يقال في اللهجة المصرية \'\'فلان نابه أزرق\'\'، وهي كناية عن كونه مؤذيا أو قادرا على الانتقام، وكثيرا ما يكنى عن الشيء أو الشخص شديد المهارة بالقول\'\'جن أزرق\'\'، ويقال \'\'نهار أزرق\'\' للكناية عن المصيبة. وبغض النظر عن السر وراء ازرقاق هذه المصطلحات، فإن البلوتوث أو \'\'السن الأزرق\'\' أو \'\'الناب الأزرق\'\'، كما تصر بعض الوسائل الإعلامية أن تسميه، هو الأكثر خطفا للأبصار في الأخبار التقنية دون منازع. البلوتوث - الذي مد عنقه في كل جهاز حديث اليوم- تقنية اتصال لا سلكي للربط بين الأجهزة. والسر وراء هذه التسمية اللافتة يعود للملك الفايكينغي الملقب بـ\'\'هيرالد بلاتاند\'\' (والذي يعني ذا الأسنان الزرقاء)، والذي نجح في جمع أواصر النرويج والدنمارك معا في القرن العاشر الميلادي. إحدى الروايات الطريفة والشائعة معا في آن، ترى أن السر وراء هذا اللقب هو ولوعه بأكل التوت الأزرق الذي خلف آثاره على أسنانه، فبات يسمى \'\'ذا الأسنان الزرقاء\'\'. واستغرب هنا من إصرار البعض على ترجمة الاسم بحرفية على أنه \'\'السن الزرقاء\'\'، فصياغة الألقاب من هذا النوع في الإنجليزية مثل Bluetooth أو ذي الأسنان الزرقاء، وwoodenhead أو الأحمق، وsweet-toothed أو محب الحلويات، كلها تعد أوصافا لأشخاص. المهم في الأمر أن الملك مزرق الأسنان وحّد قطرين لا رابط أرضيا بينهما، وكذلك تفعل \'\'البلوتوث\'\'. وتيمنا بهذا الملك، استخدم اسمه كاسم تجاري للتقنية، رغم أنه -ويا للغرابة في ذلك- لم يتم استخدامه في أي من إعلانات معاجين الأسنان ومبيضاتها، فلم نره بعد يظهر على التلفاز وقد زالت الزرقة من على أسنانه بفعل منتجاتهم!
وأمام سيل الأخبار التقنية عن \'\'البلوتوث\'\'، يلفت النظر سيل آخر إعلاني في الصحف لدينا في الكويت عن بيع أجهزة متخصصة في رصد \'\'البلوثوث\'\'، أو توفير حارسات أمن في الأفراح للتأكد من عدم دخول هواتف نقالة مزودة بـ\'\'البلوتوث\'\'. ورغم السذاجة التقنية التي تلف هذه الإعلانات ـ فالبلوتوث وسيلة نقل وليست أداة تصوير- فإن نمطا لافتا ومثيرا للقلق يقفز هنا خاصة مع مطالبة البعض بمنع الهواتف النقالة المزودة بكاميرات. السؤال هنا. هل العوار في التقنية نفسها أم في استعمالنا؟، وهل سنعاقب كل تقنية تظهر لأن هنالك من أساء استخدامها؟ أم السر يكمن في كون التقنية باتت تكشف جوانب معتمة ومآسي مقلقة في أنسجتنا الاجتماعية لا يراد لها أن تكشف لأننا نفضل سياسة غض الطرف عن الأمور حتى تصلح نفسها بنفسها، وليتها تفعل.
التقنية في تعريفها الأساسي تعني وسيلة لأداء مهمة، وهي بالتالي ليست محصورة في وسائل الاتصال الحديثة، فقلم الرصاص كان وقت اختراعه تقنية، والرحى، والسكين، كلها تقنيات طورها بنو البشر كي تسهّل حياتهم. كل هذه التقنيات رغم قابليتها للاستخدام المزدوج بقيت وازدهرت وازدادت تطورا وبنيت عليها تقنيات أعقد وأنفع. التقنية مما ينفع الناس، ومما يمكث في الأرض، التقنية لم ولن تكون جفاء يذهب. هذه هي سنة الله التي لا تحويل لها ولا تبديل. \'\'البلوتوث\'\' جاء ليبقى وليزدهر، وليقضم الأسلاك التقليدية، إنها تقنية \'\'نابها أزرق\'\' تدافع عن نفسها بأن تزدهر، علها في يوم تقضم الأنماط الفكرية البالية. على ذكر الأسلاك، هل عليّ ترى تغيير اسم زاويتي من \'\'أسلاك شائقة\'\' إلى \'\'بلوتوثات شائقة\'\'؟ يدي على قلبي!