قرأت ذات صباح في جريدة الصباح العراقية منشوراً قصيراً حول رواية (فتاة القطار) لـ بولا هوكينز، وأشار المنشور في أعلاه إلى أن الرواي ستغير حياتك، وعلى الغلاف الخارجي للرواية كتبت عبارة في الأسفل:( أنت لا تعرفها ، لكنها تعرفك).

تقع الرواية في 392 صفحة من القطع المتوسط، وهي بترجمة الحارث النبهان ونشر دار الرمل – القاهرة عام 2015.

في الحقيقة أول ما بدأت في القراءة لم أكن مستعداً لإكمالها، في البداية ظننت أني أقرأ "مقتل السيد أكرويد" أو "جريمة في ملعب الغولف" لأجاثا كريستي، ثم تحول النفس الروائي إلى ما يشبه اليوميات يشدك من يدك إلى ما لا نهاية.

 

وعقب الانتهاء منها مباشرة غردت في حسابي بتويتر بثلاث تغريدات حولها نالت استحسان عدد من المتابعين ربما من قبيل المجاملة فقط، وقد كتبت:

فرغت قبل قليل من رواية "فتاة القطار" ولكن ما زال هديره يضج في رأسي، عميقة، مرعبة، مدهشة، صاخبة.

في البداية ظننت أني أقرأ "مقتل السيد أكرويد" أو "جريمة في ملعب الغولف" لأجاثا كريستي، ثم تحول النفس الروائي إلى ما يشبه اليوميات يشدك من يدك إلى ما لا نهاية.

عندما تقرأ رواية بهذا الحجم تحس أنك بحاجة إلى إجازة،

الرواية أشبه باليوميات تبدأ في 5 تموز/ يوليو 2013، ثم تقفز إلى كانون الثاني من العام نفسه، ثم ترجع مرة أخرى إلى تموز بيوميات مرصودة بدقة وأحداث متأنية في الربط، شيقة في السرد تعتمد على طريقة الخطف خلفاً التي عرفنها من خلال عمليات التنويم المغناطيسي في الأفلام، وتنتهي أحداثها في 10أيلول/ يوليو 2013، وسط تقلب للأحداث والتواريخ المرتبطة بها حسب كل شخصية، ريتشيل فتاة بريطانية تسكن في إحدى ضواحي العاصمة البريطانية لندن، في بيت ريفي هادئ إلا من صخب القطارات، إنها دقيقة في اختيار مواعيد تنقلاتها، ارتبطت بتوم في علاقة زوجية مهترئة، ختمتها بالطلاق بعد نوبة اكتئاب حادة دخلت فيها بعد أن فشلت في إنجاب طفل ولو بالأنابيب، تروح كل يوم لتزجية الوقت، تسافر إلى لندن، ترتاد الحانات والمتاجر، تتسكع في الطرقات، لم تخبر صديقتها كاثي شريكتها في السكن أنها من دون عمل، وظلت مسرفة في الشراب طيلة الرواية، إنها تعيش حياة بوهيمية على حافة الجنون، يتزوج زوجها السابق توم من (آنا)، فتنجب طفلة جميلة اسمها(إيفي)، ولا تكف ريتشل عن الاتصال بزوجها وتسبب له ولزوجته مزيداً من المتاعب والقلق، عندما تستقل قطار الثامنة وخمسين دقيقة صباحاً فيتوقف عند الإشارة تنظر إلى بيتها السابق رقم 12 فتأكل الغيرة عقلها وقلبها، وهي تتخيل أن حياة توم مع عائلته تسير على ما يرام في بيتها هي وفي مطبخها وأثاثها القديم في بيت الزوجية القديم، ثم تنظر إلى البيت رقم 23 وترى زوجين متقابلين على شرفة المنزل يرتشفان قهوة الصباح فتسميهما جيس وجيسون، هكذا تمضي سحابة يومها مجيئاً وذهاباً دون فائدة، ويحدث أن تقع جريمة في يوم السبت 19 تموز وتختفي جس كما تسميها ويتضح في التحقيق أن اسمها ميغان هيبويل واسم زوجها سكوت، يرونها أناس بالقرب من محطة القطار ليلة اختفاء ميغان، فتستجوب ولا يؤخذ بكلامها لأنها لا تتذكر شيئاً وتبدو ثملة جداً ومضطربة الأقوال، تتواصل مع سكوت زوج المغدورة لمساعدته ولكنها لا تتذكر شيئاً فيتنكر لها بعد علاقة آثمة بينهما، تراجع في العيادة النفسية د. كمال ايديك وهو لاجئ صربي مسلم، فر من الحرب في بلاده ولجأ إلى بريطانيا، مما تتذكره أنها رأته – أي كمال- ليلة اختفاء ميغان في بيتها يقبلها، تستجوب الشرطة كمالاً، فلا تعثر على شيء يدينه فيطلق سراحه، حياة ريتشيل موزعة بين الشرب والتسكع في محطات القطار، تتابع الشركة التحقيق في اختفاء ميغان، وبعد فترة قصيرة يتم العثور على جثتها في غابات كورلي، بعد أن جرفتها الأمطار، تسوء حالة زوجها فيلجأ لريتشيل لكنه سرعان ما يطردها من منزله، لأنها لم تقدم له أي دليل يدحض اتهام الشرطة له بقتل زوجته، تسوء الأحوال وتتكشف القضية عن جريمة قتل حقيقية وتدور الاتهامات حول زوجها سكوت، ويوضع بيته تحت المراقبة، وتدور الأحداث في خيوط متشابكة  إلى حد التعقيد حتى تكشف أنّا زوجة توم الثانية هاتفاً نقالاً في حقيبة زوجها، وتجتمع مع ريتشيل زوجته السابقة التي تتذكر أنها رأته ليلة اختفاء ميغان مع المغدورة، ويتضح فيما بعد باعتراف توم نفسه أنهما في علاقة غير شرعية، وأنها ماتت وهي حامل منه، وميغان تلك كانت تزور توم في بيته مع آنّا زوجته وتلاعب طفلتهما إيفي، وعندما تضيقا الخناق على توم يعترف لهما أنه كان على علاقة مع ميغان، وأنه حاول تهدئة الأمور بعيداً عن الأعين، وضربها بحجر أدى إلى قتلها ودفنها في الغابة إلى أن جرفت السيول جثتها المشوهة، ثم يحاول توم التخلص من ريتشيل في ليلة ماطرة، فتتملص منه ثم تنقذ نفسها بطعنه في عنقه بلولب فتح الزجاجات، وينتهي الأمر بها وبـ (آنّا) في قسم الشرطة، بعد الاتصال بالإسعاف يكون كل شيء قد مضى، وأنها أقدمت على فعلتها تلك للدفاع عن النفس،

الرواية الطويلة تبدأ فصولها بعناوين مقترنة بتواريخ محددة ضمن العام 2013، وتسخن أحداثها بالذات في شهر تموز/ يوليو منه، عقب اختفاء ميغان، وتقسم أوقاتها إلى ثلاثة أقسام:

في الصباح، في المساء، بعد الظهر، تتشابك الأدوار حتى تتدخل الشخصيات مع بعضها وتكثر الأسماء لدرجة يصعب معها التحقق من ذوات الشخصيات وتصرفاتهم، وتسرد على لسان كل شخصية ما كان يحدث معها، بطريقة استرجاع الأحداث، والتداعي، إنها أشبه بيوميات مجنون أو فاقد للذاكرة يصحو حينما تألمه حالته، ثم يعود إلى سباته بعد أن يغرق في الشراب بين الحين والآخر، والرواية تجذبك بشيء من المتعة حتى في أحلك التفاصيل، تقف مندهشاً من قدرة الكاتبة وبراعتها في تناول المفردات، وتسخيرها لخدمة الفكرة الواحدة، وفي رصف الكلمات المتلاحقة للتعبير عن حالة شعورية معينة، كالفرح والحزن والغضب والجوع والعطش، بل وعدم المبالاة والقسوة والقتل أيضاً.

ربما يكون الإيغال في التفاصيل شيئاً مملاً للقارئ، ولكنه يجد ضالته في القدرة الفائقة على التعبير وعلى سهولة استخدام الألفاظ وتوظيفها بطريقة مبتكرة إلى حد كبير.

كانت رواية جديرة بالقراءة، وكان عليّ أن أقرأها في خمس ساعات تقريباً، أتمنى لكم قراءة ماتعة بصحبة فتاة القطار.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية