على الرغم من حداثة عهد المسلمين في السويد مقارنة ببعض الدول الغربية التي هاجر إليها العرب والمسلمون قبل مائة سنة كفرنسا مثلا , إلاّ أن الديانة الإسلامية أصبحت الثانية في السويد بعد المسيحية .
و تقرّ القوانين السويدية بأحقيّة أداء المسلمين لكل مناسكهم و شعائرهم بدون نقيصة , بل إنّ الحكومة السويدية تقدم دعما بملايين الكرونات للمجلس الإسلامي الذي هو هيئة إسلامية تضم بين ظهرانيها عشرات الجمعيات الاسلامية . وللمسلمين في السويد مساجد في كل المحافظات السويدية بدءا من العاصمة السويدية أستكهولم و مرورا بمالمو في جنوب السويد إلى أوبسالا ويوتوبوري وهي من المدن الكبيرة الآهلة بالسكان .
ولدى بداية شهر رمضان تعلن عن ذلك الجمعيات الاسلامية التي تبادر أيضا إلى توزيع مواقيت الإمساك والإفطار , وتعلن عن فتح المساجد لأداء صلاة التراويح أو الأداء الجماعي للأدعية والأذكار كما تعودّ عليه المسلمون في بلادهم ,أما وسائل الإعلام السويدية فهي تشير إلى بداية شهر رمضان عند المسلمين و خصوصا القناة الأولى السويدية التي تعودّت أيضا على نقل صلاة عيد الفطر لدى إنقضاء شهر رمضان .
و بدورها المحلات العربية و الفارسية والتركية وغيرها فإنهّا تتفنّن في بيع ما تعودّ عليه المسلمون في بلادهم من مواد غذائية وحلويات وكل ما له صلة بالعادات والتقاليد في شهر رمضان .
وإذا كان الكهول وكبار السن من المسلمين على دراية تامة بأهمية شهر رمضان فإنّ المشكلة في الأجيال العربية والإسلامية التي ولدت في السويد والتي إنفصلت بشكل كامل عن المناخ والنسيج الثقافي الإسلامي وأندمجت كلية في المجتمع السويدي , حتى أنّها فقدت اللغة والعادات والتقاليد ,وهذه الفئة من الناس لا تعرف من شهر رمضان غير أنه إمساك إضطراري عن الطعام .
و يحزّ في النفس أن يجد المرء أشخاصا يحملون أسماء محمد و خالد وعلي وعمر وهم ينتهكون حرمة هذا الشهر بكل أنواع المحرمات التي تخطر على البال والتي لا تخطر ,الأمر الذي يجعل بعض السويديين وخصوصا في المدارس يسألون هؤلاء عن سبب عدم تطبيقهم لفرائض الاسلام ,وكأن السويديين أكثر فقاهة من الأجيال العربية والمسلمة التي فقدت هويتها ولم تكتسب حتى هوية الأخرين .
و إذا صادف وأن حلّ شهر رمضان في فصل الشتاء كما هو الآن فإنّه يكون يسيرا على المسلمين إذ أنهّم يخرجون من بيوتهم إلى العمل أو الدراسة ويعودون إلى بيوتهم في الساعة الثالثة ظهرا ويكون عندها قد حان وقت الإفطار لأنّ الظلمة تطل على الناس في الساعة الثالثة بعد الظهيرة مباشرة ,وبإعتبار أن المرأة كالرجل في السويد في كافة الحقوق والواجبات فإنّ المرأة بدورها تغادر بيتها للعمل أو الدراسة وتبرز عندها مشكلة كيفية إعداد الافطار وقد يكون المنقذ الوجبات الخفيفة أو إعداد الافطار ليلا بعد أن يكون الأطفال قد توجهّوا إلى النوم .
ولأن العربي والمسلم لا يستطيع إطلاقا تناسي أنه قدم من الشرق فان أول شيئ يقتنيه فور وصوله الى السويد هو الهوائي المقعر –البرابول- حيث يرتبط رأسا بمسقط رأسه و مسقط عاداته وثقافته ,وتوفر له القنوات الفضائية العربية بعض البرامج الترفيهية في شهر رمضان .
وعلى المسلم وهو يتابع هذه البرامج أن يراعي النظم السائدة في السويد فلا يجوز له إطلاقا إزعاج الجيران بعد الساعة العاشرة ليلا وذلك من خلال فتح الحنفيات أو الإستحمام أو رفع صوت الشاشة الصغيرة فقد يلجأ الجار المنزعج إلى استدعاء الشرطة و عندها تسجل نقطة سيئة على هذا الذي يزعج غيره ,أما أيام السبت والأحد فكل شيئ مباح بما في ذلك طقطقة القدور والإستحمام بعد منتصف الليل .
وإذا كان العرب والمسلمون قد تعودّوا في بلادهم على الإفطار الجماعي والدعوات الجماعية والتزاور بين العائلات ,فإن هذا الامر يكاد يكون منعدما بين العوائل المسلمة في السويد حيث دخلت إعتبارات عديدة في إعادة صياغة أخلاق المسلم في السويد ,وحتى الرافض للتغيير والتغّير فإن المجتمع السويدي يملك كل القدرات لتغيير الأفراد والمجموعات المسلمة بالتقسيط وعلى دفعات ,ليجد المسلم نفسه قد تطبعّ بطباع المجتمع الجديد دون أن يشعر .
وإذا كان بعض المسلمين حريصين في شهر رمضان على تأصيل قيم هذا الشهر في نفوس أولادهم ليكون أولادهم على صلة بقيمهم ودينهم فإن أخرين أزاحوا من ذاكرتهم وحياتهم كل ما له علاقة بشهر رمضان وأصبحوا فرنجة أكثر من الفرنجة أنفسهم .
ويفتقد المسلمون في السويد إلى الرعاية والإشراف المتقن حيث تصدّى لهذا الأمر قوم لا علاقة لهم بالفكر الإسلامي الحضاري و لا بالفقه الإسلامي في أبعاده الحضارية والإستراتيجية الأمر الذي أنعكس سلبا على الجالية المسلمة وجعلها تتراجع للأسف الشديد ,وما يفتك الظهر حقا هو الخلاف الشديد بين المدارس الاسلامية الفقهية حول بداية شهر رمضان وما يتفرع عنه من خلافات كبيرة , وكثيرا ما تحتفل هذه الطائفة المسلمة بعيد الفطر فيما تواصل الطائفة الأخرى صيامها وسط فرقة واضحة للعيان وكلّ يدعّي أنّه المحّق في مسلكيته ,هذا وناهيك عن غياب التنسيق الفعلي بين مختلف الجمعيات الإسلامية للنهوض بالمسلمين في السويد و قد أصبح في كل مدينة سويدية تقريبا مسجدان واحد لهذه الطائفة المسلمة والثاني لأخرى الأمر الذي جعل بعض المسؤولين السويديين يتساءلون أليس الإسلام دينا واحدا بشرّ به نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام و في بداية المطاف إحتار هؤلاء السويديون مع من سيتحدثون في قضايا تتعلق بالمسلمين .
و إذا صادف وأن جاء شهر رمضان في شهر الصيف فتلك الطامة الكبرى بتعبير بعض المسلمين , فالمغرب يمتد أحيانا الى الساعة الحادية عشر ليلا حيث يشق الصيام على المسلم في مثل هذا الوقت , ولذلك يلجأ الكثيرون الى السفر حتى يصدق عليهم قوله تعالى (من كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) .
لكن رمضان هذه السنة يبدأ بظلمة قد تستمر في ظل غياب الشمس إلى ظلمة الغروب وبين الظلمة والظلمة ضوء ايمان يسطع من شمال العالم يؤكد أنه لو خلت من الصالحين لخليت.