الكتاب: معضلات العدالة الانتقالية في التحول من دول شمولية الى دول ديمقراطية.
المؤلف: نويل كالهون.
المترجم: ضفاف شربا.
دار النشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
تاريخ الإصدار: 2014
حاولت الكاتبة سبر أغوار المعضلات التي واجهت دول أوروبا الشرقية وروسيا في مسعاها لإقامة العدل في سياق الانتقال الديمقراطي وقد أفرد نصيبًا من الدراسة لثلاث حالات هي بولندا وألمانيا وروسيا.
في الجزء النظري أشارت إلى أن هناك ثلاث مقاربات عامة يمكن للأنظمة الوليدة تبنيها لتسوية جرائم الأنظمة البائدة وهي القصاص العنيف أو الصفح ونسيان الماضي أو اتباع سياسات العدل والحق القائمة على عدة أدوات قانونية تتراوح مابين المحاكمات وتعويض الضحايا إلى تطهير مؤسسات الدولة وإلى المصارحة وكشف الحقيقة.
كما بحثت في العوامل التي تؤثر في اختيار مقاربة معينة للعدالة الانتقالية دون غيرها وقد اقترح عدة عوامل من بينها نمط التغير السياسي محددًا ثلاث أنواع هي الثورة والتغيير عن طريق التفاوض، أو عن طريق مبادرة من النخبة الحاكمة، والعامل الثاني يتعلق برغبة النخبة الحاكمة في بسط هيمنتها وتغيير موازين القوى، أما العامل الأخير فهو تأثير العقيدة السياسية في رسم مقاربة العدالة الانتقالية، وقد حاولت الكاتبة الربط بين تأثير العقيدة الليبرالية على العدالة الانتقالية من خلال مناقشة دور مفاهيم نظرية ليبرالية على بناء مقاربة نهائية للعدالة الانتقالية.
وفي الجزء العملي تناولت الحالة الألمانية التي رغم أن الانتقال السياسي كان فيها خاطفًا إلا أن الأساليب العنيفة مثل القصاص غابت عنها وقد حاولت ألمانيا الشرقية الاعتماد على عدة أدوات قانونية رسمت ملامح مقاربة تميل للتصالح مع الماضي وهو الامر الذي تعزز لاحقًا بعد الوحدة،كما أشار الكاتب أن العقيدة الليبرالية لعبت دورًا في رسم نقاشات المرحلة الانتقالية التي اتخذت شكل مناظرات قانونية تناولت معضلات العدالة الانتقالية بشكل تقني قانوني، وقد انتهت ألمانيا إلى النجاح في تبني سياسات الحق والعدل في النهاية.
أما الحالة البولندية فقد غرقت في نقاشات نظرية منعت من تبني قانون للتطهير، كما اتضح أن السياسيين كان يفضلون تناسي الماضي بسبب نمط الانتقال السياسي الذي اعتمد على التفاوض، لكن ذلك أدى إلى نتائج عكسية لاحقًا إذ بدا تبادل الاتهامات وظهور الشائعات أدت إلى حالة عدم استقرار، وهو ما أرغم السياسيين بضرورة تبني قانون للتطهير.
وفي الأخير الحالة الروسية التي برز فيها الدور البناء للإعلام ومؤسسات المجتمع الأهلي في إحياء ذكرى الضحايا وتسليط الضوء على إرث الانتهاكات لكن على المستوى السياسي كانت الإجراءات هزيلة بسبب غياب بناء عقائدي وعدم اعتبار قضايا العدالة الانتقالية شديدة الإلحاح مقارنة بغيرها .
وقد بينت الكاتبة في الختام كيف أن العقيدة الليبرالية تقدم قيمًا متعارضة لا توفر صيغة نموذجية واحدة، وهو الأمر الذي اتضح في التجارب الثلاث التي عالجتها في الكتاب، ومن ثم فهو لم يثبت فرضيته التي اعتمد عليها في البداية بل اعترف أن بناء نموذج للعدالة الانتقالية يتأثر بعدد من العوامل إضافة إلى عامل العقيدة السياسية، لكنه يبقى كتابًا قيمًا لأنه يسد ثغرة في مجال بحوث العدالة الانتقالية كما أنه قدم دراسة معمقة لثلاث دول انتقلت من أنظمة شمولية إلى ديمقراطية موضحًا الطريق العسير الذي مرت به لتحقيق العدالة.
التدقيق اللغوي: هبة العربي