مما قرأت يوماً واستهوتني فكرته على تويتر وسماً بعنوان (شارك بفكرة)، ووجدت عدداً لا بأس به من الأفكار الإيجابية الجميلة، وهي بسيطة للغاية إلا أن الناس غفلوا عنها، وأهملوا شأنها، وهي أقرب إلى العمل التطوعي أكثر، ومن يدري فقد تطبقها أنت، ويكتب لك أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة..
وبالمناسبة بما أن المقال يمس العمل التطوعي الخيري، فإن مؤسس فيسبوك زوكربيرغ البالغ من العمر31 عاماً وزوجته قد تبرعا بـ 99 بالمئة من ثروتهما في أعمال خيرية وسط احتفائهما بقدوم ابنتهما(ماكس) ما رأيكم بهذا الكلام؟ـ
وأرجو ألا يسأل أحد هل ستنفعه في الآخرة وهو ملحد وينحدر من عائلة يهودية؟ فما يهمنا الآن هو مبادرته ونفع الناس في حياتهم.
حينما فكرت زبيدة بنت جعفر المنصور زوج هارون الرشيد بحفر آبار لمياه الشرب على طريق الحج بين بغداد ومكة المكرمة، وكانت فكرة مكلفة آنذاك. هل فكرت من سيشرب منه وكم؟
مازال الطريق يحمل اسمها في منطقة القصيم.. وذهبت زبيدة وبقي الطريق، والأجر إن شاء الله. وعندما كلف الخديوي سعيد ميزانية مصر وأرهقها بشق قناة السويس، وهي فكرة مهندس فرنسي(فرديناند دولسبس) استطاع إقناع الخديوي بالموافقة على شق القناة.. ربما لم يضع في حسبانه أنها ستصبح من أهم المنافذ البحرية في العالم، وكم ستدر على مصر مقابل ما أنفقته حكومته آنذاك. وفي إحصائية حديثة حول دخل القناة، بلغ إجمالي دخلها للعام 2015 قرابة 39 مليار دولار، على الرغم مما سببته من آلام الصداع لحكام مصر منذ عبد الناصر والسادات ..
كانت فكرة.
وعندما أوشكت إحدى شركات الطيران الأمريكية على الإفلاس، اجتمع مديرها بجميع العاملين فيها، بحثاً عن أفكار تحول دون وقوع الكارثة وبالتالي تسريح العاملين، فقدم أحد العمال فكرة، هي أن يتم تقديم حبتي زيتون بدلاً من ثلاث حبات في وجبة الإفطار لكل مسافر، وفعلاً طبقوها، فوفرت عليهم الكثير من المال، وحصل ذلك العامل على مكافأة مجزية. كانت فكرة.
أعلم أن الناس حيال موضوع الأفكار الإيجابية والعمل الطوعي ينقسمون إلى ثلاثة أصناف: صنف أناني متذمر ولا يؤثر على مصالحه الخاصة شيئاً، وصنف آخر يخشى من سرقة أفكاره، وهذا حق له، وعلى الجهات المنفذة احترام الحقوق الفكرية ومراعاة الملكية الفردية، والإشادة بأصحابها لتعزيزهم، أليسوا متطوعين؟
وأما الصنف الثالث: فهو يشتكي من قلة التطبيق، فهو يقدم الأفكار ولا تُطبق. وهذا حاصل فعلاً..
وإنني في الوقت ذاته أحترم جداً من يبيع أفكاره للآخرين بمقابل أيضاً، فالمبرمج حينما يصنع برنامجاً حاسوبياً يكلفه عدة أيام من السهر والتعب والقلق، غير مستعد للتضحية به أمام شركة برمجيات عملاقة تصل أرباحها إلى بلايين الدولارات مثلاً..
وإنه لمن المؤسف جداً أن تفتح اليوتيوب وتجد أبناء الشعوب الأخرى من غير المسلمين يقدمون أفكاراً ودروساً تعليمية وتدريبية في مجالات عدة على اليوتيوب بالمجان، في حين تجد نصيبنا نحن العرب قليل جداً مقارنة بالآخرين.. حتى أنك تجد المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية بشكل عام قليل وضحل أمام المحتويات الأخرى. أين أفكارنا؟ لم نحتفظ بها حتى تفقد صلاحيتها؟
أرسلت لنا المدرسة الابتدائية التي تدرس بها ابنتي الصغرى طلباً شفهياً أننا بحاجة إلى أفكار للارتقاء بالمدرسة أكثر، فهناك طالبات لا يجدن مصروف الصباح، وبعض الطالبات حسب ما نقلت لي ابنتي ليس لديهن معاطف تقيهن البرد.. فتواصلت مع المدرسة، مقدماً بعض الطروحات التي لاقت بفضل الله تعالى قبولاً، وأسأل الله تعالى أن يثيبنا عليها.
وكنت أستمع إلى صغيرتي وأستدعي في الوقت ذاته مقطعاً على اليوتيوب لمعلمة أرادت تفتيش حقائب طالباتها بشكل مفاجئ، فامتنعت إحدى الصغيرات وكانت على وشك البكاء، أمام إصرار المعلمة على فتح الحقيبة إلا أن دخول المديرة المفاجئ أنقذ الموقف فأخذت الطالبة إلى الإدارة وطلبت منها بهدوء أن تفتح حقيبتها فلما فتحتها كانت المصيبة أن الصغيرة تجمع في نهاية الفسحة بعد دخول الطالبات إلى الصف بقايا السندويتشات وفتات الأطعمة من الأرض فتضعه في حقيبتها فهي لا تريد لأحد أن يراها، ففوجئت المديرة بذلك ولما سألتها عن السبب كانت إجابة الصغيرة بدموعها قبل كلماتها أن أباها مسجون ولديها أخوات لا يجدن طعاماً.
وإنني إذ أضع مثل هذا الطرح في ناشري ليضع الجميع نصب أعينهم أعضاءً وزوّاراً أننا راحلون عن هذه الحياة لا محالة، ولا نترك خلفنا إلا الذكر الطيب:
وارفع لنفسك قبل موتك ذكرها = فالذكر للقرآن عمرٌ ثانِ
فمن كانت لديه فكرة ما، ولو كانت بسيطة فلا يبخل بها، ويحتسب أجرها فربما كانت سبباً في رضى الله تعالى عنه. وكم من العقول والأفكار ماتت وصارت نهباً للتراب ولم يستفد منها على الإطلاق.
أنت تطرح الفكرة، ولا عليك بالتطبيق فسيأتي اليوم الذي تطبق فيه فكرتك، وإن سرقت ولم تنسب إليك فهي عند الله محفوظة فلا تقلق.
سئل مفكر أمريكي في اجتماع عن أماكن الثروات في العالم، فقال: في المقابر؟ فلما سألوه، قال كم من العقول المفكرة والطاقات البشرية الهائلة الآن تحت التراب.