقدمة لم تتقدم من فراغ .