بعد أقل من 100 عام من الآن.. لن يعود ثمة نفط. هذه الفكرة، بقدر ما تبدو مخيفة بالنسبة للمجتمعات التي قامت حضارتها المادية بأسرها على عائدات الذهب الأسود، بقدر ما تشرع أبواب الخيال لافتراض المصدر الجديد للطاقة الذي ستتغذى عليه منجزاتنا التقنية فيما لو كتب لها البقاء. فهاجس (أسعار النفط) ليس شأناً محلياً.. بل هو هم دولي تسعى فيه القوى الكبرى قبل غيرها لتأمين سيطرتها على الأسواق ومصائر الشعوب عبر مفتاح الطاقة الأزلي. وكما يصوغ النفط اليوم سياسات الدول ويبرر نزاعاتها، يُتوقع من بديله المقترح أن يكون أشد منه إثارة للنزاع وللقلق.

الطاقة المثلى بين الموارد البديلة -كما يؤكد الكثير من العارفين- هي الطاقة النووية؛ لأنها الطاقة التي ستمكننا من توفير الكهرباء للتصنيع، وتحلية مياه البحار وتوسيع الرقعة الزراعية بالتالي. وهي طاقة يشاع عنها كونها آمنة ونظيفة، بالرغم من كوارث مفاعلاتها التي كان أعظمها في (تشيرنوبل) عام 1986. وهي كذلك تكاد تكون طاقة متجددة؛ لأن عمر البطارية النووية طويل جداً جداً. لكن لابد من الإشارة لوجود من يرى بأن الاعتماد على الطاقة النووية لن يكون اقتصاديّاً إذا وضعنا في الاعتبار تكاليف إنتاج الكيلووات الساعي للكهرباء طوال العمر الافتراضي لمحطة التوليد النووي مقابل تكاليف نفس الوحدة من محطة توليد بالطاقة الشمسية مثلاً.

قراءة سريعة للواقع العالمي تكشف أن الطاقة النووية تزود العالم بالفعل بأكثر من 16% من حاجته الكهربائية، وفق دراسة للأمم المتحدة. فالطاقة النووية تلبي ما يقرب من 35% من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي. فرنسا وحدها تحصل على 77% من طاقتها الكهربائية من المفاعلات النووية، ومثلها ليتوانيا. أما اليابان فيلبي التفاعل النووي 30% من احتياجاتها للكهرباء، بينما توّلد بلجيكا وبلغاريا والمجر واليابان وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا وسلوفينيا وأوكرانيا ثلث احتياجاتها من الطاقة بهذه الطريقة. في حين أن أستراليا التي تمتاز بوفرة مصادرها من الفحم الحجري لا تمتلك محطات نووية لتوليد الطاقة على الإطلاق. وهو ما يشير إلا أن انعدام النفط لا يشكل معضلة لمن لا يملك نفطاً.. لكن يملك المال.. ويملك القدرة على تنفيذ مشاريع الطاقة النووية. وهي رؤية تقودنا لفهم أعمق لعناوين أخبار منطقتنا والعالم، ولدور القوى الكبرى التي تسعى لترسيخ دور النفط في رمقه الأخير، وإبقاء مفاتيح القدرة النووية.. ولو في المجال السلمي.. حكراً عليها على حلفائها.

فيما يتعلق بالواقع النووي العربي طوال النصف قرن الأخير وهو عمر دخول إسرائيل العصر النووي كذلك، كانت مصر والعراق والجزائر الدول العربية الوحيدة المؤهلة لولوج النادي النووي.

واقتربت العراق من تحقيق الحلم النووي العربي قبل أن تضرب إسرائيل المفاعل العراقي سنة 1981. أما الجزائر فقد تكفلت حربها الأهلية مع ما صاحبها من تدهور سياسي واقتصادي في القضاء على مشروعها النووي؛ لتبقى مصر الدولة الوحيدة المرشحة للانتقال بالوطن العربي إلى عصر القوة النووية حيث تمتلك مفاعلين نووين للأبحاث الأول تأسس في (أنشاص) سنة 1961، والثاني هو المفاعل الأرجنتيني الذي تأسس سنة 1998م.

بناءً على ما سبق، فقد لا يمثل النفط الضرورة القصوى التي نتصورها، وقد لا يؤدي نضوبه إلى عودتنا لظهور الإبل بالضرورة. وتقديرات الأمم المتحدة تشير مرة أخرى إلى أن ما يعادل ثلث سكان العالم لا ينتفعون أساساً من خدمات الطاقة الحفرية التقليدية إذ يمثل الفقراء السواد الأعظم من هؤلاء بالإضافة لسكان المناطق الريفية الذين يعتمدون على الحطب أو مصادر (الكتلة الحيوية) التي سنوردها لاحقاً في الطهي والتدفئة والإنارة. ومثل تلك الرؤية تدعو للتركيز بقوة على تنويع مصادر الطاقة البديلة التي ربما تبدو أكثر عدلاً في المستقبل.. وإلى إدراك أن كنه مشكلتنا المحلية ليس (النفط).. بل هو (الاستثمار).. وهو مفهوم (الطاقة).. بتنوع صورهما ومصادرهما.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية