أود قبل البدء أن أطمئن دعاة العري،وحماة الخلاعة ممن يعيشون بين ظهرانينا.. وممن يعيشون في الضفة الأخرى .. أن الإسلام لا وصاية عليه من أي طرف كان. ونحن وإن سمحنا لأنفسنا التحدث باسم الإسلام فلأن الدافع القوي فقط الانتماء لهذا الدين الذي وإن لم يجد من يدافع عنه فهو محفوظ من لدن منزل الذكر سبحانه وتعالى.وشرف لنا أن نكون مسلمين وليس شرفا للإسلام أن انتماءنا كان باسمه.. ويصدق علينا ساعتئذ قول الفاروق عمر ابن الخطاب " كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام .. فمهما طلبنا العزة بغيره أذلنا الله". ".ونعترف أيضا أننا لسنا في المستوى الذي يريده منا الإسلام لكن نستطيع أن نقول بأننا بفضل الإسلام نتمكن من إذلال كل العقبات التي أمامنا.. ولو كانت جبالا من نار.ولهذا اخترنا أن نكون مسلمين بالقول والفعل .. واخترنا ما يمليه علينا لأن مصلحتنا فيه لا في غيره . وأنا شخصيا أنطلق من مسلمة واحدة هي أن الله أعلم بما ينفعنا وبما يضرنا .. وما دام الإنسان يطرأ عليه تبدل مزاج، ويقصد دورة المياه، ويموت آخر المطاف فلست متَّبعه ولو بدا في زي لا ألفة لي به.. وأقصد اتباعه ما تعلق بالتشريع وإحلال ما يخالف ما جاء به الإسلام من تعاليم ربانية سواء المذكورة في القرآن الكريم أم تلك التي جاءت بها السنة الشريفة.الحجاب أو الزي الإسلامي هو من القضايا المطروحة على بساط الاختلاف بيننا وبين الذين يفوقوننا قوة .. بحكم أن المسلمين على عدتهم لا حول لهم ولا قوة ولا يملكون سوى الدفاع ورد الفعل.وأعاود تطمين دعاة الخلاعة والعري من بني جلدتنا أن مسألة الحجاب محسومة مسبقا لغير صالحهم .. لا لشيء سوى أن الأمر جله مرجعه إلى الله .. وعليه فالرجوع إلى الرشد أحسن وأولى قبل أن يدخل سيدهم الإسلام ويتركهم بدون وجهة أو عنوان . فيجدون أنفسهم غرباء بعدئذ.وقد بدأت تظهر بوادر الاهتمام بالإسلام ليس فقط لدى الشباب في بلاد المسلمين بل في بلاد الغرب نفسه.ومسألة الحجاب التي بدأ الغربيون وصناع القرار يلتفتون إليها بشكل غير مسبوق.. فمن قاطع للطريق أمام هذا الزي الذي وإن شابه زي الراهبات إلا أنه ممنوع كونه يمثل دينا هم يحاربونه. وتذكرني هنا ما رواه الشيخ عبد المجيد الزنداني يوما في أن رجال الاقتصاد الألمان أعجبهم الطرح الإسلامي للظاهرة الاقتصادية.. وكيف أن الإسلام له علاج خاص لمجمل القضايا الاقتصادية التي تهم الإنسان عموما.لكن اعتذروا على قبول كل تلك الدراسات بحجة أن الإسلام في الغرب يحارب وما يأتي من قبله مرفوض ولو كان الصحيح المطلق.وهذا هو السبب في كون الحجاب مرفوض. وهم يعلمون جيدا بأن الحق في الحجاب ولو كان غير ذلك لتركوا الأمر لمحض إرادة الناس .وبما أنهم يعلمون جيدا ما سوف ينطوي عليه هذا القرار من تداعيات في المستقبل فهم ومن غير أن يشعروا يقفون ضده مهما كلف الأمر.واللوم لا يقع على غير المسلم الذي له أهداف استعمارية معروفة.. بل اللوم على الوشاة من بني جلدتنا الذين يتكلمون لغتنا ويقاسموننا الهواء ويتسموَّن بمثل أسمائنا.وفرنسا هي الدولة الوحيدة التي تجاهر بأنها ضد ارتداء الحجاب عكس بقية الدول الأخرى التي تتفاوت شدتها بين ممانع وبين مسامح.وكما هو معلوم فرنسا رائدة الحرية والديمقراطية .. لكنها تقف موقف المعادي جهارا نهار للزي الإسلامي .وتحارب الحرية التي تتحدث عنها .لكن من يصدق هذه الأكذوبة بعد أن عرفت فرنسا نفسها باستعمارها ومحاولتها فرنسة الدول التي استعمرتها وتقف الجزائر في المقام الأول بحيث أرادت ومن خلال أزيد من قرن وربع استدراجها نحو هوية فرنسية والقضاء على كل ما هو إسلامي يربطها بالإسلام. والدارس للتاريخ يعرف بصدق لماذا فرنسا اليوم هي في مقدمة الدول الغربية المدافعة عن عدم ارتداء الحجاب الإسلامي.فعقدة الاستعمار لا تزال للأسف تطارد فرنسا ولو أن ذلك قد مضى عليه أربعة عقود.. وربما هذا هو السبب الذي جعلها تنفث كل غيضها في مسألة منع الحجاب.كما ترى فرنسا نفسها لو سمحت بالحجاب أنه لم يعد لها هيبة ولم يعد لها وجود.. لأن تاريخها حافل بالأمجاد فيما يتعلق بمحاربة الهوية الإسلامية وفرض رؤاها الأيديولوجية. كما أن السماح بارتداء الحجاب خطوة نحو كسر الجدار السميك الذي بنته فرنسا حيال التسامح الديني .. لأن فرنسا لا ترى على الساحة أو كما يبدو لها سوى المفاهيمية الفرنسية المبنية على النموذج العلماني المحارب لكل ما منبعه الدين.ولأن فرنسا أيضا على مشارف نهايتها الحضارية وقرب زوال فرنسيتها أمام السيل الجارف للغة الإنجليزية فهي تحاول دائما خلق جو مشحون يظهرها دائما في الجانب المدافع عن بقائها كدولة لها امتداد إمبراطوري منذ نابليون إلى حد الساعة. وقد يقول قائل أن الإسلام في فرنسا ممثلا بحيث يجعل المسلمين في أمان تام على مستقبلهم خصوصا وأن الجالية الإسلامية في فرنسا تمتد إلى قرابة ثلاثة أجيال.. وإليها يعود الفضل الكبير في بناء فرنسا ،وإعمارها. فإن ذلك غير صحيح لأن الذين يمثلون المسلمين بشكل رسمي مطعون في انتمائهم إلى الواقع الحقيقي للمسلمين وللإسلام الذي تنشده الأغلبية الصامتة والسيد ساركوزي يدرك هذا جيدا.وكل الذين تعاقبوا على تمثيل الإسلام في فرنسا تطالهم شبهة لأن فرنسا لا يمكنها أن تسمح بمن يدافع عن المسلمين دفاعا حقيقيا .وقد كان التيجاني هدام العميد السابق لمسجد باريس يدافع عن العلمانية أكثر من العلمانيين ..وقد عمل على إلغاء المسار الانتخابي في الجزائر الذي فازت به الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ديسمبر 1991. كما أن المسمى صهيب ابن الشيخ مفتي مرسيليا الذي شوه الإسلام بخزعبلاته وشطحاته. وجميع هؤلاء لا يمكن لأحد منهم أن يجاهر بأن الحجاب حق مشروع ليس دستوريا بحكم علمانية فرنسا ولكن بمنطق الأشياء ما دام أن الجيل الذي ضحى بنفسه من أجل بناء فرنسا شأنه شأن أي فرنسي.. ومادام المطالبين بارتداء الحجاب هم فرنسيون بالوثيقة والقانون الفرنسي.إن مسألة الحجاب تبدو محسومة لصالح المسلمين على جبهة الصراع الفكري أولا قبل أن تكون مسألة مبدأ للممانعين والذين يحاربون كل انتماء للإسلام.لكن يبقى التوقيت غير محدد في متى ينتهي هذا الصراع .ولو أن الصراع ينتهي حتما ريثما يتفوق المسلمون على أندادهم . وقد بدأت بالفعل بوادر هذا النصر في حالة التململ وحالة المجابهة لأن كل فكرة لما تجد من يجابهها وهي صحيحة تمتد لتثبت في الأرض وتتفرع بعدئذ مخضرة في السماء.ولكن على الإعلام أن يلعب دوره في هذا المجال .. لا أن يهتم بموت مغنية ،والتحقيق في أن أخرى انتحرت أم لم تنتحر،أو الأخرى مشغولة بتوزيع ألبومها شكولاطة وما يتبع الشكولاطة.وكما يقع العبء على الإعلام الذي ينتصر للحجاب كجزء من الهوية الإسلامية .. يقع نفسه على المثقفين ..لأن المعركة هي معركة حضارة .. ومعركة بقاء .وأرجع لتذكير الشرذمة العلمانية في بلادنا الإسلامية .. أن الحجاب قد يكون موضة في حد ذاتها دون سابق إنذار كما حدث عندما انتشرت الصحوة الإسلامية في الجزائر على سبيل المثال .. وكما كما حدث في1 2 ماي2003 تاريخ الزلزال الذي ضرب منطقة بومرداس بالجزائر .. إذ هرع الجميع إلى ارتداء الحجاب .. حتى اضطر وزير الشؤون الدينية والأوقاف الحالي غلام الله إلى تبرير ذلك وردا على الإعلام الذي نقل ذلك بأن الزلزال لم يكن غضبا إلهيا حتى تلجأ المرأة إلى الحجاب والستر.وإذا لم يكن الزلزال غضبا إلهيا فلم الحسرة إذن على لبس الحجاب . عندما أرى الرؤساء العرب زوجاتهم يرتدين الحجاب في الحرم المكي أتعجب وأفرح في آن واحد .. كيف أن هؤلاء الذين يقفون في الصف الأول المحارب للحجاب يعترفون به .. وإن دل على شيء فإن ذلك يدل على أن الفطرة التي لا تكذب هي التي تتحدث في تلك اللحظة .وقد شاهدت رئيسا لدولة عربية ممنوع فيها ارتداء الحجاب زوجته مرتدية الحجاب .. فهل الله موجود سوى في ذلك المكان- استغفر الله- ولا يوجد في تلك البلاد.. أم أن هذا الرئيس يطبق في حياته شعر أحمد شوقي الذي يقول في رمضان :
رمضان ولَّى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتــاق
ماكان أكثره على ألاَّفـــــها وأقلَّه في طاعة الخـــــلاَّق!!
الله غفَّار الذنوب جميعـــها إن كان ثم من الذنوب بواقي
بالأمس قد كنا سجيني طاعة واليوم منَّ العيد بالإطـــــلاق
ضحكت إلَّى من السرور ولم تزل بنت الكروم كريمة الأعراق
هات اسقينها غير ذات عواقب حتى نراعَ لصيحة الصَّفَّاق*
أمنياتنا أن لا نخلق فجوة بيننا و بين من يحكموننا لأننا نعلم أن ذلك لا يخدم سوى المتربصين بنا .. ومهما كان فالقريب أولى من البعيد .. وحكامنا ولو انساقوا لطروحات الغير في مسألة الحجاب سيبق الود ماسكا لما بيننا ولن نتهمهم بأنهم لا يحبون الزي الإسلامي .. ولكن نقول أن الوقت لم يحن بعد كي يفهموا سر ما تريده الكثرة من الجموع الإسلامية التي تتوق إلى الرجوع إلى ربها والعيش في كنف طاعته.والنضال من أجل الوصول للمبتغى والمراد هو سيد الموقف .. والدنيا لا تزال طويلة وعريضة كما يقولون....
............
*الصَّفَّاق: الديك