ضمن سلسلة "آفاق السينما" المتخصصة في مجال الفن السابع, صدر كتاب "السينما وحقوق الملكية" للكاتب "د.ناصر جلال". وقد اعتمد على أن صناعة السينما تتميز بشقين: الإبداع والصناعة التي تستتبع بالمعاملات التجارية.
بتحول الإبداع الأدبي والفنى إلى منتج ثقافي مادي , يبرز الجانب الصناعي والتجاري, وهو ما يوصف بالمصنفات الأدبية والفنية..(القصة والرواية والشعر والمؤلفات الكتابية الأخرى),(الموسيقى-التشكيل والنحت والعمارة-الأعمال التصويرية- ثم المصنفات السمعية البصرية). يعد مجال الملكية الفكرية من مجالات التجارة الدولية منذ فترة سابقة, وقد مر بعدد من المراحل والاتفاقيات. أولها حماية المصنفات الفنية والأدبية في ظل اتفاقية "برن" عام1886م, كما أشار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى أهمية حقوق الملكية الفكرية (1948م). وتتمثل الحقوق في دفع مقابل مادي أو مالي لصاحب المنتج الفكري. بالإضافة إلى بعض الحقوق الأخرى مثل وضع اسم المؤلف, وشطب أو إضافة إلى جزء من المنتج. وغالبا يظل هذا الحق لمدة خمسين سنة, إلا ا، بعض الدول تحدده بسبعين سنة. (عدد الدول الموقعة على اتفاقية برن 112 دولة, منها مصر-لبنان- تونس-ليبيا-المغرب-موريتانيا)

ثم كانت المنظمة العالمية للملكية الفكرية وبدأت أعمالها فعليا عام 1970م.(ثم أصبحت منظمة من منظمات الأمم المتحدة), حيث تقوم بالإشراف على 21اتفاقية متعلقة بالملكية الفكرية..(منها 6اثفاقيات متعلقة بالملكية الفنية والأدبية). وهذه المنظمة لها مهام كثيرة, في مجال الأدب والفكر..تشجيع مواطني الدول النامية على الابتكار الفنى والأدبي, مع المحافظة على الخصوصية الثقافية الوطنية , مع تحسين شروط اكتساب حق استعمال المصنفات الأجنبية.
كما برز الجانب التجاري المتصل بحقوق الملكية الفكرية من تداعيات اتفاقية "الجات" التي برمت عام 1947م(بدأت ب22دولة ثم وقع عليها عدد آخر حتى بلغت الدولة الموقعة 118دولة). بدأت باتفاقات ثنائية بين الدول خلال الاتفاقات التجارية العادية, حتى أصبحت بصورة جماعية لحماية الحقوق الفكرية باتفاقية "تريبس" عام 1994م (وهى الاتفاقية المعنية بالجوانب التجارية المتصلة بالحقوق الفكرية) .

تلتزم الدول بناء على تلك الاتفاقية على الالتزام بما يتعلق بالملكية الفكرية بوجه العموم, ثم الالتزام بكل فرع من الملكية الفكرية..مثل حقوق المؤلف, العلامات التجارية, المؤشرات الجغرافية, التصميمات الصناعية, براءات الاختراع..الخ. وتنص الاتفاقية على اتخاذ الإجراء الفعال .. باللجوء إلى القضاء, مع توقيع العقوبات الجنائية والمالية..الخ.

انضمت مصر إلى اتفاقية "تريبس" أو اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية, نظرا لأهمية حقوق الملكية الفكرية في التنمية الاقتصادية. كما أصدرت العديد من القوانين في هذا الشأن قبل "تريبس", ومع التعديلات بداية من عام 1954م, وكلها تضمن حقوق المؤلف طوال حياته, ثم الورثة لمدة خمسين عاما بعده..(ولمؤلفات الحاسب الآلي 20 عاما تبدأ من تاريخ إيداعه).
يعاقب بالغرامة (عشرة آلاف جنية) كل معتدى على حق من حقوق المؤلف مع مصادرة النسخ ومصادرة الأدوات المستخدمة في التقليد, مع غلق المنشأة. وفى حالة التكرار تكون العقوبة الحبس مع غرامة خمسين ألفا. وتواصلت القوانين المنظمة لحقوق حماية المؤلف في مجال مصنفات الكمبيوتر(1994م).
على الرغم من اهتمام مصر بموضوع الملكية الفكرية , بداية من 1954م, إلا أن التطور التجاري العالمي, والمتغيرات الاقتصادية المحلية..جعلت من الضرورة إضافة التعديلات وسن القوانين الجديد, خصوصا أن الولايات المتحدة وضعت مصر ضمن قائمة الدول الترقب عام 1994م وتلقت تهديدات بتقليص حجم المساعدات الاقتصادية. استمر الحال على محمل الجد حتى تم الانتهاء من عرض قانون الملكية الفكرية على مجلس الشعب عام 2002م , حيث تم إقراره.

وقد تضمن فيما يخص "حقوق المؤلف" العديد من الجوانب (في 188مادة). تعريف "المصنف, والابتكار, والمؤلف".. حيث وضح أن المؤلف هو الشخص الذي يبتكر العمل الأدبي /الفني/ العلمي, وقد يعتبر الناشر أو منتج المصنف هو المؤلف إذا قام الشك على حقيقة المؤلف. أما المصنف الجماعي الذي يضعه أكثر من مؤلف يصعب فصل عمل كل منهم.. أما في حالة إمكانية فصل عمل كل مؤلف يسمى المصنف المشترك.. والمصنف المشتق هو الذي يستمد أصله من مصنف سابق.
كما قدم تعريفا للفلكلور الوطني بأنه "كل تعبير يتمثل في عناصر متميزة تعكس التراث الشعبي التقليدي ".. وقد حدد بعضها: الحكايات والأحاجي والألغاز والأشعار الشعبية وكل المأثورات – الأغاني الشعبية – منتجات الفن الشعبي التشكيلي – الرقصات الشعبية والطقوس – الآلات الموسيقية – الأشكال المعمارية.
بالنسبة لحق المؤلف..المؤلفون الذين تنشر مصنفاتهم لأول مرة إحدى الدول . ولا يعد نشرا ..تمثيل مصنف مسرحي أو موسيقى أو سينمائي أو القراءة العلنية لمصنف أدبي أو النقل الإذاعي أو عرض مصنف فني وتنفيذ مصنف معماري.
كما تتمتع بحماية هذا القانون بحقوق المؤلف للمصنفات :"الكتب- المصنفات المكتوبة مثل الدراسات والمقالات- برامج الحاسب الآلي- المحاضرات والحطب والمواعظ- المصنفات التمثيلية –المصنفات الموسيقية – المصنفات السمعية والتمثيلية- مصنفات الرسم بالخطوط والألوان والنحت- مصنفات الفن التطبيقي- المصنفات الفوتوغرافية – الصور التوضيحية – مصنفات العمارة ... كما تشمل الحماية عنوان المصنف إذا كان مبتكرا ".
كما حذر القانون على المؤلف حيث أنه ليس من حق المؤلف بعد نشر مؤلفه ..من أداء المصنف في اجتماعات عائلية أو اجتماعية, أو منع أحدهم من نسخ المصنف للاستعمال الشخصي (وكذا مصنفات الفن التشكيلي والنوتة الموسيقية), وكذا برامج الحاسب الآلي, عمل دراسات تحليلية للمصنف, أو نسخ أجزاء قصيرة من المصنف لأغراض التدريس, أو تصوير نسخة وحيدة لدار الوثائق أو بواسطة المكتبات.
وتتعدد مواد هذا الجزء من القانون إلى 188مادة , كلها تتعامل مع الإجراء القانونية, والتعريفات الضرورية, وتحديد من له الحق في المصنف الأدبي أو الفني , وغيرها.

أشار تقرير "اليونسكو" إلى أن أمريكا تنتج 75%من البرامج الثقافية المنتجة في العالم, ولا تستورد إلا 2%..بينما تستورد أوروبا 30%, والدول العربية تستورد أكثر من 50%. كما أشار إلى أن أكثر من 75% من الاعتداء على الملكية الفكرية يتم في الدول النامية في التصنيع حديثا في آسيا.. ويبدو أنه السبب الحقيقي وراء تبنى الولايات المتحدة لمشروع الحماية الفكرية ..!!

وضح للجميع الآن أن المنتجات القائمة على الملكية الفكرية, أصبحت جزء لا يتجزأ من النظام التجاري العالمي. وتعتبر الدول المتقدمة ذات سبق في مجال تصنيع الخدمات الثقافية, وهو ما كان سببا في النزاع بينها وبين الدول المتقدمة خلال المفاوضات حول القوانين المنظمة عموما, نظرا لرغبة الدول الصغيرة في حماية منتجاتها الابتكارية بما فيها الاختراعات, مع وجود ثورة المعلومات والاتصالات التي قد يصعب معها حماية وحفظ خصوصية تلك البلدان. ويبدو أن النظرة إلى حقوق الملكية الفكرية سيظل محل نقاش على الرغم من إصدار القوانين المنظمة فعلا, يعود هذا إلى أن الدول الكبرى والولايات المتحدة تحديدا تعتبر الملكية الفكرية تتساوى مع الملكية الطبيعية, بينما الدول النامية تنظر اليها من خلال المنظور السياسي. خصوصا أن الملكية الفكرية لها شقين: براءة الاختراع مع العلامات التجارية والتكنولوجيا ..وشق المصنفات الأدبية والفنية.

ففي إشارة سريعة إلى إنتاج الفيلم الروائي عام2002م..بلغ في الاتحاد الأوروبي 625 فيلما, و449 فيلما في الولايات المتحدة, و293 فيلما في اليابان ..وهى الأرقام التي تفوق سابقتها في البلد نفسه, كما يتضح أن الولايات المتحدة هي أكثر البلدان إنتاجا.
وتمارس الولايات المتحدة ضغوطا على الدول النامية لإجبارها على فرض مستويات أو معايير من الحماية تفوق تلك التي حددتها اتفاقية "تريبس". خصوصا بعد أن أقرت بعض القوانين التجارية التي تجعلها قوة مؤثرة على البلدان النامية , إلى حد توقيع العقوبات على بعض البلدان التي لا تتبع التعليمات التجارية الأمريكية في مجال التجارة.. وهو ما أعطى الولايات المتحدة ميزة سوق كبيرة الآن لم تكن لها من قبل. ومن جانب آخر كان على الدول النامية الإسراع في تشريع وتطبيق قواعد الملكية الفكرية ..ليس فقط في مجال السينما, في كل المجالات التجارية, والتي قد تعتبر أهم اقتصاديا.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية