لم أفرح بكتابٍ - مؤخراً - قدر فرحتي بكتاب ( فلسطين : التاريخ المصور) الذي أنهى تأليفه الدكتور طارق السويدان في محرم 1425 هجري الموافق مارس 2004 ميلادي ، وأسباب فرحي بهذا الكتاب متعددة منها :
أولاً – المادة العلمية المميزة التي يتضمنها الإصدار المطبوع : حيث تكلم عن تاريخ قضية فلسطين المسلمة عبر خمسة أبواب مطولة هي : فلسطين قبل الإسلام ، فلسطين في العهد الإسلامي ، العهد العثماني وحكم الإنجليز ، فلسطين تحت الاحتلال اليهودي وأخيراً الانتفاضة والسلام ، وقد انقسم كل باب منها إلى فصول تفصيلية ثرية بالمعلومات والتواريخ والأسماء والإحصائيات . ثانياً – الإخراج الفني الرائع والطباعة الفاخرة : حيث كان الاهتمام بهذه النواحي الشكلية والجمالية على قدر اهتمام المؤلف بهذه القضية الإسلامية ، فجاء الإصدار المطبوع في 430 صفحة مصقولة من القطع الكبير ، ومزودة بحوالي 500 صورة فوتوغرافية ورسم إيضاحي من أصل عشرة آلاف صورة تم تجميعها لإنجاز هذا الكتاب القيم بهذه الصورة الرائعة !
ثالثاً – العرض الشيق والسرد الممتع : فأنا شخصيا ومن حادثتهم حول الإصدار اشتركنا في ذكر ميزة أساسية له ، وهي القدرة الكبيرة لمؤلفه جزاه الله خيراً على إبعاد الملل أو التشتت الذهني عن قارئ الكتاب ، فلا تملك وأنت تستقبل أول الصفحات إلا الاستمرار بالقراءة حتى صفحاتٍ متقدمة منه ، وإن كان هذا الأسلوب متوقعاً في الإصدارات القصصية أو الأدبية إلا أن الإبداع كان في تضمينه بهذا الكتاب التأريخي ، وتم ذلك للمؤلف بتوفيق من الله تعالى أولاً ومن ثم بتقسيم الإصدار المطبوع إلى فقرات قصيرة متعددة ومزودة بصور وتواريخ وأسماء .
أما ما أسعدني أكثر من هذه المزايا النادرة في الكتب العربية والإسلامية بعصرنا الحديث ، فهي البشارة التي حملها الفصل الخامس من الباب الخامس لهذا الكتاب ، والتي أسماها د.طارق السويدان : رؤية مستقبلية في مستقبل فلسطين .
حيث كشف المؤلف لنا فيها وجهة نظره من واقع بحثه واطلاعه في أن تحرير القدس الشريف وفلسطين المسلمة من الصهاينة الغاصبين ممكن ومتوقع باستخدام السنن الكونية المعروفة من الإعداد السليم وتوحيد الجهود والأخذ بأسباب القوة المادية والمعنوية ، وأن البشارات الشرعية والأخبار النبوية مثل : المعركة الفاصلة بين المسلمين واليهود وإخبار الحجر والشجر للمسلم عمن يختبئ وراءه منهم لن تحدث الآن .
فالقرآن الكريم أخبرنا بعلو بني إسرائيل في الأرض مرتين بقوله سبحانه وتعالى : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا } ، وكان جمهور المفسرين يرى أن علوهم الأول قد حصل وهو الذي دمره الملك البابلي نبوخذ نصر ، اما بعضهم فيرى أن العلو الأول لليهود هو الذي أنهاه سيدنا عمر بن الخطـاب رضي الله عنه في فتحه للقدس الشريف .
لكن الدكتور السويدان يضع رؤيته المختلفة للصراع الصهيوني – الإسلامي من خلال نفيه للرأي الأول لكون الملك البابلي كان كافراً وهذا يخالف قول الله سبحانه : { بعثنا عليكم عباداً لنا } ، كما أنه ينفي الرأي الثاني حيث أن الخليفة الفاروق رضي الله عنه حرر المسجد الأقصـى المبارك من النصارى وليس اليهود.
وبذلك يتوصل مؤلف كتاب ( فلسطين : التاريخ المصور ) إلى حقيقةٍ مفادها أن العلو الصهيوني الأول هو الحاصل حالياً ، وأن إنهاء المظالم التي تصاحبه ممكن بجهد وجهاد عباد الله المؤمنين ، أما تلك البشارات الشرعية والأخبار النبوية فتحدث بعد العلو الثاني للصهاينة المعتدين وهو ما لم يحدث حتى الآن حسب رؤية وتصور الدكتور السويدان .
بقي أن أقول أن هذا الإصدار المطبوع قد بيع في معرض الكتاب الإسلامي الفائت بسعر رمزي هو ديناران ونصف لا غير ! ومازال يباع في المكتبات الإسلامية بنفس السعر المدعوم في حين أن التكلفة الحقيقية قد بلغت سبعة دنانير كويتية ، ويمكن الحصول على معلومات أخرى عن الكتاب عبر شركة الإبداع الفكري أو الموقع الإلكتروني www.suwaidan.com .
ختاماً : السلطان عبدالحميد ووعد بلفور وأيلول الأسود وكامب ديفيد وغيرها من الشخصيات والأحداث وجدت معلومات عنها في هذا الإصدار المميز ، وأجزم أن القراء الكرام سيجدون فيه المزيد من الفائدة والمتعة والبشارات التي حملها لنا د.طارق السويدان وأسرة إعداد وإخراج الكتاب ، بارك الله في جهودهم وإبداعاتهم الفكرية ... والله أكبر ولله الحمد .