قد تبدو الكلمات غريبة بعض الشيء، لذا دعوني أخبركم عن معنى هجين في المعجم العربي، ولن أتطرق لكل المعاجم، إلا أن الغالب حول معنى تلك الكلمة هو أنها نتاج زوجين أو صنفين مختلفين من أي مادة، قالت العرب: الولد الهجين هو من كان أبوه عربياً وأمه أعجمية، وكان ذلك عيباً عند العرب، والأمر مختلف بالطبع الآن، و قالت أيضاً: اللبن الهجين هو اللبن ليس بصريح و لا لبأ، يعني بين بين، والهجين من الخيل: هو ما تلده برذونة من حصان عربي(لسان العرب).

أما العربيزي، فكما ترون أنها منحوتة والنحت في اللغة هو الاشتقاق واختيار حروف الأصل من عدة كلمات ودمجها في كلمة واحدة فنقول: البسملة: بسم الله الرحمن الرحيم، والحوقلة: لا حول ولا قوة إلا بالله، والحيعلة: حي على الصلاة..إلخ.

 

وأما من أين جاءت تلك الكلمة الغريبة علينا نحن أبناء العربية، ومع ذلك فهي كثيرة التداول في الأوساط العربية ولا سيما مع التقدم السريع في التكنولوجيا والفضاء الإلكتروني والرقمي وأجهزة الهواتف الذكية، فتكونت لغة هجينة بالفعل عن طريق الخلط بين كلمات ومصطلحات باللغة الإنجليزية وأخرى باللغة العربية، فتراسل الناس بها في مواقع التواصل الاجتماعي: الفيس بوك وتويتر وفي رسائل الوتساب بحجة أنها أسهل استخداماً من اللغة العربية أو اللغة الإنجليزية على حد سواء، ومفاد قولهم أنك ما دمت تفهمني فليس هناك من داع أن أفصل لك في كل شيء، فيكفي أن أقول لك: (ثانكس) بدلاً من شكراً، و(أوكي) بدلاً من تم أو نعم، و(فري نايس) بدلاً من لطيف جداً، و(لوكيشن) بدلاً من موقع وقد سمعت الأخيرة كثيراً من الأمهات يتداولنها على الرغم من عدم اطلاعهن على أصلها في الإنجليزية، وكثير من الناس يرى في استخدامها شيئا من التقدم والرقي يطلقون عليه اسم (برسيتج)،  ويخشى بعضهم أن يحدثه الآخرون بها فلا يفهم ما يقصدونه، فيتهم بالرجعية والتخلف. وأنها لغة التواصل أو (التشات)، طبعاً هي خليط غير متجانس من لغتين بعيدتين كل البعد عن بعضهما، ومن العربيزي ما هو منطوق ومنها ما هو مكتوب، وقد أوضحت أشواق كنالي – ماليزيا في مقالة لها بعض تلك الكلمات فمما جاء فيها:

الاختصار (ok) والمقصود (Okay) وبالعربي حسناً وبالعربيزي (أوكي)

(LOL) والمقصود (Laughing Out Loud) وبالعربي أضحك بصوت عالٍ وبالعربيزي (لول).

(BRB) والمقصود (Be Right Back) وبالعربي سأعود قريباً وبالعربيزي(برب).

(TC) والمقصود (Take Care) وبالعربي اعتنِ بنفسك وبالعربيزي (tc)

والأمثلة كثيرة جداً.

كما يقوم كتّاب هذه اللغة الهجينة كما سميتها في عنوان المقالة باستبدال بعض الكلمات برموز وأرقام للدلالة على مقاصدهم، ومن العربيزي المكتوب ما يلي:

ء = 2

ب = b

ت = t

ث = th

ج = j

ح = 7

خ = 5

وهكذا جميع الحروف العربية لها ما يقابلها من الرموز التي تجمع بين اللفظين العربي والإنجليزي نطقاً ودلالة.

ولك أن تتصور عزيزي القارئ العربي حجم المعاناة التي سوف يحملها هذا الجيل من أبنائنا وهي ذات شقين: الشق الأول: بعدهم عن لغتهم وطمس هويتهم وانتمائهم، والشق الثاني: ابتعادهم عن الإنجليزية التي يجب إتقانها في العصر الحديث، فلا عمل في المستقبل لمن لا يجيد الإنجليزية، وأنا لست ضد تعلم اللغة الإنجليزية إطلاقاً، بل أسعى دائماً لإتقانها بما استطعت، ولكن أن تُعلم وفق أصولها بعيداً عن الدمج والتهجين الذي يضر بلغتنا العربية الأم التي كرمها رب العزة والجلال بقوله: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) يوسف/2.

كما كرم الله هذه الأمة بتلك اللغة وما تلك اللغة إلا إحدى مقومات بقاء الأمة، وهويتها وانتماؤها فهل ينبغي علينا تجاهل الأصل لتعلم الفرع؟ ولننظر إلى الأمم الأخرى التي تحرص على تعلم الإنجليزية بصفتها الأكثر استخداماً في الطب والهندسة والعلوم والبرمجة والمحاسبة وغيرها، هل تجاهلت هذه الأمم لغتها الأصلية واستبدلتها بالإنجليزية؟ بالطبع لا. رأيت الهنود يتحدثون الإنجليزية للعمل والتواصل، ويتكلمون بينهم بلغتهم الأصلية (الهندية) على الرغم من انقسامها إلى عدد كبير من اللهجات في مختلف أنحاء الهند.

وأما الدافع الذي أراه وراء انسياق هؤلاء الذين يتحدثون تلك اللغة نطقاً وكتابة فهو التطور السريع لبرامج التواصل الاجتماعي، وسيل المعلومات الجارف والسريع الذي وضع الناس على المحك إما أن تواكب التقنية أو تبقى مراوحاً في مكانك إلى أن يشاء الله تعالى. فسهل انتشار تلك اللغة الهجينة في الدردشات وفي برامج المحادثة الشهيرة على الهواتف الذكية المحمولة، كما أن الدارسين في الغرب من أبناء العرب حاولوا نقل كثير من المفردات نتيجة احتكاكهم المتواصل مع أهالي تلك اللغات فدمجوا بين الاثنين ببراعة وإتقان، وأما حجتهم في التعود على ذلك فهي مردودة عليهم بلا شك، فهل يتحدث هؤلاء مع مواطني الدول التي يعيشون فيها تلك اللغة ؟ لا إنهم يحدثونهم بلغتهم الأصلية فقط سواء كانت إنجليزية أم فرنسية أم ألمانية ...إلخ.

أقول دائماً: ينبغي علينا أن نتعلم حسب الحاجة، ولا نتطفل على اللغة العربية بمفردات يظن بعض متشدّقيها أنهم يلجؤون إليها من باب الوجاهة والرقي أثناء إيرادها في مجمل حديثهم، ولا يفوتني أن أذكر أنني حضرت بحكم العمل عدداً من الاجتماعات كان المتحدثون فيها يتبادلون عبارات مطعّمة باللغة الإنجليزية وبالتحديد العبارات المصرفية والتعاملات البنكية بشكل خاص، بحجة أن العربية لا تسعفهم بذلك، وفي الحقيقة هذا الكلام غير دقيق، فاللغة العربية لغة ثرية واسعة، وفيها من المفردات الكثير والكثير جداً بما يكفي ويسد كافة احتياجات المتكلمين بها، وإن الجيل القادم ليقف في المنتصف فلا يدري إلى جانب أي فريق سيقف؟ هل يتحدث الإنجليزية ويهمل العربية فيتغرب أم يتحدث العربية ويهمل الإنجليزية فيبقى عاطلاً عن العمل؟

الدور المنوط بالمعلمين ووسائل الإعلام والصحف والمجلات ومواقع الشبكة العنكبوتية أن تقف حيال هذه الظاهرة بكل صرامة كيلا نفقد هويتنا ويضيع أبناؤنا من بين أيدينا، وأعزو جزءاً من المشكلة إلى مجامع اللغة العربية التي لم تسع في إيجاد البديل من خلال تنشيط حركة التعريب واستبدال الكلمات بما يوافقها في اللغة العربية الأم، ولا أشك أن لغتنا غنية جداً، وإننا لا نستخدم منها إلا القليل من المفردات.

يقول ابن خلدون:" قوة اللغة في أمة، تعني استمرارية هذه الأمة بأخذ دورها بين بقية الأمم، لأن غلبة اللغة بغلبة أهلها، ومنزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم" معاذ ملكاوي صحيفة سرايا الإلكترونية – الأردن. (العربيزي: موضة أم انهزامية) 2015.

وفي القديم كان الطلاب الأوروبيون يتفاخرون بتعلم العربية ويتحدثون بها في مجالسهم، لأن الأمة كانت أقوى والغلبة للقوة دائماً، وأما اليوم في الأمر جد مختلف حينما أصابنا الضعف أول ما أصابنا في لغتنا فركضنا لاهثين وراء الأمم الأخرى بحجة أن لغتنا لا تواكب العصر، وما قوة اللغة الإنجليزية اليوم إلا من قوة الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى وتفوقها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ولا أحد يدّعي أن متحدثيها أكثر لذلك سادت العالم، وإلا فالصين أكثر عدداً، والغلبة للقوي. "إن القوي بكل أرضٍ يُتّقى"

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية