في الحياة اليومية يعبر الإنسان بشكل بسيط عن قلقه نحو المستقبل, فيقول:"كيف أعيش بقية حياتي؟"..وقد ظهرت دراسات عديدة في العلوم الإنسانية عن طبيعة "المفاجأة" ووسائل "التوقع".. دراسة "المستقبل" ليس معناها الهروب من الحاضر أو وسيلة لكي نتجنب ما ينبغي أن نفعله.. هو دراسة لممكنات الحاضر التي يمكن أن يؤول إليها, فما نخطط له الآن, ونعمل فيه هو ما يتحقق في المستقبل.بتلك الكلمات قدم الناقد "د.رمضان بسطاويسى" لكتاب "مستقبل الفلسفة في القرن إلحادي والعشرين" ..تحرير:"أوليفر ليمان", ترجمة: "مصطفى محمود محمد"..وقد صدر مؤخرا عن سلسلة "عالم المعرفة" بالكويت. هناك من الأحداث ما له مستقبل يسهل التنبؤ به, ربما أوضحها ظواهر علم الطبيعة..تزداد الصعوبة بالابتعاد عن مجال هذا العلم.. و"الفلسفة" تقع في موقع بالغ الصعوبة, فمن السهل تشريح الظواهر, والصعوبة ترجع للتنبؤ بما سيحدث للفلسفة. قد يبدو الأمر أسهل في حالة ربط الأفكار مع الأحداث المادية, وهو ما قال به بعض الماركسيين, إلا أنها بدت أكثر تعقيدا بمرور الزمن.
وقد ذهب الفيلسوف "فيتجنشتاين" إلى القول: "حينما نفكر في مستقبل العالم, فنحن دائما نعنى الغاية التي سيصلها إذا ما واصل السير في الاتجاه الذي نراه يسير فيه الآن, ولا يخطر لنا أن مساره ليس خطا مستقيما, بل هو منحنى, يغير على الدوام من اتجاهه".
"الفلسفة" مثل أي شئ آخر لها أنماطها المتجددة.. فمع فكرة "ليست هناك أفضلية مسبقة لوجهات نظر معينة ".. لذا يرى البعض أن بحث التقدم في الفلسفة , في كونها تشكيلة متنوعة ودائمة من الموضوعات التي يدور حولها الخلاف. ومن يرى الفلسفة شكلا من أشكال الأدب, أنه يجعل الفلسفة وكأنها فكرة ذاتية.. غير موضوعية.
ومن قائل بأن الفلسفة تسير وحدها, والأمور الحياتية لها مسارها الخاص بها..حتى تأصل فهم خاص بالفيلسوف, بأنه مخلوق من عالم آخر.. وأن الواقع يفيد من الأخذ منه لضرب الأمثلة. وهو ما ذهب إلى القول بأن الفلسفة شئ ثانوي.والسؤال: هل ستتغير طبيعة الفلسفة في المستقبل؟
بداية فان ملامح الفلسفة أعم وأشمل من الفلسفة الأكاديمية , هناك قدر كبير بالاهتمام بالقضايا الروحية أو الروحانية في العالم (واضح منذ نهاية القرن الماضي) , وهو ما عبرت عنه أرفف الكتب في المكتبات. وهى كتب بعيدة عن الفلسفة الحقة, لأنها مجموعة من الأفكار الغامضة, حول كيفية أن يعيش الإنسان, ذاتية غير موضوعية, لا تعتمد على الدليل أو التحليل, وهو ما وقر فى ذهن العامة على أنه الفلسفة. ويرى الكاتب أن العامة لم تبتعد كثيرا, ما تتحدث عنه الفلسفة الشعبية يشبه الفلسفة الأكاديمية..على الرغم من اختلاف الأسلوب.
قد يقتربان في المستقبل, بسبب انتشار التعليم, وارتفاع مستواه, مما يشجع على الخوض في الموضوعات المعقدة.."الفلسفة والروحانية. بل ربما تساعد "العولمة" على العزلة والمزيد من البحث عن إجابات تتوالد. وهو ما يعبر عنه حاليا بالاهتمام الحالي ببحوث الروحانيات والسحر والتنجيم.
بدت الفلسفة خلال الفترات السابقة وكأنها في أزمة, وبدت كي تبقى أن تتطابق مع العلوم, غير أنه يتوقع في المستقبل القريب, يتحقق التقدم للفلسفة من خلال التركيز على التفرقة بين الفلسفة والعلوم.. حيث أن المعطى العلمي قد يبدو في "السوق", لكنه لا يبدو كذلك بالاتجاه إلى الروحي للإنسان. وتعطى الفلسفة الشعبية بعض الإجابات, لكن دور الفلسفة الأكاديمية حتمي ومنتظر.
لكن يجب النظر إلى الفلسفة في المستقبل , أكثر من كونها مجرد رد فعل على النزعات المادية في الحياة اليومية.
فأحد المفاهيم التي انتقدت مسألة انفصال المفكر عن العالم الواقعي., وشاع أكثر الآن أن يقحم الفلاسفة أنفسهم في القضايا العملية اليومية..ومتوقع تزايده في المستقبل. فزيادة القضايا الخلافية المتوقع, ومشاكل الأخلاقيات مع التزايد العلمي والتقني للعلوم, بل والحياتي :مثل تلك النشاطات التي تدعو إلى تلافى أخطار التدخين أو لحوم مصابة بجنون البقر أو حتى الممارسات الجنسية غير الحذرة, كلها وغير في حاجة إلى خطاب جديد يشارك فيه الفلاسفة لإقناع البعض بتنفيذ تلك المحاذير.
يتوقع في المستقبل القريب نظرا لزيادة التجانس في الثقافة العالمية أو الحضارة, توسيع نطاق المنهج الفلسفي التقليدي.. نظرا لعدم معرفة فلاسفة الغرب لينابيع الفكر الفلسفي لغير الفكر المسيحي..مثل الفكر اليهودي والإسلامي.. وهناك اعتقاد لدى فكرى الغرب أن فلاسفة الشرق أميل إلى أفكار فلسفية ملحقة للأديان الشرقية.
ولأنه من المتوقع أن بعض بلدان الشرق سوف تصبح متقدمة اقتصاديا إلى جوار اليابان, مما سيشجع على الاطلاع على الفكر الشرقي, وربما من الإيجابيات نظرا لتقاعس المفكرتين الغربيين القيام بذلك طواعية في الماضي. وان بدت بعض أفكار الفلسفة والفكر الشرقي تبدو جلية في الفلسفة الشعبية في الغرب الآن.
وفى لعموم يبدو أن الاهتمام بالفلسفة القديمة آخذ بالمزيد من الرعاية, سواء بالتركيز على تطوير العملية التعليمية في الغرب (طالب الفلسفة), أو بإعادة البحث في أفكارهم (القدامى) من أجل المزيد الفحص والتمحيص.
كما أن التنبؤ العلمي, وتطور علم الأخلاق المرتبط بالتقدم التكنولوجي والعلوم الجديدة, مثل الهندسة الوراثية وغيرها. كل ذلك جعل من "الأخلاق" علما فلسفيا ذات أهمية خاصة, فأضاف إلى مستقبل الفلسفة أهمية جديدة وأكيد.
لقد أصبحت الفلسفة مع القرن الجديد ومعطياته, من أهم العلوم وربما المناهج التي سيدخل بها الإنسان عموما والفيلسوف خصوصا (مع إقرار فكرة الفلسفة الشعبية والأكاديمية التي ركز عليها الكاتب) .