أحيانا، وبدافع الخوف، نمنح أشياء بطولة لا تستحقها؛ الكورونا على سبيل المثال!
هو فيروس خَطِر ولا شك، وقاتل في بعض الحالات، وحريٌّ بنا اتقاؤه ما استطعنا. لكن التمادي في خشيته يحوّله من مجرد فيروس إلى كابوس!
هذا العالم مليء بالأخطار، ومَظنّات الألم، ومزالق الخوف. هذه طبيعة الحياة الدنيا، وهذه الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها أن نتمنّى الدار الآخرة ونسعى لها سعيها.
لا شيء يمكنه أن يحرّر الإنسان من المخاوف التي تنتهبه إلا إدراكه لآليةِ حدوثِ المقادير. حينما يكتب الله أنّ فلانا سيتألم ألما قدره كذا (على افتراض أن هناك وحدة لقياس الألم)، فإنه سيتألم ما كُتب له أن يتألم. قد يتألم بالكورونا، أو بعلّة أخرى، أو بفجيعة، أو بخيبة، أو بفقد ... الخيارات جمّة. المهم أنّ نصيبه من الألم آتيه لا محالة. وقد يصادف أن ينال شخص نصيبه المقدور من الألم بالكورونا، وينال شخص آخر نصيبه بفقد عزيز مثلا. الجوهر واحد، السبب اختلف. وكما قال الشاعر:
ومن لم يمتْ بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحدُ
وموفّق مَن يعرُج من التعرّف على السبب، إلى التعرّف على المسبب؛ رب الأسباب جلّ وعلا.
هنا، يوقن الإنسان أنّه لو عاش في قُمقم معقّم، فإن الكورونا سيأتيه من حيث لا يحتسب إن كان هذا ما قضاه الله. لا يردّه إلا الدعاء كما جاء في الحديث. فعلامَ إهلاك النفس بالمخاوف التي تستطيع إلينا سبيلا إلا بمشيئته العليا؟
في بعض الأحيان، نُعاقب حينما نخاف من شيء أكثر من خوفنا من الله. كما قال ابن القيّم: "من خاف غير الله، سُلّط عليه." وهذا بالضبط ما يفضي إليه المثل الشعبي: "اللي يخاف من العفريت، يطلع له". يبدو أنّ هذه عقوبة مرضٍ لا يفطن له الكثيرون، مرضِ خشية الأسباب. نسمع عن أولئك الذين كادوا يحولون بيوتهم إلى ثكنات عسكرية-صحية، بل واخترعوا إجراءات وقائية إضافية إمعانا من توقّي المرض المرعب. ثم أتاهم المرض بطريقة غير معلومة وهم في بروجهم المشيدة. هذه خطيئة.
وخطيئة أخرى مثلها، تمترسُ الإنسان بالاحتياطات مع الظن أنّها هي ما ستنجيه. وهذا الاغترار يُعالج أحيانا بزيارة تفقدية فجائية من الكورونا! وكما قيل: "من أحب غير الله، عُذّب به. ومن رجا غير الله، وُكل إليه". نتوخّى الأسباب، لكننا لا نمنحها حولا ولا قوة، لا نركن إليها، لا نؤلهها.
فيروس مثل الكورونا لا يستأهل كل هذه البطولة والتبجيل، البطولة -كل البطولة- لنا نحن حينما نضع الأمور في نصابها، ونعطي الأشياء حجمها الصحيح. البطولة لنا -كل البطولة- حينما نعرف كيف أن الأسباب لا تضر ولا تنفع، لأنها -وببساطة- لا إرادة لها ولا سلطان.
ختاما:
اتقِ السبب، بتقواك لرب الأسباب.