آخر اصدارات "المشروع القومى للترجمة" عن المجلس الأعلى للثقافة, الذى يرأسه د.جابر
عصفور, هو كتاب نقدى هام "النقد الثقافى" للكاتب "أرثر أيزابرجر" وترجمة د.رمضان بسطويسى ود.وفاء ابراهيم.
يتميز الكتاب بداية بقدر من الاحاطة والتنوع والشمول لموضوعه, مما يجعله –ربما- أهم ما صدر عن موضوع "النقد الثقافى", الذى لم يحاط به جيدا فى العربية, وبهذا الكتاب المترجم, سوف يلقى الموضوع شعبية ثقافية واجبة .
يقع الكتاب فى حوالى 250 صفحة من الحجم المتوسط, ويشتمل على العديد من المراجع والدراسات التى تعنى الباحثين فى حالة الرغبة فى تناول المزيد. أما المؤلف فهو أستاذ فى فنون الاتصال الالكترونى , وتجربته تقوم على استخدام المصطلحات والمفاهيم المعتادة فى نظرية الأدب أو النقد على اختلاف أنواعه (ماركسى- سيميوطيقى- نسوى- تفكيكى..الخ). . ويطبقها على النصوص.

وقد سعى الى تفسير مفاهيم كبار المفكرين , وهو ما أخذ لقب "النقد الثقافى", وهو ما يعنى بداية أن النقد الثقافى هو نشاط وليس مجالا معرفيا خاصا بذاته..يستخدم فيه النقاد المفاهيم التى قدمتها المدارس الفلسفية والاجتماعية والنفسية والسياسية فى تراكيب وتباديل معينة , ثم يطبقونها على الفنون الراقية والثقافة الشعبية.

[IMG]http://www.nashiri.net/aimages/c_criticism.jpg[/IMG]
"النقد الثقافى" - أرثر أيزابرجر. ترجمة د.رمضان بسطويسى ود.وفاء ابراهيم.



صحيح كثيرا ما يرتبط ناقد "النقد الثقافى" بوجهة نظر ما, ماركسية مثلا أو غيرها, والمخاطب أيضا متنوع فى الجنسية ودرجة الثقافة, لذا عليه أن يبسط تلك المفاهيم والمصطلحات. وهو فى هذا يدمج "الجغرافيا والتاريخ معا فى تناول النص الجديد. وفى مثال لكيفية تناول الكاتب للمفاهيم المختلفة وادماجها فى النقد الثقافى ..
فقد قدم المفكر "ابرامز" تصنيفا للاتجاهات النقدية فىالفن, حيث قسمها الى أربعة اتجاهات: المحاكاة- الموضوعية – البرجماتية- التعبيرية.. ويدور العمل الفنى فيها حول "الكون , حيث استبدل "برجر" الكون بالمجتمع, ووضع الوسيط الاعلامى فى المنتصف على شكل مربع, ليكون فى المركز فيتسنى مناقشة النصوص فى اطار مبدعيها ووسائل الاعلام التى تنشرها ومتلقيها ومجتمعها ككل.
وبذلك امتد المصطلح وسمح للنموذج بالتفاعل عبر سياق ثقافى عام.

كما حرص الكاتب أن يتناول المصطلحات الأدبية والنقدية بالتبسيط والتوضيح مثل : النص, الأجناس الأدبية , التأويل , نظرية التلقى..الخ.
ولما كان العصر, هو عصر الصورة, أى النص المرئى واليس النص المقرؤ, لذا يطالب الكاتب بآلية نقدية جديدة ومختلفة.زلتصل الى القارىء أو المشاهد العادى, حتى يستمتع هذا المشاهد العادى بثقافة النخبة. فجاء النقد الثقافى وكأنه ثورة فى مجال الثقافة وهى التى تتوجه الى الانسان العادى قبل المتخصص.

يقع الكتاب فى ستة أبواب..
:الباب الأول.. قدم الكاتب فكرته وهدف مسعاه الى تقديم نقدا جديدا (ثقافيا) شموليا , يضيف الى القارىء العادى معطيات مثقفى النخبة. وقد تعرض لمشكلة المصطلح المتمثلة فى كون أصحاب الفكر ليسوا على حال الاستقرار والاتفاق مع ذواتهم على المصطلح نفسه طوال حياتهم الفكرية, بل فى تفاعل جدلى دائم..وهو ما يلزم ناقد "النقد الثقافى " الاستيعاب والاحاطة.
:الباب الثانى.. وفيه اطلالة الى مجمل المذاهب والمصطلحات المطروحة فى الساحة الثقافية النقدية . وقد توقف أمام نظرية الأدب, المحاكاة , الأجناس الأدبية , التأويل , نظرية التلقى , النقد النسوى, الشكلية ..الخ.
الا أنه انتهى الى مقولة هامة :" لقد عالجنا فى هذا الفصل عددا من أهم النظريات الأدبية .. وهى ذات قيمة لأنها تضفى المعنى على النص..حيث أن نظرية النقد والأدب تطرح مسائل مهمة حول النص والقارىء و والمتلقين , والعلاقة بين العمل الفنى والثقافة , وعلاقة القضايا الثقافية بالمجتمع والسياسة.
والنقد الثقافى لا يدور حول الفن والأدب فقط, بل حول الثقافة , لأن للثقافة نتائج وثمار –على حد تعبير الكاتب-.

:الباب الثالث: يعد وقفة أمام النظم والأفكار الماركسية بالدرجة الأولى, ويرى أن الماركسية عولت على الاقتصاد مهمة التغيير والتطوير البشرى وتجاهلت العنصر البشرى وتأثيره..وهو ما تسبب فى فشل الدول التى أخذت بها, حتى تفكك الاتحاد السوفييتى, والكتلة الشرقية.
وفى وقفة طريفة آخر الباب يشير الى أن الرأسمالية أيضا أدت الى القسوة والمعاناة.زوذكر النكتة القديمة : ان الرأسمالية هى ذلك النظام الذى فيه يستغل الانسان أخيه الانسان, وفى ظل الشيوعية يحدث النقيض!!

الباب الرابع.. توقف الكاتب فى هذا الباب أمام "السيميوطيقا والنقد الثقافى, حيث تطرق الى بعض المفاهيم الأساسية فى السيميوطيقا, وكيف تساعدنا على فهم النصوص. وقدم بعض النماذج التطبيقية .
فقد توقف أمام .. العلامات, الرموز والعلاقات وكيف تعمل , الأيقونات والأدلة , الصور , الشفرات , الدلالات أو المفهوم الضمنى , فك العلامات والدلالات الرمزية, الاستعارة , الكناية , التناص ,

: الباب الخامس .. وهو الباب الذى عنى بنظرية التحليل النفسى, حيث أن النظرية أحد أهم المناهج المستخدمة لدى النقاد الثقافيين.
لذا توقف أمام المصطلحات : اللاوعى , الهو أو اللاشعور , الأنا , الأنا العليا , عقدة أوديب , التكثيف , الاحلال , النرجسية , التسامى ، العزم , الأسطورة , أبطال , الظل , النموذج الأصلى ...
ويقول :"المدهش هو الدرجة التى عندها يمكن استخدام الأفكار المصاحبة لها على تحليل وتفسير النصوص.زحيث تمكنا نظرية التحليل النفسى من فهم منطق النفسية العاطفية والحدسية واللاعقلية والمكبوتة.زوهى المناطق التى يتصل بها الفنان والمبدع فى العمل الابداعى بأنواعه.

أما الباب الأخير فيدرس العلاقة بين النظرية الاجتماعية والنقد الثقافى, وهو أقرب الى النقد الاجتماعى وتطبيقه فى النقد الثقافى.

..يعد الكتاب وهذا العرض عنه مبتورا للقارىء ان لم يقرأ بكامله, بل وتدار حوله المناقشات الجدلية, فهو من تلك الكتب التى تثير الأسئلة وتطرح مفاهيمها من خلال اضافة القارىء ومدى استيعابه للفكرة الرئيسية.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية