ربما لم يخطر ببال (جوستين هال ) الذي قام بالتدوين أول مرة أن التدوين سوف يصبح ظاهرة تتم متابعتها باهتمام مثير من الجميع ، لقد أصبحت جزءا من الدراسات ومعدلات قياس الرأي ، وعاملا مهما في تقييم الأحداث من منظور المجتمعات والشعوب ! ثم انتشرت هذه الظاهرة لتصبح نوعا من الإعلام الجديد الذي ينقل الأحداث والظواهر والفعاليات من منظور شعبي بسيط بدون تعقيد الآلة الإعلامية وحساباتها الكثيرة والمتداخلة !
إن التدوين تجاوز مرحلة كتابة الخواطر والأحداث اليومية الشخصية ، وتجاوز مرحلة المراهقة عندما كانت المدونة بمثابة شكل من أشكال التقدم الظاهري للشاب أو الفتاة ، عندما يقول أمام أصحابه أنه يملك مدونة أو عندما يرسل رسالة بريدية مذيلة بعنوان مدونته !
التدوين تجاوز كل هذا - رغم استمرار وجود هذه المظاهر - ليصبح عاملا من عوامل الضغط والتغيير يستخدمه من يعرف اتجاهه وهدفه ويفهم طبيعة بيئته ومجتمعه ، فلا يقف عاجزا أو حائرا أو مكتوف الأيدي .
لقد تطور التدوين لأن هناك تطورا فكريا وسياسيا وثقافيا في جميع المجتمعات ، تغيرت النظرة إلى كثير من الأمور والأحداث ، وتغيرت الرؤية لطبيعة الأشياء وحدوثها ، وتطور العقل البشري ليستفيد من كل ما أنتجته يداه وما هو مسخر له .
لم يقف ولم يبق في مكانه إلا أولئك الذين لا يعرفون ماذا يريدون .. وأولئك الذين يحبون الدعة والراحة والتحنط .. فلم تتطور لا عقولهم ولا أفكارهم ولا رؤيتهم ولا حتى تدويناتهم !
إنني هنا أتحدث عن الذين يحبون التطور ويحبون التغيير ويحبون أن يسبقوا زمانهم ، فيزرعون الخير لهم وللآخرين .
عندما أتحدث عن التطور المعرفي والثقافي للتدوين فإنني سوف أهمل ذلك التدوين التافه الذي يدور حول شخص الإنسان واهتماماته الرخيصة ، وأهمل ذلك التدوين الرخيص الذي يتحدث عن أمور لا تسمن ولا تغني من جوع !
التدوين المقاوم !
إننا نتحدث وندندن حول التدوين الذي يؤثر في محيطه ، عن التدوين الذي يغير ما حوله للأفضل ، عن التدوين الذي يرتفع بصاحبه وبمن يقرأه إلى درجات العمل والتضحية والبحث عن مخارج لجميع الأبواب والقضايا المغلقة .
إننا نتحدث عن (التدوين المقاوم) ، عن التدوين الذي يقاوم الظلم .. ويقاوم الطغيان .. ويقاوم الجهل .. ويقاوم الدكتاتورية .. ويقاوم الاستبداد .. ويقاوم الأمية .. ويقاوم الكسل والدعة والراحة .. ويقاوم التقليد والتبعية والذلة .. ويقاوم الاحتلال الفكري والثقافي والعسكري !
إنه التدوين الذي يحدث تغييرا بأحرف بسيطة .. لكنها قوية ومستمرة .. متدفقة .. لا تنقطع ولا تضعف ولا تهدأ !
أهداف التدوين المقاوم تتمثل في :
1- العمل على إحداث تغيير إيجابي في البيئة المحيطة
2- مقاومة كل سلبية في المجتمع أو البيئة من جهل ، ضعف ، ذلة ، استعمار ، ظلم ، طغيان … إلخ
4- رفع نسبة الوعي بقضايا المنطقة وأحداثها وما يخطط لها
5- نشر ثقافة التدوين ونشر المعرفة التي تؤدي إلى حراك جماعي في المجتمع 3- نشر ثقافة المقاومة السلمية التي تدعو للتغيير السلمي ضمن أطر المجتمع المدني 3- نشر ثقافة المقاومة السلمية التي تدعو للتغيير السلمي ضمن أطر المجتمع المدني
التجمعات التدوينية :
ولذلك كانت التجمعات التدوينية هي أهم وسيلة لترسيخ ثقافة (التدوين المقاوم) ، ذلك لأنها تعمل على تكوين رأي عام وتتحول إلى آلة إعلامية تساعد في انتشار الهدف وتحقيقه .
من أهم أهداف وغايات مثل هذه التجمعات هي التكتل وراء قضية ما ومناصرتها والتدوين لأجلها وترويجها افتراضيا وواقعيا . فمثل هذه التجمعات هي أهم وسيلة لحشد الرأي العام حول قضية ما سواء إنسانية أو اجتماعية أو سياسية ، فعندما يكون لديك هذا التجمع الكبير من المدونين فإن حشد الرأي العام وتسويق الفكرة أو القضية يكون أمرا سهلا وفعالا في نفس الوقت .
هل تستطيع المدونات التغيير ؟ أو إحداث شيء منه على الواقع ؟
قد يتبادر إلى الذهن أن هذه المدونات جزء من صراع افتراضي وتفريغ لشحنات الغضب والنقد تجاه أنظمة أو مجتمعات متسلطة فقط ، ولن تؤدي هذه المدونات دورا فعالا في إحداث أي تغيير مرتقب على الواقع .
ولكن الأحداث تقول عكس هذا الكلام ، فالمدونات في مصر كان لها دور مهم في بعض الأحداث ونقل أخبارها والتأثير على الرأي العام ضمن نطاق محدود ، والمدونات في المغرب أحدثت ضجيجا ، والمدونات التونسية أحدثت حراكا أيضا ، ولا تزال هذه المدونات تنمو وينمو معها التأثير الذي تحدثه .
ولكن كما قلت سابقا يجب أن تتوفر شروط أساسية لكي تستطيع هذه المدونات إحداث التغيير المراد والمنشود :
1- لا بد من مدونات واعية فكريا وثقافيا تتجاوز الدائرة الشخصية إلى دائرة المجتمع الذي تعيشه .
2- مدونة بدون أهداف لا تحقق شيئا ! فلا بد من وجود هدف تسعى له المدونة ويسعى له المدون نفسه ، وإلا أصبح الأمر نوعا من أنواع العبث الجديد !
3- الانضمام والتفاعل مع التجمعات التدوينية ، والتفاعل مع الأنشطة التدوينية الجماعية من أجل توسيع دائرة التأثير والانتشار .
4- الاستمرارية في التدوين وعدم الانقطاع والابتعاد عن الأحداث ، وإلا فسوف تسبقنا الأحداث ولا ندري أين نحن !
هذه الشروط وغيرها من فني وتقني ومعرفي ، سوف تساعد في إيجاد تدوين مقاوم يعمل على التغيير ويحدث حراكا عجزت عنه التجمعات الأرضية والتحزبات البشرية ، ويتجاوز قيد السلطة والمجتمع والقانون ، لأنه هو من يصنع كل هذا وينطلق في أفق لا تحده حدود ولا تمنعه سدود !