ضمن اصدارات "مكتبة الأسرة" سلسلة الأعمال الفكرية, صدر كتاب "الرهان على المستقبل" للكاتب د.جابر عصفور.
العنوان مثير ولافت بالنظر الى كل المتغيرات من حولنا, على الصعيد السياسى والاقتصادى والعسكرى ثم والثقافى أيضا..لذا سوف نتابع تلك المحاور من خلال معطيات الكتاب.
فالكتاب فى الأصل مجموعة من المقالات والدراسات التى نشرت من قبل, ومع ذلك يستشعر القارىء بالتوحد والتفاعل للتكامل بين عناصر الموضوعات التى قد تبدو متنوعة , وان حملت جملة سمات مشتركة. تتجمع المقالات تحت ثلاثة عناوين أساسية.."شجون", "ملاحظات", "احتفاءات".وكل منها يتضمن بعض المقالات المتضمنة معنى العنوان الفرعى. ففى "شجون:"عام انقضى", حيث يحتفل الكاتب بانقضاء عام 1994م بكل ما يحمل من مآسى وهموم, فخلال السنة التى انقضت, قضى على الكثير من العرب والمسلمين فى البوسنة والهرسك وفلسطين وغيرها. كما تضمن مقال بعنوان "يحدث فى رام الله" حيث يحلل البيان الصادر عن الحكومة الأمريكية بعد العملية الفدائية فى رام الله, وكيف بدت السياسة الأمريكية منحازة الى جانب اسرائيل.
أما القسم الثانى فبعنوان "ملاحظات" : وربما من الأفضل سرد البعض الأكثر من المقالات المتضمنه فيه, حيث تعبر من عناوينها بداية , بشكل توجه الكاتب..حيث بدأ بالتوقف أمام احداث بعينها مع تحليلها, أما فى القسم الثانى حيث كانت الموضوعات منها:"رفض الآخر", "حق الاختلاف", "حق الخطأ", "خطاب العنف", "المتزمتون", "لغتنا وثقافتنا خارج الحدود", "الفعل الاجتماعى الخلاق", "مفترق الطرق ورهانات المستقبل".
يلاحظ القارىء أن تناول الكاتب فى هذا القسم توجه نحو القضايا المحورية, ثم مناقشة جوانبها اما بالتحليل والبرهان اما بتناولات أدبية بالاشارة الى شاعر أو كاتب عربى أو حتى الى بحث علمى.
ففى "ذاكرة ذكورية" يبدو الأمر طريفا , الا أنه دال ويستحق التوقف , حيث قدمت احدى الباحثات السعوديات الى الكاتب وطلبت الاطلاع على سيرة ذاتية لاحدى الكاتبات العرب..فما كان من الكاتب الا الصمت..وهو ما توقف أمامه , كيف أنه لا يتذكر أية سيرة أنثوية؟؟.
وفى "نحو خطاب ثقافى جديد" اشارات الى المؤتمر الذى عقد بالقاهرة , خلال شهر يوليو 2003م, وبعد الغزو الأمريكى للعراق, فى محاولة لتجميع الشتات , ولم الشمل الثقافى, على اختلاف أجيال المثقفين واتجهاتهم.
كما كان القسم الثالث معبرا تحت عنوان "احتفاءات"..حيث "قدر الموت فى الغربة", "عن احسان عباس", "أمل دنقل الانجاز والقيمة", "قيمة ابداعية اسمها الأبنودى", أستاذى شوقى ضيف".. وغيرها.
يجمع بين مجمل المقالات توقفات أدبية فكرية, وان تحدث الكاتب عن أحياء أو أموات..حيث الفن والفكر والابداع هو جوهر المستقبل المتوقع والمرجو.
بتلك السياحة السريعة لا نعرض للكتاب قدر اهتمامنا بالمنهج والتناول للكاتب..وهو ما عبر عنه فى المقدمة بقوله:"وقد كتبت المقالات...من منظور الوعى بالمستقبل فى علاقته بشروط التقدم". فالحقيقة المؤلمة (على حد تعبير الكاتب) أن الأمة العربية منذ أن دكت مدافع "نابليون" الأسكندرية فى أواخر القرن ال18, والفكر العربى لا يفكر فى المستقبل الا تحت وطأة الحاضر.
وقد انحصرت الأفكار فى نوعين من صور المستقبل..الأول عودة الى عصر فى الماضى, والثانى يبعد عن الأحلام الى الاستعداد لاعادة صياغة الواقع, مع صياغة عقلية جديدة. وان تحمس الكاتب للصورة الثانية..
اجمالا يمكن الاشارة الى عدد من الملامح التى طوتها صفحات الكتاب.. المدخل غالبا ثقافى أو ابداعى لأغلب المقالات.. اشارات متتالية ولحوحة الى الواقع الآنى :سياسى وعسكرى واقتصادى, حتى أنه يمكن أحيانا استنتاج سنة كتابة المقال بعد القراءة السريعة له.. وضوح الجانب الخاص فى التناول , الا أنه يتميز بمزج راق الى ما هو عام, بحيث تبدو بعض المقالات وكأنها رصد لفكرة .زمثل تلك الرسالة المنشورة ل"ليانة بدر" تحت عنوان "الى ليانة بدر", حيث يتضمن المقال الرسالة المرسلة له متضمنة قدر المعاناة التى عانتها "ليانة" وبالتالى الفلسطينيين من جراء القذف العشوائى للمدافع الرشاشة الاسرائيلية على دور المدنيين, وهو ما أخر سفر الكاتبة لحضور مؤتمر ثقافى..كما يمكن الاشارة الى مقدمة الكتاب التى توضح الكثير من فكر ورؤية الكاتب.