إن شباب أي أمة منها بمنزلة الجسد الذي يحفظ الروح، وإذا كانت الحياة لا تكون إلا باجتماعهما، كان من الواجب المحافظة على ذلك الجسد والاهتمام به أشد الاهتمام، فكلما كان الجسد قوياً صحيحاً معافى كانت الحياة كريمة عزيزة.
والتخلق بأخلاق الإسلام وأخلاق رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم هي ما يجب أن نعلمه لشبابنا، فيجب أن يتعلم شبابنا معنى الرجولة والمروءة، والأمانة، والصدق، والشجاعة، والكرم، والإيثار، وحب العلم، والعمل والاجتهاد، وتحمل المسئولية، وأن ننأى بهم عن أخلاق ذلك العصر الذي كثرت فيه الخيانة، والكذب، والجبن، والبخل والميوعة، والتخنث، والتنصل من تحمل المسؤولية، والمطالبة بالحقوق وإهمال الواجبات.
فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجلى فيه خلق الرجولة وتحمل المسئولية منذ صغره، فلما أصبح رجلاً، وبعثه الله تعالى نبياً ورسولاً، طلب كبراء قومه من عمه أبو طالب أن يغريه بالمال والجاه والدنيا ويصده عن دعوته، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن أجابه قائلاً: (والله ! لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك دونه) [1].
وكانت حياته صلى الله عليه وسلم عبارة عن سلسلة من المواقف التي تدل على الرجولة، والشجاعة، والبطولة، وتحمل المسئولية.
ونحن هنا نريد أن نلقي الضوء على نماذج لنشأ تربى على الأخلاق، والرجولة، وتحمل المسئولية، ليتعلم منهم أبنائنا وشبابنا.
أمثلة لذكاء ونبوغ الشباب:
- امتحان الخليل
قيل إن رجلاً جاء بولده إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي ليمتحنه، ويضعه في الصف المناسب له، فقال له الخليل: يا غلام ! صف لي هذه الكأس.
فقال: أأمدحها أم أذمّها؟
قال: امدحها "وهي من زجاج".
فقال: تريك القذى، وتقيك الأذى، ولا تستر ما روى.
فقال: ذمّها.
فأجاب: سريع كسرها، بطي جبرها، مؤلم جرحها.
فقال: صف لي هذه النخلة.
فقال: بمدح أم بذم؟
قال: امدحها.
فقال: ناضر أعلاها، حلو مجتناها، باسق منتهاها.
فقال: ذمّها.
فقال الغلام: صعبة المرتقى، بعيدة المجتنى، محفوفة بالأذى.
فقال له الخليل: يا غلام ! نحن أحوج إلى أن نتعلم منك. وفيه تواضع المعلم، وحسن تقدير الطالب.
- الغلام والخليفة:
وهذا غلامٌ آخر يتصدَّر وفداً إلى هشام بن عبد الملك فيغضب، ويقول مخاطباً حجّابه: أتدخلون عليّ من أراد حتى الصبية؟!
فقال الغلام: السلام عليكم يا أمير المؤمنين ! فردّ الأمير السلام.
فقال الغلام: أيها الأمير! إن دخولي عليك لم يضرّك وقد شرفني والقوم أتوك بحاجاتهم، وهي بين طيّ ونشر. فإن شئت طويتها وانصرفنا، وإن شئت نشرتها.
فقال: انشرها.
فقال الغلام: لقد أصابتنا ثلاث سنين عجاف، سنة أكلت اللحم، وسنة أذابت الشحم، وسنة دقت العظم، وقد بلغنا أنَّ لديك فضول أموال فإن كانت للناس فوزعها عليهم، ولا يحقُّ لك حبسها عندك، وإن كانت لله فوزعها على عباده، فما كان لله فهو لعباده، وإن كانت لك فتصدَّق بها على المحتاجين، والله يحبُّ ويجزي المحسنين.
فقال: والله ما تركت لي مخرجاً، ولا حجة، ولا حيلة. وأعطاهم ما يريدون، وفرض له مبلغاً، ردَّه الغلام على قومه، ولم يرض أن ينفرد به.
- البحتري يمتدح غلاما:
وهذا الشاعر البحتري يرى غلاماً في مجلس الأمير، وحوله الشعراء ينشدون شعرهم، فسأل البحتري الغلام: ما وجودك هنا بين الشعراء؟!
قال: إنني أتقن الشعر، فأراد البحتري أن يمتحنه فقال: أتمم هذا الشطر، واجعله بيتاً من الشعر:
ليت ما بين من أحب وبيني
فقال الغلام: أتريد القرب أم البعد؟
فقال: فإن أردتُ القربَ فما تقول؟
قال: أقول:
ليت ما بين من أحب وبيني *** مثل ما بين حاجبي وعيني
قال البحتري: فإن أردتُ البعد فما تقول؟
فقال الغلام: أقول:
ليت ما بين من أحب وبيني *** مثل ما بين ملتقى الخافقين [2]
فأعجب البحتري بذكاء الغلام، وحدَّث الأمير فأحسن إليه، وأكرم أهله.
[1] - سيرة ابن هشام (2/5) والسيرة النبوية للذهبي (ص: 149).
[2] - الخافقان: الشرق والغرب.